يدور لغط هذه الأيام على نطاق واسع بشأن ما يسمى المصالحة مع الإسلاميين والقصد مع ( الإخوان المسلمين / المؤتمر الوطني ) وكان أبرز من ألقى بحجر في البحيرة الراكدة ، على الملأ ، أركو مناوي وتبعه د. النور حمد ، على استحياء ، حيث تنصّل من قول صريح لا لبس فيه ولا غموض ولا تأليف ولا تزوير بعد أن تناقلته الأسافير . ولم أجد فيما يتجادل فيه أهل بيزنظة شيئا يستحق كل ذلك خاصة من المثقفين الذين يبدو أنهم يجهلون أن المصالحة تمشي على قدمين في سوق النخاسة السياسي السوداني الذي تباع فيه الضمائر ، وتشترى فيه المواقف بدماء الشهداء عبر الصمت والمماطلة. وكم كنت أرجو لو أن هذا الطرح الكسيح جاء متسقا مع استقراء الواقع وتحدث المتحمسون للمصالحة والمعارضون لها عن ما الذي فقده الإسلاميون فعلا ؟؟ وهل من الضروري " استمرار أو فض الشراكة مع الإسلاميين؟ ". السؤال الآن من يصالح من ؟ وهل ما يجري يدل على عداء لهم ؟ أعتقد أن ما حدث حتى الآن يؤكد أن حصيلة الإسلاميين والمؤتمر الوطني من السلطة والثورة والمحاصصة على المناصب والتي يتقاتل عليها الجميع راجحة بلا أدنى شك . فإذا كانت الثورة قد انطلقت لاجتثاث الإخوان وتجربتهم ومحوهم من تاريخ السودان باعتبارهم أشد الحقب سوادا، فما الذي جرى حتى الآن؟ تعالوا نجرد الحساب ما الذي خسره الإسلاميون حتى الآن لكي يهرولوا طائعين لمصالحتكم ؟؟ لقد أعطوكم بكل دهاء منصب الوزير وذهبوا بكل خبث بما حمل البعير. الجيش جيشهم " الخالق الناطق " لم يتغير منه فرد ولم يتبدل منه قائد بل يزعم أنه حامي حمى الثورة وقائد مسيرة المستقبل ولولاه لما تغير التاريخ في ديسمبر مع أننا لم نر شهيدا أو جريحا واحدا منهم مضرجا بدمائه منذ انطلاق الهتافات السلمية وحتى دخول قلة من قادة نظامهم البائد السجن حبيسا وبعضهم الآخر القصر رئيسا !! .." حيث أعاد التاريخ ذات المشهد الذي قام بتمثيله" ثنائي النكبة البشير / الترابي ". ولم نشهد حتى الآن دفعة واحدة " خريجة عهد الثورة " كما لم نشهد أيا من أولئك الذين قادوا الحروب العبثية للنظام البائد وقد صفعتهم يد العدالة سواء بالمحاكمة أو حتى التسريح من الخدمة. والدعم السريع دعمهم ، يصول ويجول ويمارس كافة مهامه القتالية داخليا وخارجيا منفردا ويأبى" فعليا " الانضمام للجيش ويتلاعب بالإدعاء الكاذب أنه جزء من الجيش. والمخابرات مخابراتهم " جهاز الأمن الوطني " عدا تغيير " اليافطة " لتصبح المخابرات العامة ولم يسقط منها سوى صلاح قوش. والشرطة شرطتهم لم تفقد سوى التخلي عن قانون النظام العام وكل ما هناك أنهم ما يزالوا يحنون إليه ويشكون أنه ليس بمقدورهم " السيطرة " ولذلك تراخوا عن أداء المسئولية فكانت النتيجة هذا الانفلات الأمني الذي لا يحتاج لمن يؤكده وتكفي رسالة ذلك الطفل الغرير المؤثرة وهو يحكي عن هجوم ثلاثة من عصابة النقرز المسلحين عليه قائلا " طبعا أنا خفت خوف شديد " بعد أن رفع يديه مستسلما وهو يقسم ببراءة ورعب ويناشد كبار المسئولين توفير الأمن للأطفال وينتهي بعبارة مؤثرة عن خوفه على الجيل القادم . والأنكى والأمرُّ أن الإعلام إعلامهم حيث يتم تسخير كافة القنوات الفضائية والأجهزة الإعلامية لتسليط الضوء على الأزمات مع برامج باهتة لا تمثل روح الثورة في شيء فيما تتصدر مقالات كتاب النظام البائد الصحف وصوتهم الأعلى في المنابر والندوات والتحليل السياسي. نعم لماذا يصالحونكم إذا كانت القوانين التي تعمل حتى الآن وتتصدر القرارات والمراسيم هي قوانينهم والتشريعات تشريعاتهم ولا تخلو ديباجة قانون أو مرسوم صادر من رئيس الوزراء أو الوزراء من الإشارة لذلك . ماذا يفتقدون ليصالحوكم إذا كانوا يتحكمون في أدق تفاصيل الخدمة المدنية فمنهم كبار الموظفين بدءا من وزارة الخارجية إلى وزارة الشباب والرياضة .. لا توجد وثيقة إلا تم تسريبها ولا شخصية إلا تم التقاط صور لها ولم يعد فيها من يدير من " تحت .. تحت " وينظر من " فوق .. فوق " إلا هم . يحاربون الدولة التي لم يعد لديها سر فتجلّى مفهوم " الدولة العميقة " في أبهى صوره في وجودهم . كبار المفسدين الذين كنا نرى فسادهم في كل مرفق والثراء الحرام الذي كان يظهر فجأة على كل من هب ودب من سقط القوم .. بيوت وعمارات وسيارات وحسابات وسفر وحفلات .. وكنا نقول سيأتي اليوم الذي يسترد فيه الشعب ما سرقه المجرمون من اللصوص صغارهم وكبارهم .. فإذا بهم يعيشون في أمن وأمان " كل امريء يأكل زاده " وأموالهم في الحفظ والصون " لم يمسسها بشر "، وحتى ما تدعي لجنة التمكين أنها استردته لا يساوي قطرة في بحر الفساد فماذا عن مصادرة أراضٍ بور وترك القصور ؟ فلماذا يصالح الإسلاميون ثورة لم تأخذ منهم شيئا بل يحلمون برد ذلك القليل الذي انتزعته لجنة التمكين " بالغانون " ..!!؟ لماذا يصالحونكم وأموالهم في خزائنهم بالداخل والخارج وكبارهم لا تنقطع رحلات أسفارهم وكبار موظفيهم وصغارهم في مواقعهم وأبناؤهم في مدارسهم وجامعاتهم العالمية وأيدي نسائهم تكاد تنوء بحمل أساور من ذهب وألماس قدروها تقديرا في بلد دمروه تدميرا . لماذا يصالحونكم وجيوبهم تفيض بالمال الذي سرقوه وكنزوه .. ويحاربونكم به من وراء ستار وليس بينهم جائع ولا فقير فيما يتضور الناس جوعا وتفيض عيون الثكلى بالدموع على من قتلوهم وعذبوهم من أبنائهن فما شفي غليلهن بحكم نافذ. لماذا يصالحونكم ومن في الأسر منهم لا يتجاوزن أصابع اليدين وهم في مأمن من الأحكام الرادعة ..