مليشيا الدعم السريع تجتاح قرية البابنوسة شرق مدني وتقتل وتصيب 8 أشخاص    تعرف علي أين رسم دافنشي «الموناليزا»    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    الفريق حقار يتفقد جرحى معركة الفاشر بالمستشفى الجنوبي    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    صابر الرباعي بعد نجاح أغنيته: تحبوا تقولوا عليا باشا تمام كلنا بشوات    عيساوي: نساء الفاشر    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    السودان يشارك في اجتماعات الفيفا    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    قرار مثير لمدرب منتخب السودان    مصر تدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    الروابط ليست بنك جباية وتمكين يا مجلس!!    الكباشي يصل الفاو    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني "الشكري" يهاجم الفنانة نانسي عجاج بعد انتقادها للمؤسسة العسكرية: (انتي تبع "دقلو" ومفروض يسموك "السمبرية" وأنا مشكلتي في "الطير" المعاك ديل)    شاهد بالصورة والفيديو.. بطريقة "حريفة" ومدهشة نالت اعجاب الحاضرين.. سائق سوداني ينقذ شاحنته المحملة بالبضائع ويقودها للانقلاب بعد أن تعرضت لحريق هائل    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    النموذج الصيني    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجمهوريون..ثم ماذا بعد الطوفان؟!
نشر في الراكوبة يوم 28 - 09 - 2021

صباح يوم الجمعة الموافق 18يناير1985م وقف المفكر الإسلامي محمود محمد طه مؤسس الفكرة الجمهورية أمام مقصلة الإعدام مرفوع الرأس ومكبل الأيادي، و حوله طلابه ومؤيدوه والمئات من أتباع الجماعات الإسلامية المتعددة وغيرهم الكثيرون/ات ، و نص قرار المحكمة الشرعية التي شكلها الرئيس الأسبق جعفر نميري أن محمود مرتد بالقول والفعل ويدعو للكفر، وقد تم القبض عليه إثر إصدار الحزب الجمهوري منشوراً بعنوان "هذا أو الطوفان" دعا لإلغاء قوانين الشريعة ووقف الحرب الأهلية في جنوب السودان، وطبق النظام العسكري في عام 1983 قوانين الحدود الشرعية أو ماعرفت (بقوانين سبتمبر) ، لكن الحزب الجمهوري رأى فيها تشويهاً ومخالفة للدين الإسلامي وإساءة للبلاد و إهانة وإذلال للشعب السوداني وأيضاً تهديد لوحدة البلاد بتقسيمها إلى الشمال المسلم والجنوب المسيحي.
وبمقتل محمود تعرض الحزب للإضطراب وتوقفت نشاطاته ،كما تعرضت الفكرة للتشويه وظل الحزب يواجه معاناة في ممارسة نشاطاته خلال كل الحقب السياسية إلا انه بدأ إستعادة أنفاسه مرة أخرى بعد ثورة ديسمبر2018. وذلك حال معظم الجماعات الإسلامية المختلفة التي لا تتبع للحركة الإسلامية.
وبالرغم من نمو بذرة التغيير و نجاح ثورة ديسمبر وسقوط نظام الإسلاميين – مما أدى لفتح المجال للأفكار الدينية الإسلامية بإختلافاتها وتنوعها – مازالت الخطوات متعثرة خاصة لدى الجمهوريين فمازالت الفكرة الجمهورية مشوهة في أذهان الكثيرين/ات وتواجه العديد من العراقيل.
