تشهد قاعة الصداقة صباح الأربعاء القادم انعقاد المؤتمر القومي حول استخدام بدائل الزئبق في التعدين الأهلي، وذلك في إطار التزام السودان بالاتفاقيات الدولية البيئية (اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق). يأتي انعقاد المؤتمر في زمنه المناسب تمامًا، فالتعدين الأهلي استشرى في كافة انحاء السودان، مسببًا مشاكل بيئية واقتصادية واجتماعية لا حصر لها ،وبدأ منذ تسعينات القرن الماضي إبَّان العهد البائد الذي سمح بالتعدين الأهلي (يُقرأ غير القانوني) لأجل تحقيق أهداف سياسية واقتصادية لا علاقة لها بمصلحة الوطن والمواطنين. الآن نحن أمام مشهد يسود فيه التعدين الأهلي في مناطق عديدة بالبلاد، حيث أصبح نشاطًا جاذبًا للشباب، للمزارعين، للرعاة، بل وحتى الأطفال، ولم يعد النشاط مقتصرًا على المواقع المعلومة للتعدين بل أصبح يمتد داخل الأحياء كما يحدث جنوب بربر ولاية نهر النيل كنموذج حيث بات بعض المواطنين يسمحون باستخدام باحات منازلهم ومزارعهم لعمل خلاطات استخلاص الذهب من (الكرتة) المشبعة بالزئبق والمواد الضارة المستعملة في استخلاص الذهب دون توفر أو مراعاة لأبسط قواعد الحماية للبيئة ولصحتهم، سعيًا لكسب مالي سريع يوفره الذهب عوضًا عن الزراعة التي يطول الانتظار لعائدها الضئيل مقارنة بالمعدن الغالي. إذا شئنا الحديث عن الآثار الاقتصادية السالبة للتعدين الأهلي يمكن الإشارة لولاية نهر النيل الزراعية التي انقلب حالها رأسًا على عقب بانتشار التعدين الأهلي (يوجد بها قرابة 600 ألف معدن) وأكبر سوق للذهب في السودان هو سوق العبيدية.. الذي يجسد وضعه خطورة التعدين الأهلي من حيث التلوث البيئي نتيجة استخدام الزئبق دون توفر أدنى وسائل الحماية للمعدنين. حقيقة دهشت من شعار المؤتمر (استخدام بدائل للزئبق في التعدين الأهلي) ولا أدري ما هي تلك البدائل.. فالتعدين الأهلي ظاهرة فريدة في السودان ولا أعرف لها مثيلًا حسب معلوماتي، ويبدو أن الحكومة وجدت نفسها في وضع شائك لا يمكنها حياله أن تجد معالجة حاسمة للتعدين الأهلي دفعة واحدة إلا بالتدرج، وحسب معلومات متوفرة فهناك مساعي لاستخراج بطاقة هوية للمعدنين (على الأقل في نهر النيل حسب مصدر رسمي) وتنظيم أسواق التعدين ومواقعه، والمضي قدمًا في تطبيق القرار الخاص بحظر عمل الخلاطات في الأحياء. على أن السودان قام بالخطوة الأهم وهي التوقيع على اتفاقية (ميناماتا) الدولية الخاصة بحظر استيراد واستخدام الزئبق، وهنا لا بد من التشديد على ضرورة السرعة في المصادقة عليها، حتى تبدأ الخطوات الصحيحة بإعادة ترتيب وضع التعدين عن الذهب سواء الذي تقوم به الشركات أو الأهلي، بحيث يكون تحت إشراف الحكومة بشكل كامل خاصة الجهات المعنية بأمر البيئة… الميدان
