تقدم نفر كريم مشهود لهم بالتاريخ الوطني والانحياز الأصيل لقضايا شعبنا بمبادرة سميت بمبادرة العودة الى منصة انطلاق الثورة ، وتمت اجتماعات نتج عنها ميثاق العودة الي منصة التاسيس. وهي مبادرة متقدمة وأمينة وشجاعة، جاءت في وقتها تماما لانقاذ المرحلة والتصدي للفشل الباين الذي شابها. أومن بضرورة المبادرة ، وصحة التوقيت ، والمبدئية في الطرح. وتشكل المبادرة تحديا مصيريا امام احزابنا وحركاتنا المسلحة ومنظماتنا المدنية ولجان مقاومتنا وغيرها من قوى شعبنا، فأما الارتقاء لروح ومنصة انطلاق الثورة أوسقوط دولتنا الوطنية في هاوية لا قرار لها. مرت شعوب عديدة بمرحلة الانتقال الديمقراطي بعد اسقاط الدكتاتوريات ، وتراكمت خبرات ثرت ، استخلصت منها الشعوب دروس عديدة من أهمها: طريقة الوصول للسلطة وأثرها في انجاز التحول، تعقد مهام الانتقال وتشعبها ، البط في انجاز التحول الديمقراطي ، مقاومة بقايا النظام القديم واستماتتها الشرسة في الحفاظ مكاسبها، صعوبة اجراء التحولات التشريعية والقانونية والمجتمعية في ظل جهاز الدولة القديم وكوادره المتشربة بتفكير النطام القديم. ولكن ، اثبت التجارب ، في معظمها ، إمكانية الانتقال الديمقراطي رغم صعوبة المخاض. لدينا في السودان تجارب متنوعة، تضيف لخبرتنا السياسية، من حيث التعلم منها ، للابحار خلال موجات صراعات وتناقضات فترات الانتقال الديمقراطي ، وتشعب قضاياها وتعقدها، وتحولات مزاج الجماهير من التطلعات العالية ما بين الرغبة والحماس لتغيير سريع، والغضب واليأس من بطء التغيير. فهناك تجارب ثورة أكتوبر وما تمخض عنها ، وانتقاضة 1985 وما شاب فترتها الانتقالية ، بالإضافة للتجارب الديمقراطية الثلاث وما لها وما عليها. الآن تواجه بلادنا قضية التحول الديمقراطي في ظل ازمة اقتصادية مزمنة وضغوط معيشية خانقة ، وتوازن سياسي هش في ظل وجود مراكز قوي متصارعة ، وحروب أهلية توقفت ولكن لم يتحقق السلام بشكل كامل. أثبتت تجربة الحكومة الانتقالية الأولى والثانية الفشل المبين. الفشل الذي تمثل في الازمة الاقتصادية الطاحنة والمتطاولة ، وفي البطء المريب في محاكمة قادة النظام المباد على جرائمهم ، التلكؤ في تحقيق ديمقراطية الاجهزة العدلية والقانونية ، التغييب المتعمد للمجلس التشريعي، سيطرة المكون العسكري على كامل مهام الحكومة ، الاتفاق المعيب الذي تم في جوبا. رغم كل تلك الاخفاقات لن ننكر تحقيق اختراقات هامة في جبهة العلاقات الدولية وخاصة المؤسسات المالية، وهذا مكسب كبير وأساسي لمستقبل تطوير اقتصادنا. التجربة الماضية تضعنا امام تحدي اساسي وهو ان هدفنا الاساسي هو ارساء الاسس القانونية والتشريعية والسياسية والمؤسساتية لبناء نظام ديمقراطي تعددي، تتم فيه عملية انتقال السلطة بصورة دورية وبارادة الجماهير السودانية. ضعف احزابنا وتكالبها على السلطة والمكاسب الضيقة ، وضعف الممارسة الديمقراطية داخلها ، تجعل عملية الانتقال صعبة ومعقدة وتحتاج لتضحيات من الجميع. انطلاقا من كل النقاش اعلاه، تأتي مبادرة ذلك النفر من القادة الوطنيين في توقيتها الصحيح. تأتي لتؤكد قدرتنا كشعب على تصحيح مسار الثورة العظيمة ، وامكانيتنا على تخطي ومعالجة الصعاب ، ومحاسبة منتسببوا في الفشل، وفي توقيف من ضخموا مكاسبهم على حساب شعبنا ليعودوا لحجمهم الطبيعي والمعروف. والأهم أن نعود للعمل معنا من اجل وطننا، وان نخلق الآليات التي تحول إختلاف رؤانا لمصدر قوة. وان نؤمن، بصدق، ان وطننا متعدد الانتماءات والاديان والثقافات والاثنيات، وانه قطر بحجم قارة ، وان النظام البائد قد ترك حطام دولة مفلسة معزولة ن مما يجعل عملية التغيير في غاية الصعوبة ، ولكنها ليست مستحيلة. حددت المبادرة في ميثاقها وبكلمات واضحة اهدافنا: " في اعقاب ثورة ديسمبر المجيدة، المخضبة بدماء الشهداء، والتي أذهلت العالم بمدنيتها وسلميتها، آن لنا البد في تحقيق ذلك الهدف الاستراتيجي القومي، والذي اشارت له بوضوح ديباجة الوثيقة الدستورية ( المرجعية الأولى والاخيرة) حيث نصت: ( استجابة لتطلعات الشعب السوداني لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وفق مشروع نهضوي متكامل، وذلك وفق رؤية استراتيجية قومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية طويلة ومتوسطة المدي والآنية) " هذه المبادرة تحتاج لعصف ذهني حقيقي من كافة القوى والمنظمات والافراد. تحتاج لتحديد مكامن الفشل ولماذا حدثومن المسئول عن حدوثه وكيفية معالجته ومن ثم تخطيه مع الاستفادة من دروسه لكيلا يتكرر. علينا الخروج من حالة الانتظار السلبي على الرصيف، وان نحارب ، بلا هوادة روح الاحباط واليأس التي تسربت لقطاعات من شعبنا. وأن نشمر عن ساعد الجد، فهذا الوطن لن تبنيه المنظمات الدولية ولا المساعدات الاممية ، مهما سخت. ولكن يبنيه أولئك الشجعان الذين فتحوا صدورهم لرصاص الطغاة، ونجحوا في اسقاط واحدة من اشرس الدكتاتوريات. أعتقد ان أفضل ما أختم به هذا المقال المختصر ما اختتم به الميثاق: " إنها فرصة تاريخية للعودة للوحدة ولنقطة التأسيس ، ليعود للثورة ألقها وللشعب أمله وثقته في مكوناته السياسية والمجتمعية، ويحي تطلعه لغد مستحق للوطن، ويتناسب مع ما تم بذله من تضحيات وما اريق من دماء في ثورة ديسمبر المجيدة. "