عن محمود والفكرة
وبحسب ما ورد في موقع الفكرة الجمهورية فإن محمود يُطالب بالديمقراطية والمساواة بين المرأة والرجل وفي العام 1951 أعلن عن مجموعة من الأفكار الدينية والسياسية سماها (الفكرة الجمهورية) و دعا إلى قيام حكومة فيدرالية ديمقراطية اشتراكية تحكم بالشريعة الإسلامية وكانت له تفسيرات وقراءة مختلفة للدين الإسلامي وآيات القران فتمت محاكمته فى 18 نوفمبر 1968م بتهمة الردة أمام محكمة الاستئناف العليا الشرعية ، لكنه رفض الإمتثال أمام المحكمة في ذلك الوقت.وإعتقل أيضاً في عام 1946م لمدة عام وكان أول سجين سياسي في تاريخ الحركة الوطنية السودانية،وفي ديسمبر 1976م وإثر إصدار الاخوان الجمهوريون لكتاب (اسمهم الوهابية ، وليس اسمهم أنصار السنّة)) والذي أثار غضب السلطات الدينية السعودية ، قامت سلطة مايو بإعتقال الأستاذ محمود وعدد من قادة الأخوان الجمهوريين ، وقامت بإيداعهم سجن كوبر ، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يسجن فيها محمود فى عهد حكم وطنى بعد سجون الإستعمار.
قوانين سبتمبر
وذكر عدد من الجمهوريين ان جماعة الإخوان المسلمين (الحركة الإسلامية) شاركت في قوانين سبتمبر 1983 ودعمت تطبيقها، كما أيدتها عبر المسيرات الحاشدة المؤيدة لها، ومن خلال منابرها الدعوية وتنظيماتها الطلابية ومنظماتها الطوعية، كما شارك عدد من كوادر الحركة من القضاة في محاكمة الأستاذ محمود ومنهم محمد محجوب حاج نور والمكاشفي طه الكباشي وكان حسن الترابي حينها يعمل مستشار قانوني للرئيس نميري وخرج الاخوان في مواكب جماهيرية تأييداً لإعدام الأستاذ محمود .
الحركة الإسلامية في السودان
وقد حاربت الحركة الإسلامية إضافة للأديان والمعتقدات الأخرى – غير الدين الإسلامي- والمجموعات السياسية والحقوقية المجموعات وأصحاب الفكر الإسلامي الذين لايتفقوا مع الحركة، وإنتهجت الحركة في ذلك أسلوب التخويف والتهديد بالكفر والردة التي تتم المحاسبة عليها قانونياً إضافة لآثارها الإجتماعية، ولعبت وسائل الإعلام والمنابر الجماهيرية دور كبير في تشويه كل الإسلاميين وأصحاب الأفكار الإسلامية المختلفة عن الحركة الإسلامية وقاموا بتشويه صورة فكرهم والتخويف منه ومن الإنتماء إليه.
الإرهاب والتخويف
وواصلت الحركة في أفعالها بتكفير وترهيب عدد من الجماعات الأخرى خلال الفترات المختلفة وبصورة خاصة بعد توليها الحكم عبر إنقلاب يونيو 1989،و من بين تلك المجموعات التي حاربوها جماعة القرآنيون -الذين صدر في حق عدد 25 منهم حكم بالإعدام في عام 2015 – وبعض الطرق الصوفية وعدد من الأفراد، إضافة لعدد من حوادث الترهيب عبر العنف الجسدي و القتل والتهديد داخل عدد من دور العبادة والمنابر الفكرية والثقافية تمت خلال فترة التسعينات والألفينات ومازالت مستمرة حتى اليوم ولكن بنسبة أقل، ولاحقاً مارست الحركة تلك الأفعال ضد أشخاص منتسبين إليها بعد إختلافهم معها ومنهم النيل أبو قرون وحسن الترابي المشاركين في وضع قوانين سبتمبر.
واتجهت الدولة خلال فترة حكم الإسلاميين للإنفتاح على عدد من الجماعات الإرهابية والمتطرفة وتقييد حرية الأفراد بقوانين دينية إسلامية،
كما أنها استغلت الشريعة الإسلامية في وضع قوانين مقيدة للحريات وتهضم حقوق الإنسان وبصورة خاصة حقوق النساء -ومنها قانون الأحوال الشخصية والنظام العام الذي تم إلغاءه بعد ثورة ديسمبر لكن دون إلغاء النظام العام كمنظومة.
