يتأهب الجيش سرا لمآلات صراع القوميات الإثيوبية، الذي اتسع نطاقه الأمني والعسكري، لينذر بموجة لجوء جديدة أكثر ضخامة لمدنيين وعسكريين صوب الحدود السودانية كملاذ آمن جربوه مرات عديدة. ومن عند مثلث التقاء الحدود السودانية والإثيوبية والإريترية شمالا، في نقطة حمداييت بكسلا السودانية وحتى منطقة شهيدي الإثيوبية جنوبا المتاخمة لأراضي الفشقة الصغرى بولاية القضارف، يتزايد التوتر العسكري بشكل لافت. ويشمل التوتر إريتريا التي ساندت الجيش الإثيوبي الفدرالي في حربه على حكام إقليم تيغراي (بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020) وأسفرت عن لجوء أكثر من 60 ألف لاجئ للسودان. وبحسب معلومات متواترة تلقتها الجزيرة نت، فإن السلطات الإريترية شيدت معسكرا حدوديا بقرب حمداييت، مثلث التقاء حدود الدول الثلاث، في ظل حشود للجيش الإريتري مزودة بأسلحة ثقيلة في مناطق "تسني" و"اللفة" و"الديمة". وتخشى أسمرا من انتقام جبهة "تحرير تيغراي" التي استعادت زمام المبادرة على حساب الجيش الفدرالي الإثيوبي بسيطرتها مجددا على ميكيلي عاصمة الإقليم أواخر يونيو/حزيران الماضي، وتحركها للسيطرة على أديس أبابا. منطقة الفشقة السودانية تمثل بؤرة صراع حدودية مع إثيوبيا (مواقع التواصل) أزمة معابر وبحسب مصدر عسكري تحدث للجزيرة نت، فإن الجيش السوداني بدأ إخلاء بلدة القلابات بالفشقة الكبرى المتاخمة لإقليم أمهرة الإثيوبي من المدنيين بعد 3 أيام من إغلاق معبر القلابات الرابط بين البلدين. وقرر السودان إغلاق المعبر بعد اختفاء النقيب في الجيش بهاء الدين يوسف (يعتقد أن قوة إثيوبية اختطفته أثناء قيادته قوة للبحث عن 3 أطفال سودانيين اختطفتهم مليشيا إثيوبية مقابل فدية مالية). وبإغلاق معبر القلابات، تتوقف حركة تبادل تجاري ضخمة بين السودان وإثيوبيا، خاصة وأن معبر المتمة مع إقليم تيغراي الإثيوبي توقف منذ العام الفائت. وتزود هذه المعابر إثيوبيا بغاز الطهي والوقود والقمح، فضلا عن قائمة طويلة من السلع الغذائية. وخلال الساعات القادمة، يتوقع أن تجري مفاوضات بين قادة عسكريين على حدود البلدين عند معبر القلابات في محاولة لنزع فتيل الأزمة. وتتمثل خطورة إغلاق هذا المعبر في أنه يفاقم حالة من الحصار يمكن أن تعانيها إثيوبيا، إذ أن ثمة تقارير تشير لتقدم جبهة تيغراي لقطع الطريق أمام السكة الحديد بإقليم عفر بين أديس أبابا وميناء جيبوتي. موجة لجوء وضمن تحرك قوات جبهة تيغراي التي يحركها الانتقام من الأمهرة المساندين للجيش الفدرالي، دارت معارك ضارية بمنطقتي "شهيدي" و"جلقة" بإقليم أمهرة المحاذي لولاية القضارف السودانية بطول 110 كيلومترات. وطبقا لمصادر أهلية بولاية القضارف، فإن هذه المعارك دارت أمس الأحد بين التيغراي ومليشيات الكومنت المساندة للأمهرة مما أسفر عن سقوط قتلى لم يجر حصرهم. وطبقا للمصدر العسكري، فإن التوترات العسكرية بالمناطق الإثيوبية المتاخمة لحدود السودان ينتظر أن تؤدي لموجة لجوء واسعة تشمل المدنيين والعسكريين الفارين من معارك القوميات الإثيوبية التي يتوقع أن يتسع نطاقها. ودلل حديثه ببيانات نشرة يومية ترصد تدفق اللاجئين الإثيوبيين للسودان، سجلت أمس دخول 35 لاجئ مقارنة ب 3 لاجئين فقط السبت الماضي. وأواخر العام الماضي، فرّ عشرات اللاجئين الإثيوبيين للسودان من حرب إقليم تيغراي، وينتشرون الآن بمعسكري أم راكوبة