مرت حتى الآن خمسة عشر يوما على البلاد وهي تعاني من قطع خدمة الانترنت، بأوامر من قادة انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، ولم يقدم الانقلابيون على اتخاذ هذه الخطوة المتخلفة الا خوفا من ردة فعل الجماهير على انقلابهم المشؤوم، ولهذا عمدوا لقطع خدمة الانترنت غداة تنفيذ انقلابهم، ليعيدوا البلاد الى حقبة العصور الوسطى، وجعلها جزيرة متخلفة ومعزولة في محيط عالمي هادر بالتقنيات والتقانات والبرمجيات، ولكي يعزلوا الجماهير عن التواصل فيما بينهم وتنسيق عملية مقاومتهم للانقلاب، ولم تكن عملية قطع خدمات الانترنت عند وقوع الانقلاب هي الأولى لهؤلاء الانقلابيون، فقد سبق لذات مجموعتهم هذه أن عمدت لقطع خدمة الانترنت لأكثر من اربعين يوما حسوما بعد مجزرة فض الاعتصام الغادرة والقذرة، وهي المجزرة التي وقعت في يومِ الإثنينِ الموافق الثالث من يونيو 2019، حينمَا اقتحمت قوات مسلحة مقر الاعتصام مستعملة الأسلحة الثقيلة والخفيفة والغاز المسيل للدموع لتفريق المعتصمين السلميين الصائمين، مما تسببَ في مقتل أزيد من 100 معتصم ومئات الجرحى. قبل أن تعيد أحكام قضائية عادلة ونزيهة خدمة الانترنت، عطفا على الدعوى التي رفعتها جمعية حماية المستهلك وقتها، وتتولى الجمعية ذاتها الآن لها التحية مناهضة عملية قطع الانترنت برفعها لدعوى ضدها.. ولا ندري سببا لهذا الاصرار من الانقلابيين على معاداة الانترنت أو بالأحرى الخوف منه، غير أنه محاولة يائسة لتغييب صوت الجماهير وصم اذانهم وعيونهم عن سماع وقراءة رأيهم في انقلابهم، ولكن هيهات اذ كان المقصود في عملية الحجب الاولى اخفاء معالم عمليات القتل والسحل والاغتصاب التي وقعت عند فض الاعتصام، حيث لم يفدهم قطع النت شيئا، فقد كانت كل المعلومات عن قذارة العملية موثقة ومحفوظة ومتداولة صوتا وصورة، ولم تفد لطمسها عمليات حجب النت، هذا علاوة على ما أوقعته من أضرار ضخمة وخسائر فادحة على قطاعات مختلفة من المجتمع.. ولا ندري أيضا أسباب توجس قيادات الانقلاب من الانترنت، في الوقت الذي يحرص فيه الرؤوساء والوزراء والسفراء وكبار المسؤولين الرسميين في مختلف بقاع العالم على التعامل مع الانترنت، وتدوين آرائهم وتعليقاتهم وملاحظاتهم حول مختلف القضايا والمواضيع عبر وسائط التواصل الاجتماعي من تويتر وانستغرام وفيسبوك وغيرها، أما قادة الانقلاب فترعبهم هذه الوسائط لعلمهم المسبق بأنها كانت العامل الأبرز وراء انجاح ثورة ديسمبر المجيدة، ففى وقت ضاقت فيه حلقات وسائل الإعلام الحكومية والخاصة على المعارضين للنظام، صارت تلك المواقع منفذا بديلا للتعبير، واسهمت بذلك وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واضح ومؤثر في مختلف القضايا، ورفعت درجة الوعي بالحقوق، و كان لها بلاشك كبير الاثر في ثورة ديسمبر، لجهة فضحها لفساد النظام البائد والازمات التي عاشها الوطن، وانتقل الامر بعدها الى التداعي عبرها لاقامة المواكب المختلفة وكانت هي وسيلة الاتصال والوعي وكذلك المعرفة لما يتم في ارجاء البلاد وكذلك الاعتقالات والاغتيالات التي حدثت إبان الثورة ..وهذا ما يخشاه الانقلابيون ويرتعبون منه وكأني بلسان حالهم ومقالهم يقول (الباب البجيب الثورة سدوا واستريح)، فسدوا الانترنت ولكن هل يستريحون.. الجريدة