بعد ثورة ديسمبر
ولعبت ثورة ديسمبر دور كبير في خلق مساحة من الحرية إستطاعت عبرها عدد من المجموعات والأفراد العودة مرة أخرى لممارسة نشاطها وعملها فتمت إضاءة النور للمرة الأولى على الفكرة الجمهورية وعاد مركز محمود الثقافي للعمل وأصبح الحزب الجمهوري حاضراً في عدد من المنابر وشارك أعضاءه في عدد من النقاشات والفعاليات ممثلين/ات لحزبهم، وأقيم تأبين الراحل محمود لأول مرة بصورة معلنة بحضور جمهور كبير من الشعب السوداني الذي كان يتلبسه الخوف عند سماع كلمة –جمهوري- وتوفرت كتب الفكرة في عدد من المعارض والمكتبات بصورة معلنة وسط قبول وشغف من قبل عدد من الشباب بحسب ماأفادتنا به أسماء محمود محمد طه إبنة المفكر محمود ورئيسة الحزب الجمهوري. وفي 23أغسطس 2021 تم فصل د. مجدي عزالدين عميد شؤون الطلاب بجامعة النيلين أثناء إدارته لمناظرة بمسرح الجامعة تحت عنوان "تجديد الفكر الديني.. الجمهوريين نموذجاً" بين أسماء محمود و المفكر د. حيدر ابراهيم
العداء بين الإسلاميين والفكرة الجمهورية
ذكرت أسماء ان
حركة الأخوان المسلمين حاربت كثير جداً من الحركات الإسلامية خاصة الحركات التقدمية وكان عداءهم للفكر الجمهوري كبير جدا،ً لأن الفكرة الجمهورية تحدثت عن الخطر والخطأ الموجود في نظرية حركة الإخوان المسلمين منذ نشأتها وتأسيسها على يد حسن البنا وسيد قطب وصولاً لحسن الترابي، ووجهت الفكرة الجمهورية نقد للحركة الاسلامية ووصفتها بأنها مخالفة للدين وبعيدة عن روحه وقائمة على العنف والتشفي حيث قامت الحركة بعدد من الإغتيالات وأهدرت دماء عدد من المسلمين أنفسهم فساهم هذا النقد في خلق حساسية بين الجمهوريين والأخوان المسلمين فأستغل الأخوان السلطة في تدمير الفكرة الجمهورية وكبتها وتشويهها وحرمانها من أي فرصة في المنابر إلى ان وصل بهم الأمر إلى مؤامرة إغتيال الأستاذ محمود ومحاكمته وتغييرها من محاكمة سياسية الى محاكمة ردة بناءاً على موقفهم من الفكرة الجمهورية،وأضافت لم تكن هناك أي وسائل اعلام تستطيع تغطية أنشطة الجمهوريين ومناقشة فكرهم رغم فتح المجالات والمنابر لمهاجتهم، وبعد إعتقال الأستاذ وعدد من الجمهوريين في عهد نميري أتى وزير الدفاع في ذلك الحين بواعظ مصري اسمه المطيعي ظل يتحدث في كثير من المساجد وبمسجده هو في منطقة كوبر وفتح له المجال لمهاجمة الجمهوريين وتشويه أفكارهم وتم إعطاءه فرص للحديث في قناة السودان ومُنعنا نحن من أي فرصة، فطالب الأستاذ بإعطاء الجمهوريين فرصة للرد طالما أن المنابر تُفتح للأجانب لهدم فكرة إسلامية وسودانية، وعندما رفضوا أقمنا محاضرات في الخارج للرد على المطيعي وتحدثتنا عن خطبه وصححنا الأفكار المغلوطة وبدأنا نكتب ونوزع كتاباتنا ومنشورات صغيرة، وخلال كل العهود لم تكن هناك أي فرصة لطرح أفكار الأستاذ والحديث عنها ودائما كانت ممنوعة ومشوهة .
