يطل علينا شهر ربيع الأول معبقا بأريج النفحات العطرة لذكرى ميلاد أمام المرسلين وسيد النبيين سيدنا محمد بن عبدالله عليه افضل الصلاة والتسليم , وهي مناسبة شريفة وعظيمة يحتفل بها المسلمين في شتى انحاء بقاع الأرض بأحياء ليالي شهر ربيع بالأناشيد والاهازيج والمدائح النبوية وحلقات الذكر كما يسرد فيها المادحون مقاطع من السيرة النبوية العطرة يشنفون بها مسامع المحبين الهائمين في عوالم الحب النبوي والعشق السرمدي لسيد ولد أدم محمد طب القلوب ودواءها . تمر علينا هذه المناسبة في السودان ونحن احوج ما نكون فيها لتوحيد الصفوف ونبذ الخلاف والاختلاف ، اعلاء لروح التسامح وقبول الاخر اتباعا لهدي المصطفى واقتفاء لأثره الطيب و سيرته العطرة . فقد كان عليه افضل الصلاة والتسليم احسن الناس معشرا يحب مكارم الاخلاق صادقا امينا روؤفا رحيما ، باسما مسامحا في حقه لم ينتقم لنفسه قط . و رحم الله شاعرنا الفخم محمد المهدي المجذوب الذي نظم قصيدة المولد الشهيرة التي صور فيها مشاهد الاحتفال بالمولد النبوي في الثقافة المجتمعية السودانية من انشاد وطرق للطبول والدفوف وحمل للصواري والريات في حلق الذكر التي يدور بها المريدين مرتدين الجبة والمرقوعة والطاقية ام قرون والعيون حالمة تائهة في عوالم العشق الصوفي والأجواء معبقة بروائح البخور والعطور . هذه القصيدة التي ما ان تطل علينا هذه المناسبة السعيدة الا ويستحضرها كل السودانيين بذلك اللحن الشجي الذي شدا به الفنان القامة عبدالكريم الكابلي صلي يا ربي علي المدثرِ وتجاوز عن ذنوبي وأغفرِ وأعنِّي يا إلهي بمثابِ أكبرِ فزماني ولِعُ بالمنكرِ. ليلة المولدِ يا سر الليالي والجمالِ وربيعاً فتن الأنفسَ بالسحرِ الحلالِ ويجدر بالقول ان هذه المناسبة تمر علينا وبلادنا اليوم في مرحلة حرجة ومنعطف خطير يتطلب تضافر الجهود وتكاتف الجميع لا طفاء نار الفتنة التي اشتعلت بظهور الخلايا الإرهابية المتسترة تحت عباءة بعض الجماعات ذات الأفكار المتطرفة المدعومة ماديا من بعض القوى الإقليمية والتي يتزعمها بعض المتاجرين بالدين الذين تتعالى أصواتهم من على المنابر تحمل خطابا تكفيريا متشنجا يعكس صورة خشنة وعنيفة عن الدين الإسلامي متزرعين بدعاوى الدفاع عن اهل السنة والجماعة وهم ابعد ما يكونون عنهم ، معتبرين انفسهم النسخة الاصلية والوحيدة المتبقية للإسلام ينكرون على الناس مظاهر حياتهم اليومية بل حتى احتفالاتهم بالمولد النبوي ويجعلون ساحات المولد المزدانة بالأناشيد والمدائح والتي يؤمها الكبير والصغير في احتفالية وفرح ساحات للتراشق الكلامي والجدال والعراك بالأيدي والأسلحة البيضاء. ان السيرة النبوية الشريفة زاخرة بالقيم النبيلة و المعاني السامية التي تدعو للتسامح والعفو وقبول الاخر بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه هذا هو الإسلام المعتدل الذي نرجو ان يجتمع عليه كل الشعب السوداني . كل عام وانتم بخير و ربنا يعيد علينا وعليكم المولد النبوي الشريف السنة الجاية تامين و لامين . [email protected]