حُظي قرار صندوق النقد الدولي بإعفاء السودان من عبء الديون الثقيلة والموروثة من الماضي؛ بتأييد داخلي وخارجي واسع، ووصفه سياسيون واقتصاديون بأنه إنجاز تاريخي وخطوة مهمة متقدمة، بأن تتمكن دولة مثقلة بنحو 60 مليار دولار من الحصول على تأييد دولي عالمي وكسب ثقة المجتمع الدولي. ويعد السودان آخر دولة تسدد متأخرات طويلة الأمد لصندوق النقد الدولي، ولن تواجه الآن متأخرات سداد من أعضائه للمرة الأولى منذ أوائل عام 1975. وبهذه الخطوة المهمة سوف يتمكن السودان من الحصول على موارد مالية جديدة من شركاء التنمية لبناء مستقبل جديد وواعد، في دولة صارت محط أنظار العالم بإمكانياتها ومواردها الطبيعية، فضلاً عن مخزون ثروات تعدينية تحت الأرض، يؤكد اقتصاديون أنه لو تم استخراجها والاستفادة منها لعاد السودان قوة اقتصادية مهمة. وحول ذلك عدّ الخبير والمحلل الاقتصادي د. محمد الناير، قرار صندوق النقد بأنه خطوة جيدة ومتقدمة، لأن إعفاء الدين يخلص السودان من عبء كبير لا يقل عن 2 مليار دولار سنوياً عبارة عن فوائد وجزاءات مضافة على أصل الدين، منوهاً إلى أ أصل الدين يتراوح بين 17 الى 18 مليار دولار أمريكي، أما باقي الدين البالغ 42 مليار دولار من جملة 60 مليار دولار من ديون السودان؛ هو عبارة عن جزاءات وفوائد تضاف إلى السودان بسبب تأخره عن سداد مستحقات مؤسسات التمويل الدولية، ولكن بعد قرار صندوق النقد والبنك الدوليين يمكنه الآن الاستفادة من مبادرة الهيبك ليتمكن من الحصول على تمويل في شكل منح أو قروض. وأشار الناير في حديث ل(مداميك) إلى أن إعفاء الديون يستغرق فترة زمنية تمتد إلى عامين، لأن هناك مفاوضات مع دول مجموعة نادي باريس، ودول خارج نادي باريس، وهي تشكل نحو 80%، بجانب ديون تجارية تشكل 20%، وما تم الآن هو خطوة نحو إعفاء الديون يمكن أن يستفيد من خلالها في الحصول على القروض والمنح. وعاب الناير الإجراءات التي اتخذتها الدولة مؤخراً من تحرير أسعار الوقود، لأنها أحدثت اثاراً سالبة على الاقتصاد وعلى المواطن، بجانب قرار إلغاء الدولار الجمركي، مبيناً أن هذه القرارات أحدثت تشوهات في الاقتصاد، وارتفاع في الأسعار بصورة كبيرة. وأضاف: "إذا لم تتلقَّ الدولة في شهر يوليو بين 4 إلى 5 مليارات دولار لخلق توازن في سعر الصرف وتخفيف الضغط على العملة الوطنية؛ سيكون الأمر أكثر صعوبة بسبب الضغوط التي يعيشها المواطن، من تفاقم الأوضاع المعيشية الآن، واحتمال تزايدها في ظل ضعف الحماية الاجتماعية وبخاصة برامج سلعتي وثمرات، لأنها لم تعالج القضية ولم تفِ سوى ب5 او 10% فقط من الحد الأدنى لاحتياجات المواطن. بالمقابل، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية ترحيبها بالإعلان الصادر عن صندوق النقد الدولي حول ديون السودان، مشيرة إلى أن السودان نجح في تسوية ما يقرب من 1.4 مليار دولار من المتأخرات المستحقة لصندوق النقد الدولي. ورأى بيان صحفي صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، أن هذه الخطوة تعد شهادة من البنك الدولي على التزام السودان المستمر بتطبيق الإصلاحات الاقتصادية القاسية والضرورية في سعيه للانتقال إلى الحكم الديمقراطي. وأشار البيان إلى أن هذه الإجراءات الاقتصادية التي نفذها السودان؛ تشمل توحيد سعر الصرف وتعزيز الحوكمة والشفافية المالية. والتزمت وزارة الخزانة بالمساهمة بما يصل إلى 120 مليون دولار من موارد المنح لتمويل إعفاء صندوق النقد الدولي من ديون السودان، في إطار المرحلة الأولى من مبادرة هيبك التي أعلن عنها. فيما وصفت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، المرحلة التي وصل إليها السودان مع الصناديق والمؤسسات الدولية المالية ب "الإنجاز التاريخي". وقالت إن مؤسستها ستواصل دعم السودان. وبعثت المسؤولة الدولية في تسجيل فيديو على موقع المؤسسة بأحر التهانئ لحكومة وشعب السودان على هذا الإنجاز التاريخي، وتحرر البلاد من عبء الديون الثقيل الموروث من الماضي، والحصول على موارد مالية جديدة مهمة من شركاء التنمية لبناء المستقبل. وأوضحت جورجيفا أن الوصول لهذه المرحلة كان عملاً مشتركاً بين السودان والمؤسسات المالية والدول التي وفرت الدعم والمساعدة المالية للسودان. وكان مسؤول بصندوق النقد الدولي قال إن عملية تخفيف الدين التي من المتوقع أن تستغرق نحو ثلاث سنوات؛ ستخفض في نهاية المطاف عبء ديون السودان الخارجية إلى نحو ستة مليارات دولار من المستوى الحالي البالغ نحو 56.6 مليار دولار، أو 163% من الناتج المحلي الإجمالي. وكان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي وافق على تسهيل ائتماني ممتد للسودان بقيمة 2.5 مليار دولار. وأعلن الصندوق أن القرض مدته 39 شهراً، بعد أن توصل البلد إلى تسوية لمتأخرات قيمتها 1.4 مليار دولار مستحقة للصندوق لبدء مفاوضات تخفيف ديونه في ظل مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالدين. مداميك