إبطال حكم الردة
وواصلت قائلة بعد حدوث ثورة أبريل في سنة 1986 رفعت قضية دستورية للمطالبة بحق الأستاذ محمود فوصفت المحكمة الحكم الذي صدر ضده بالجائر وبأنه لم يراعي الحقوق الدستورية فأبطلته، فرفعت بعدها قضية ضد الرئيس الأسبق جعفر نميري والإسلاميين واستلمت الحكم بعد ذلك حكومة الصادق المهدي فتباطأت في الإجراءات وعندما جاءت ثورة الإنقاذ في العام1889 أعدمت كل الأوراق التي تخص القضية وفي عام 1990 خرجت أنا وأسرتي من السودان لأن وجه الإنقاذ أصبح واضحاً انه الوجه الثاني لقتلة الأستاذ،
وفي العام2005 بعد إتفاقية السلام بدأت تتشكل مساحة من الحرية فقررت العودة الى السودان لفتح مركز بإسم الأستاذ ووقتها كان منزله مُصادر بحكم المحكمة التي أعدمته فقد صدر قرار بمصادرة ممتلكات محمود وهي منزله فقط فلما عدت وجدت القرار موجود لكن لم يتم تنفيذه، وفي ذات المنزل انشأنا الحزب وفي الوقت الحالي يقوم بعمل مدني وعمل سياسي في ذات الوقت، وظل المركز يعمل منذ عام2010 وحتى إغلاقه بواسطة النظام البائد في العام 2014 ، وتم منعنا من الحركة وتعرضت أنا لإستدعاءات متكررة من قبل الأجهزة الأمنية ، فقدمنا طلب لإنشاء حزب لكن تم رفضه ومنعنا من تسجيله بواسطة مجلس الأحزاب الذي قال ان هذا الحزب تم الإعترض عليه من قبل الدعاة الإسلاميين وهذا المركز قائم على أفكار وعقيدة فاسدة وغير اسلامية، ومازالت الحكومة حتى اليوم لاتعترف بنا رسمياً مثل بقية الأحزاب بالرغم من ان الحزب الجمهوري من أوائل الأحزاب في السودان وقد تأسس في العام1945 ويقوم دستوره على أساس إنساني .
نشأة الفكرة
وأكد حسن عبدالرحمن -جمهوري وأحد رفاق الأستاذ محمود- ان الفكرة الجمهورية قامت على الإختلاف فالأستاذ محمود يختلف عن كل الدعاة الآخرين، وقد جاءت الفكرة بعد إنقطاعه للعبادة وهو في المعتقل وذلك أيام الحركة الوطنية وكان خلال تلك الفترة يدعو إلى الإسلام لكن اتجه للعبادة وفي السجن قال :- شعرت اني جئت على قدر من ربي فخلوت إليه- وعقب خروجه من المعتقل إنقطع للعبادة وإعتكف ثلاث سنوات متواصلة في رفاعة وقد جاء علمه بالعبادة وليس بالقراءة وبدأ الفكرة في رفاعة وهي تطوير التشريع وقام بقراءة وتفسير القرآن وطالب بالرجوع الى أصل الدين وحرية المرأة وقال ان أصل الدين ان للمرأة مكانة كبيرة ومتساوية مع الرجل وان الدعوة للإسلام تكون بالتي هي أحسن ومن شاء فليؤمن، وإشتهر
كتابه الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين الحرب والتشويه.
وأضاف حسن تعرضنا لحرب شديدة وتشويه وقدم الأستاذ محمود محاضرات كثيرة، لكن نجد الفرص للنقاش حول الفكرة وطرحها بدون تشويه وهجوم، و على أيام الأستاذ كان لدينا منشط بعنوان "حملة كتاب" وهو عبارة عن توزيع كتاب وأركان نقاش بسيطة، وقد بدأ منذ بداية الفكرة واستمرت حتى عهد نميري،
وكنا نتعرض للإساءة عند خروجنا في "حملة كتاب " حتى انه يمكن ان يبصق أحدهم على وجهنا وكانت الميزة الوحيدة خلال عهد نميري أننا وجدنا فرصة في الظهور في الشارع كثيراً ، و قمنا بنشاط مكثف خلال تلك الفترة وقد كان في بداية عهده يحب الجمهوريين وعلاقته بهم جيدة حتى انه رشح أسماء محمود وعوض الكريم موسى للتعيين في مجلس الشعب الذي به 10 أشخاص، لكن الأستاذ محمود أراد أن يكون كل وقتنا للفكرة و بعد جلسة نقاش حول هذا الموضوع اعتذروا لأنهم فضلوا مواصلة العمل في الفكرة الجمهورية فكتبنا له جواب إعتذار وعلق في جواب الإعتذار كاتباً (انهم دائمًا عظماء).