والطنيدبة ومركزي استقبال اللاجئين بحمداييت والهشابة. عناصر من الجيش السوداني بولاية القضارف الحدودية مع إثيوبيا (الصحافة السودانية) كابوس الشرق ومن جانبه يحذر الصحفي السوداني المهتم بالشأن الإثيوبي محمد حامد جمعة من أن ما يجري بإثيوبيا سيحيل حدود السودان الشرقية لكابوس من المعارك والدماء والهروب واللاجئين. ويقول جمعة -على حسابه بفيسبوك- إن شرق السودان ربما تحول إلى أرض قتل للأطراف الإثيوبية المتصارعة. وتساءل "هل للسودان قدرة بظروفه الحالية لذاك؟". ويؤكد أنه ستقوم على حدود السودان الشرقية حرب حتمية بين أطراف إثيوبية وإريترية، وسيتحول الشرق نفسه لخيار أن يكون ميدانا خلفيا للمعارك والمعالجات والضغوط. وتابع "حال تقدم قوات تيغراي إلى غوندر، فالمؤكد أن على السودان التحسب لموجة لجوء كبيرة ربما كانت أشد من التي حدثت أثناء حرب تيغراي". وعبر نشاطهم بمنصات التواصل الاجتماعي، تجذب الأوضاع في إثيوبيا اهتمام العديد من السياسيين السودانيين، مثل القيادي بحزب المؤتمر الوطني المنحل أمين حسن عمر. حدود ملتهبة ولن تتوقف مآلات حرب القوميات الإثيوبية عند ولاية القضارف السودانية لوحدها، فقد اختبرت من قبل موجتين للجوء المدنيين والجنود الإثيوبيين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وفيما يشبه تكالب قوميات إثيوبيا على تحالف رئيس الوزراء آبي أحمد مع الأمهرة ذات الأطماع التوسعية، فإن إقليم بني شنقول-قُمز، المتاخم لولاية النيل الأزرق بالسودان، يشهد بدوره توترات أمنية مع الأمهرة منذ العام الماضي. وفي فبراير/شباط ومايو/أيار الماضيين تدفق أكثر من 3 آلاف لاجئ من إقليم بني شنقول إلى ولاية النيل الأزرق، مما يعني أن حدود السودان مع إثيوبيا بطول نحو 720 كيلومترا ستكون مسرحا لأزمة إنسانية بالغة التعقيد. ونشبت الخلافات بين القُمز ببني شنقول والأمهرة بعد احتجاجات للقُمز على قيام سد النهضة في أراضيهم، وسعى الحكومة الفدرالية لتوطين الأمهرة فيها. وتتسيد النزعات الانفصالية إقليم بني شنقول-قُمز، الذي كان ضمن أراضي السودان قبل اتفاقية بين بريطانيا وإمبراطور الحبشة. مآلات متوقعة ويحذر الباحث الإستراتيجي بشؤون القرن الأفريقي أحمد صباح الخير من انعكاسات خطيرة لما يجري بإثيوبيا على السودان ومنطقة القرن الأفريقي ككل. ويقول إن الحرب بإثيوبيا في طريقها للاتساع لأنها بدأت بالجيشين الإثيوبي والإريتري وقومية الأمهرة ضد التيغراي، والآن تتدخل قوميات مثل العفر والأرومو وشعوب الجنوب كأطراف جديدة مما سيسفر عن حركة لجوء كبيرة للسودان. ويتوقع زيادة الهجرة غير النظامية لأوروبا نسبة لأوضاع إنسانية صعبة سيعانيها اللاجئون الإثيوبيون، في ظل ضعف إمكانيات السودان وتقاعس المجتمع الدولي. ويؤكد صباح الخير للجزيرة نت أن دخول عسكريين مع اللاجئين المدنيين محتمل، ويمكن أن يقود لصدام بين الجيشين السوداني والإثيوبي مع تذرع الأخير بملاحقة متمردين إثيوبيين يتلقون دعما من الخرطوم داخل أراضي السودان. وينوه إلى أن التأثير سيمتد للصومال لأن إثيوبيا سحبت 300 ألف جندي من حدودها مع هذا البلد لمكافحة نشاط حركة الشباب الصومالية. وينصح الباحث بشؤون القرن الأفريقي الحكومة السودانية بأن تتعامل بوعي، وتتحسب أمنيا لما يجري بإثيوبيا خاصة في ظل أزمة أراضي الفشقة الحدودية التي استردتها الخرطوم من أديس أبابا أخيرا. المصدر : الجزيرة