عد سقوط النظام المخلوع رفض الجيش الخروج من المشهد السياسي، مع أنها كانت فرصة تاريخية لعبد الفتاح البرهان الذي تولى قيادته للعمل على إنقاذه من ورطته التاريخية ودخول التاريخ من أوسع ابوابه، ولكن يبدو أن التربية العسكرية في السودان لا تهتم بأن تخلق عقلية عسكرية مهنية تحرم السياسة، وهي طبعا مشكلة تاريخية استفحلت في عهد النظام المخلوع الذي دمج الجيش في السياسة دمجا كاملا لدرجة أنه يمكن أن يأتمر بأمر القادة المدنيين، ورغم مرور عامين على الشراكة بين الجيش والمدنيين إلا أنه مازال يخشى الإقدام على الخطوة، وكلما شعر أن الزمن يمضي ومطلوب منه خطوات عملية يصاب بالتوتر فيصنع أحداثا تعقد عليه الامر، بالرغم من وجود وثيقة دستورية ملزمة تقر شراكته مؤقتا حتى يتمكن من الرحيل بلا صعوبات. بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الانتقالية عام 2019 بعد مفاوضات عسيرة بين قادة الجيش والقوى المدنية، قال عبد الفتاح البرهان الذي تولى رئاسة مجلس السيادة الانتقالي، إن الشراكة بين الجيش والقوى المدنية في هياكل السلطة الانتقالية تسير بالبلاد نحو التداول السلمي للسلطة والتحول الديمقراطي. في العام 2020 وبعد توقيع السلام قال هو نفسه، إن الشراكة بين شركاء الحكومة الانتقالية في أفضل حالاتها، وتسير بكل ثقة وتعاون وتجانس كبير بين كل مكوناتها القديمة والحديثة من أجل مستقبل السودان، وأن التوقيع على السلام محفز على العمل سويا، وأنهم كعسكريين لا يريدون (أن يصنعوا الأحداث أو حماية أنفسهم) وإنما جاءوا بأمر من الشعب السوداني، وأنهم سيوفون بالتزاماتهم وفق الوثيقة الدستورية. بلا شك مثل هذه الشراكة لها ثمنها الذي يجب أن يتحمله الطرفان خاصة بالنسبة للجيش المتمدد في المساحات السياسية والاقتصادية على حساب السلطة المدنية ومطلوب منه إظهار حسن النوايا بالفعل وليس بالقول وحده كما يفعل البرهان. السؤال الذي يطرح نفسه لماذا ضاق البرهان بهذه الشراكة الآن واصبح يراها عكس ما كانت عليه؟ ولماذا تغيرت لهجته تماما؟ ولماذا بدأ يصنع الأحداث ويبرر للأمر بفشل المدنيين؟ هل لأنه لم يكن يتوقع أن الزمن سيمر وان النهاية ستأتي؟، ام لأنه اصلا غير مقتنع بالشراكة وكان يظن انها ستنتهي بفشل المدنيين ويعود الجيش يتسيد المشهد وهو يركب نفس السرجين اللذين وقع منهما فأصيب واصاب؟. عموما لا أعتقد أن هناك مشكلة تقف أمام الشراكة بين العسكريين والمدنيين غير الدوافع الشخصية الكامنة في دواخل القادة من الطرفين وخاصة قادة الجيش ومعروف لماذا، وكل منهما مخطئ ومقصر ويتحرك ضد المصلحة العامة بوعي أو دون وعي، وهذا الأمر يحتاج إلى عمل يقوم به الشعب. فالطرفان لا يخضعان لأي نوع من أنواع الرقابة الشعبية لذلك ينزلقان باستمرار نحو هذه الحرب التي لا تنتهي ويدفع ثمنها المواطن وحده. الديمقراطي