وواصل حسن حديثه قائلاً وبالرغم من كل ذلك أيضاً لم تُغطي وسائل الإعلام خلال فترة نميري مناشطنا وذلك بسبب سيطرة جماعة الهوس الديني عليها فلم نكن نجد فيها فرصة وان وجدنا تكون فرص بسيطة ومتباعدة، وكنا معتمدين على ظهورنا في الشارع وحملة كتاب وأركان النقاش، وعندما احتوى كوادر الحركة الاسلامية نميري تغير كثيرا حتى حدثت كارثة الإعدام، التي أحدثت شرخاً كبيراً عند الجمهوريين، وقد تم تشويه صورة الأستاذ والفكرة والتخويف منها وتمت محاربة الجمهوريين ولم يجدوا الفرصة للنقاش حول فكرهم، وحتى عندما أنشأنا مركز ثقافي تم إغلاقه رغم تقديمنا لما يقارب 550محاضرة .
عودة الجمهوريين
وخلال الوقت الراهن عاد مركز الأستاذ محمود الثقافي للعمل مرة أخرى عبر مناشط دورية والحزب أيضاً أصبح يطرح رؤيته في عدد من القضايا والمواضيع دون مضايقات الأجهزة الأمنية أو التعرض للإعتقال أو إغلاق المركز،وأصبحت كتب الفكرة متوفرة في المعارض والمكتبات وسط إقبال الكثيرين/ات ،كما يشارك أعضاء الحزب في العديد من البرامج ويُقام تأبين الراحل الأستاذ محمود بصورة معلنة وأمام الجماهير. وبالرغم من كل ذلك مازالت الفكرة الجمهورية حتى اليوم تُعاني التشويه والفهم المغلوط لها والخوف من الإنتماء إليها من قبل الكثيرين/ات، فالبعض لم يسمع بها إلا بعد سقوط نظام الإسلاميين والبعض لا يعرف عنها غير إعدام الأستاذ محمود بسبب إلحاده على حد قولهم وأقوال وعبارات منابر الإسلاميين ،كما أنها لا تُحظى بالمساحات والفرص التي تُعطى لبقية المجموعات الإسلامية من خلال المنابر المختلفة ووسائل الإعلام، بل تعرضوا للهجوم عدة مرات من خلال منابر عدد من المساجد والشيوخ المنتمين للحركة الإسلامية ومجمع الفقه الإسلامي، حيث نظم كوادر الحركة الإسلامية حملات ممنهجة ضد الحزب الجمهوري وعدد من المجموعات والأحزاب والأفراد المختلفين معهم عبر سيطرتهم التي مازالت مستمرة على عدد من المؤسسات والأجهزة المختلفة بالدولة، وقد واجه عدد من الجمهوريين/ات وحتى الأفراد المنتمين/ات لأسر جمهورية عند تعيينهم في مناصب حكومية أو ترشيحهم لها مضايقات وتهديدات وعدد من الإتهامات المختلفة، فهناك حملات منظمة ضد الجمهوريين -بإستغلال العاطفة والدين- من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتشددة تبناها عدد من المنتمينن للحركة الإسلامية أو مايسمى بالمؤتمر الوطني عبر منابر المساجد أمثال: محمدالأمين اسماعيل وعبدالحي يوسف ، وغالباً ما تجد هذه الحملات إستجابة من الحكومة حيث واجهت وزيرة الشباب والرياضة السابقة ولاء البوشي ومدير المناهج السابق د.عمر القراي حملات شرسة تم فيها تكفير القراي وتهديده عدة مرات إلى ان إنتهى الأمر بإقالته من منصبه ، كما أن الحكومة الحالية لا تعترف حتى الآن بوجود الحزب الجمهوري بصورة رسمية كغيره من الأحزاب،
ويرجع ذلك إلى ماممارسه الإسلاميين خلال 30عام من خطابات تشويه وتخويف وكراهية.
