من المعلوم بالضرورة ، أنّ حكومة ثورة ديسمبر المجيدة ، ورثت خزائن خاوية على عروشها ، وكاهل مثقل بالديون ، وفساد أشكال وألوان مستشري في جسد البلاد كما الورم الخبيث ، واجتهدت قدر استطاعتها ولا تزال في الحصول على دراهم معدودة من المحسنين الدوليين تضعها في خزائنها ، وحصلت على وعود خُلب بإعفاء الديون ، أشعرتها نفسياً بعودة البلاد إلى "ضرا" الأسرة الدولية ، بعد عزلة مجيدة ، شعور من تعافى من الجرب الدولي، تتعمد الاحتكاك لاستعادة الثقة بالنفس وبالآخرين، رغم التوجس . يبدو للمتابع ، أنّ السلطات الانتقالية ، تمد "قرعة" الاستدانة الدولية ، متجاهلة الثقوب البائنة في جدران خزائنها ، المعلومة للغاشي وللماشي ، إذ أنّ تلك الثقوب تحرسها سدنة أولي بأس ، وتذّب عنها زبانية غلاظ شداد ، لا يخافون فيمن يقترب منها لومة لائم. في هكذا وضع ، يرى المراقب المشفق ، أنّ الحكومة الانتقالية ، كمن يحرث في البحر اقتصاديا ، أو كمن ينفخ في قربة مقدودة . ومن نافلة القول ، أن نقول ، أنّ المال عصب الحياة، وأن الحكومة الانتقالية ، جسد بلا عصب ، أي أنّها مشلولة ، وهي فاقدة الإرادة لتخطي هذه الإعاقة المعلومة الأسباب والواضحة المعالجة . بعض رموز السلطة الانتقالية ، يراهنون على التغلب على تسّرب الخزانة العامة بإغراقها بالمال "الرُب" والتدفق الثقيل للعملات الصعبة ، تفادياً للمواجهة غير المدروسة ، والتي فيما يبدو يخشون من وقوعها ؛ تحرير شهادة وفاة غير رحيم للجسد الانتقالي المنهك والمقعد .، فهم حريصون على أن يظل الكيان الانتقالي المشلول حياً كما هو ، لا مال له ولا عصب ، وعلى المعولين عليه ، أن "يدبروا حالهم". نظن أن هذه الرسالة قد وصلت بوضوح للمراقب الحصيف وغيره . من البديهي أنّ هذه الوضعية، سيعيد البلاد إلى دروب الشمولية بوجه آخر ، ذلك أن سدنة ثقوب الخزانة العامة، سيفرضون لا محالة أنفسهم على مقاليد البلاد، بقوة المال وسطوة السلاح المقنن كيفما أتفق ، عبر استمرار واستمراء الوضع الانتقالي إلى ما لا نهاية ، أو عبر التزوير الانتخابي . وليس مدهشاً في عالمنا الثالث ألاّ يخسر ذو مال ، وحامل السلاح ، وصاحب السلطة ، وهذا الثالوث بكامله خارج عن حمى السطلة المدنية الانتقالية . إذن ماذا ينتظر الشعب السوداني الطيب؟ حتى أن جاء المولد ، لا نظن سيكون هنالك حمص !! أي أن الانتخابات المرتقبة ، لن تغير جذريا من خارطة المشهد الحالي. "عسكر + جبهة ثورية ، قحت + فلول في الظل). ولن يستطع السيد فوكرز رئيس بعثة ينمتاس بالسودان، ضمان نزاهة الانتخابات ولو "كسر رقبتو"، بالطبع من المتوقع أن تستعين السطلة الانتقالية، بمركز كارتر الماسوني لتحرير شهادة شفافية ونزاهة للممارسة الانتخابية المقبلة ، رغم تلوثه سابقاً بجرائم انتخابات النظام البائد "المخجوجة". لا يخفى على أحد أن الغالبية العظمى لمكونات السلطة الانتقالية ، لا يرغبون في التغيير الجذري في نمط الحكم السائد منذ الاستقلال ، هنالك من يحاول مدارة الرغبة في الإبقاء على وضع سودان 56 كما هو، والذين يدعمون التغيير ، فاقدو الإرادة لتعقيد الوضع، وعدم وضوح الرؤيا للخطوات المثالية المفضي لإصلاح نظم الحكم بسلاسله ودون "دشمان" ودن مواجهات ايدلوجية وجهوية ومؤسسية . إذن فإنّ الإرادة الجامعة للتغيير مفقودة ، وأن المنظومة السابقة المختلة ، ما انفكّت تجر البلاد من الهلاك إلى التهلكة ، وعلى أحس الفروض السلطات الانتقالية ، تريد التغيير ، دون أنّ يدفع أحد الثمن ، أي أنها تريد أكل الكيكة والاحتفاظ بها في نفس الوقت، وهذا محال ، وهو عبث انتقالي لا يرجي منه . المرعب أنّ الأفق يبشر بتكرار دوامة الفشل المر ، ولا نستبعد أن يدفع هذا اليأس الإصلاحي من تبقى من ضحايا سودان 56 إلى تقرير المصير للانعتاق الذي يضمن للسدنة الاحتفاظ بالمكاسب التاريخية ، أي الفوز بالتركة نتيجة الغبن والتهور دون ميراث. [email protected]