فاعتبروهم " زكاة النظام البائد " و" احتسبوهم فداء للغنيمة التي ظفروا بها ". لماذا يصالحون وسجناؤهم في رفاهية المأكل والمشرب والرحلة الترفيهية الأسبوعية من وإلى المحكمة وكلما جاء قاض اعتذر وكلما عُقدت جلسة شتتها شفوت النظام نفسه بالتهريج وهم الذين كان يتوجب أن يكونوا أول من تطالهم يد العدالة الفرّاسة الحاسمة القاصمة فإذا بهم يحاكمون " نائب عام الثورة " !! يا للعار .. لماذا يصالحونكم وقاضي الثورة في الأبيّض يشفي غليلهم ويتغزل في الدعم السريع بما لم يقله عنه حميدتي والبشير ؟. فيما لا تعرف ذاكرة الشعب السوداني عنهم غير التاتشرات والدم المسفوح في الطرقات وأنين الأمهات. بل لماذا يصالحونكم وهم يمدون ألسنتهم للأحكام " القليلة جدا " الصادرة ضد المجرمين وهم يعلمون علم اليقين أنها بعيدة عن التنفيذ ما دمتم أنتم أنفسكم تعطلون إنشاء المحكمة الدستورية مع سبق الإصرار والترصد والقصد ممن تعلمون. لماذا يصالحونكم وهم يتلذذون برؤية البلاد تحترق شرقا وغربا والأزمات تتفاقم ويرون أن نبات الشر الذي زرعوا قد أينع وأثمر وقد حان قطافه و" قعدوا فرّاجة ". إن الإسلاميين الآن في نعيم الراحة من السلطة بعد أن تقلّبوا في رغد الحكم وبذخه.. لماذا يصالحون وقد أصبحوا متفرجين على الأزمات التي صنعوها لتتحملها حكومة الثورة .. فلا أحد يطالبهم بخبر أو غاز أو وقود أو علاج أو تعليم .. وهم ينعمون برؤية حكومة الثورة وهي " محاصرة بالأزمات من كل صوب " فيظهرون الشماتة بها والسخرية منها ويدفعون الناس للتحسر على أيامهم وهم يضحكون ويتلامزون ويتغامزون ولسان حالهم يقول " ربنا فكانا ". إنهم لم يفقدوا سوى " الدلوكة والعرضة " وشويّة تجمعات وخطابات من نوع " نرحب بكم بكل مقاماتكم السامية " وأصوات هتاف " تهليل .. تكبير " والتي كانت تشق عنان السماء دون أن تمر على القلوب الصدئة. الإسلاميون وأعضاء الوطني الآن مثل تاجر المخدرات القاتل الذي حصد المليارات خلال عمله لعدة سنوات وحين تم القبض عليه صادروا منه بضع جرامات وأطلق سراحه وأصبح لإدعائه التوبة والوقار " نائب إمام المسجد " في الحي فكسب المال ونال المنصب " بالحلال " !! . على ماذا يصالحونكم ؟ هل تتوقعون أن يفتحوا لكم خزائنهم ؟ أم أن غاية الأمر أن يكفوا أيديهم عنكم بالأذى وما هم بفاعلين وإن وعدوا .. لأن الغدر شيمتهم وواهم من يصدق لهم وعدا. لقد ارتاح إخوان السوء من كوابيس الحكم بعد أن أوصلوا البلاد للانهيار وعلموا أنه ليس بوسعهم الاستمرار ، وعليه فلن يتعجلوا المصالحة ما داموا قد فازوا بالمال ونجوا من العقاب. الإسلاميون الآن في " استراحة وراحة " ربما يفكرون في أن يكون النظام " البائد" هو النظام " العائد " ولو بعد حين.. فهم يعرفون كيف ينمو المال وتأتي الانتخابات ويعرفون ماذا يفعلون ومن يشترون. وعليكم الاستعداد، بسبب تخاذلكم عن إزاحتهم بحزم وحسم لتروا رموزهم في الصدارة، بجلابيب شتى وتحت رايات متعددة، ولأنكم فرطتم فإن الزرع الخبيث سينمو مجددا فاتركوا الحديث عن المصالحة وتحدثوا عن كيف يتم فض الشراكة وسحب " الامتيازات " منهم لينال المجرم ما يستحق وإن تأخرت الثورة في ذلك كثيرا ولئن تأتي العدالة متأخرة خير من ألا تأتي .