الوضع الراهن
وأشارت أسماء إلى ان كتب الأستاذ حالياً بعد ثورة ديسمبر تتواجد في بعض المكتبات والمراكز، لكن مازال هناك تشويه للفكرة وأكبر دليل على ذلك ماواجهه د.عمر القراي مدير المناهج السابق من معارضة وإتهامات وقيل أنه يريد تغيير المناهج لجعلها مثل كتب محمود والرسالة الثانية فالهجوم على القراي قائم على إنتماءه الفكري، والحكومة استجابت للأخوان المسلمين وجماعات الهوس الديني بإقالتها للقراي ومازالت وسائل الإعلام خاصة تلفزيون السودان تتكرر فيه وجوه معينة ولا يتم إعطائنا نحن فرص للحديث، فمازالت الحركة الإسلامية تخلق الصراعات وتُنظم حملات لتشويه كل مختلف عنها سعياً منها للعودة إلى السلطة مرة أخرى ، ولكن سنمارس كل حقوقنا الدستورية والتنظيمية وسنسعى مرة أخرى لتسجيل الحزب -فالحكومة كمازكرت لاتعترف بنا كحزب رسمي- والمركز سيستمر في نشاطاته وللتعريف بالفكرة الجمهورية وبدستور الحزب وتصحيح المفاهيم والمعلومات المغلوطة حولها عبر منابرنا ومناشطنا المستمرة وكل الوسائل وحتى الفرص القليلة التي نجدها في وسائل الإعلام، فوسائل الإعلام أيضاً مازالت لاتمنحنا الفرص الكافية ويبدو أن الوضع فيها سيتغير تدريجياً وببطء.
وفي السياق ذكر المفكر والأكاديمي النور حمد أن الجماعات الناشئة على أديم الدين الإسلامي في السودان تتشكل من طيف واسع جداً يضم حركة الجمهوريين وحركة الإخوان المسلمين التاريخية التي اتخذت مسميات مختلفة منها "جبهة الميثاق الإسلامي" عقب ثورة أكتوبر1964 و "الجبهة القومية الإسلامية" عقب ثورة أبريل 1985، ثم إنقسمت إلى حزبي "المؤتمر الوطني" و "المؤتمر الشعبي" في فترة حكم الإنقاذ، وقد إحتفظ التيار الذي يقوده المرحوم صادق عبدالله عبدالماجد بالإسم التاريخي "الأخوان المسلمين"، وهناك أيضاً حزب التحرير الإسلامي و جماعة المرحوم سليمان أبو نارو و جماعة السروريين، التي يعيش مؤسسها محمد بن سرور زين العابدين في سوريا، وأيضاً جماعة أنصار السنة المحمدية، وكل هذه الجماعات بإستثناء جماعة الجمهوريين تتفرع من أصلين هما فكر الإخوان المسلمين والمذهب الوهابي السعودي، ويوجد تحالف عام بين كل هذه الجماعات رغم اختلافاتهم البينية التي قادت إلى حدوث عديد التشظيات بينهم ، فكل هذه الجماعات الإخوانية والوهابية تندرج تحت مظلة الفكر السلفي ، ورغم إدعاء جماعة الترابي بأن لهم أفكار تجديدية، إلا ان تجربة حكم الإنقاذ بشقيها – السابقة للمفاصلة التي تمت في عام 1999- والتي جرت بين الدكتور حسن الترابي مهندس إنقلاب 1989م والرئيس المخلوع عمر البشير أثبتت أنها سلفية التوجه، والدليل على سلفيتها استبداديتها ومحاولة فرض رؤيتها على الجميع بالقبضة الأمنية وبالتعذيب والقتل والإخفاء القسري وبرعاية الخطاب الديني الدعوي الإرهابي .
الشريعة
وتدعو الجماعات الخارجة من عباءة الإخوان المسلمين التاريخية ومن عباءة السلفية الوهابية إضافة إلى حزب التحرير – الذي يدعو إلى إعادة الخلافة- إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، والشريعة كما هو معلوم لاتساوي بين المسلم وغير المسلم، كما أنها لاتكفل الحريات الدينية ولا تساوي بين الرجال والنساء أمام القانون، والجماعة الوحيدة التي تطرح فكراً تجديدياً حقيقياً هي جماعة الجمهوريين، فهي تدعو الى تطوير التشريع الإسلامي بالإنتقال من صور شريعة المعاملات القائمة على الآيات المدنية إلى شريعة معاملات تقوم على الآيات المكية التي تكفل حرية المعتقد والمساواة التامة أمام القانون بين المسلم وغير المسلم وبين النساء والرجال، غير أن فكر الجمهوريين جرى تشويهه بعمل منظم إستمر منذ ستينات القرن الماضي ، لذلك لايزال فكر الجمهوريين منحصراً في قطاع صغير وسط مجاميع المتعلمين والمثقفين ،كما ان إعدام مؤسس الدعوة محمود محمد طه أضعف من قوة الحركة ، فعقب إعدامه إبتعدت أكثرية الجمهوريين من النشاط الفكري في المجال العام، ودخلت فيما يشبه البيات الشتوي، ولا ينشط الآن من هذه الدائرة في الفترة الإنتقالية سوى الحزب الجمهوري الذي تقوده الأستاذة أسماء محمود ،ويضم القطاع الأقل من الجمهوريين، وينحصر عمل هذا الحزب في الدفاع عن الحقوق الأساسية والحريات العامة ومقاومة إقحام الدين في العمل الحكومي. ولهذا الحزب زراع فكري يتمثل في مركز الأستاذ محمود الثقافي الذي ينشط في إقامة الندوات والمحاضرات العامة وفي الورش التدريبية و إعادة طباعة مؤلفات الأستاذ محمود .
ويسير الحزب على النهج السياسي القديم للحزب الجمهوري وهو عدم خوض الانتخابات، وعدم تولي مناصب لا في الفترة الانتقالية ولا فيما بعدها، فمبدأ الحزب منذ تأسيسه انحصر في العمل الدعوي التوعوي وعدم دخول إنتخابات إلا بعد أن يشعر ان أكثر من نصف الشعب السوداني يقف في صفه وهذا مشوار طويل .
ومن الجماعات الدينية أيضاً مجموعة الطرق الصوفية التي يجلس على سجادتها شيوخ تعكس أحوال أكثريتهم قرباً من منهج التصوف ،ولقد جرى اختراق هذه الفئة منذ عهد الرئيس نميري فأصبحوا ملتصقين بالحاكم المستبد لقاء الأعطيات وقد زاد إختراقهم أكثر خلال ثلاثينية الإنقاذ.
وتمثل ثورة ديسمبر هجوماً مضاداً للخطاب الديني الذي استخدمته الإنقاذ ووقف معه الوهابية عبر ثلاثينية الإنقاذ التي انقضت.
تحالف يميني جديد
وواصل د.النور قائلاً في تقديري لن تشهد الفترة الانتقالية نشاطاً يذكر للجماعات الدينية ذات الطبيعة السلفية التي وقفت مع الإنقاذ، فالمزاج الشعبي العام كره الخطاب الديني الإنقاذي وعرف زيفه لدى من تم تسميتهم (رجال الدين) ولدى الاسلامويين ، الذين انغمسوا حتى ذقونهم في الفساد ، وقد وقف هولاء مع نظام الإنقاذ حتى لحظة سقوطه، كما أن كل طيف الجماعات الإسلامية التي وقفت مع الإنقاذ حتى لحظة سقوطها لايزال في حالة صدمة من سقوطها الذي لم يكن متوقعاً لديهم، غير أنني أعتقد ان تحالفاً يمينياً تربطه المصالح الاقتصادية سوف ينشأ عقب الفترة الانتقالية وسوف يستخدم هذا التحالف شعارات دينية لكسب الجمهور المحب للدين وغالباً ما سيحتل القسم الأكبر من مقاعد البرلمان، لكني أتوقع أن تكون الشعارات الدينية عقب الفترة الانتقالية أقل حدة وأقل صلفاً مما كانت عليه خلال فترة حكم الإنقاذ وسيكون هذا أحد الآثار الممتدة للثورة فيما بعد الفترة الانتقالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.