الجزائر - تعد العنوسة من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمع الجزائري نتيجة الآثار السلبية المترتبة عليها، وشهدت هذه الظاهرة ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة نتيجة التحولات الكثيرة التي عرفها المجتمع الجزائري. وتشير دراسة نشرها المعهد الوطني للإحصاء في الجزائر إلى وجود ارتفاع كبير في العنوسة لدى النساء الجزائريات بسبب عزوف الشباب المتواصل عن الزواج نتيجة تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. وتؤكد الدراسة وجود ما يقارب 11 مليون فتاة عانس في الجزائر منهم 5 ملايين تجاوزن 35 عاما، مشيرة إلى أن 200 ألف فتاة جزائرية تدخل "سوق العنوسة" سنويا. وتعد الأرقام السابقة مرتفعة جدا بالنظر لعدد سكان الجزائر البالغ 35,7 مليون نسمة حسب نتائج إحصائيات يناير 2009. وتقول الباحثة آمال بن عيسى إن الظروف المعيشية السيئة للشاب الجزائري تساهم إلى حد كبير انتشار ظاهرة العنوسة "فبطالة الشاب و صعوبة الحصول على المسكن وارتفاع تكاليف الزواج في ظل غلاء المعيشة شكلت أهم العوامل السوسيواقتصادية التي تقف أمام إقبال الشاب على الزواج، و خاصة أن أسلوب الحياة قد تغير كثيرا مقارنة بالسنوات السابقة، بحيث أصبح له مقتضياته و مستلزماته وعدم توفرها قد تنعكس بالسلب على حياة الشاب". ويذهب بعض المتابعين لهذه الظاهرة إلى إطلاق مصطلح "دولة العوانس" على هذا العدد الكبير منهن، ويشير هؤلاء إلى أن عدد العوانس في الجزائر يفوق عدد سكان ليبيا، كما يفوق عدد 5 دول خليجية مجتمعة. ويرى الشيخ شمس الدين بوروبي صاحب الجمعية الخيرية الإسلامية التي حملت على عاتقها مشروع تزويج الشباب ومحاربة ظاهرة العنوسة منذ بداية التسعينات أن كارثة ظاهرة العنوسة تتمثل في إحالة حوالي مليوني فتاة على عنوسة دائمة، لأن الشاب إذا بلغ 35 سنة لا يتزوج بمن تماثله سنا ولكنه يتجه إلى الصغيرة. ويقدم عددا من الحلول لأزمة العنوسة في الجزائر من بينها تشجيع الزواج المبكر وإنشاء بنك الزواج وإنشاء صندوق وطني للمتزوجين وتشجيع التعدد وإنشاء نوادي للعوانس حتى يتم تمكينهن من الخطبة لمن يريد التعدد. وتبين دراسة أردنية أعدّها الدكتور إسماعيل الزيود حول "العنوسة في العالم العربي" أن ثلث سكان الجزائر عازبون من بينهم 4 ملايين جزائرية تجاوزت سنّ 34 عاما دون قران. وتحصر الدراسة أسباب الظاهرة بالتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في المجتمع العربي بشكل عام والجزائري بخاصة، وأدت إلى ارتفاع مستوى المعيشة وتدني دخل الفرد وتزايد الأعباء على الشباب وانتشار البطالة بين صفوفهم. وتوصي بضرورة نشر الوعي بحجم مشكلة تأخر سن الزواج في المجتمع، وتخفيض المهور والضغوطات والأعباء المادية، وأن يغير الشباب والفتيات من شروط شريك الحياة. وتدعو إلى نشر الوعي الديني وتهيئة حملة توعية للشباب بضرورة الزواج ووضع حد للارتباط مع الأجنبيات وتيسير أمور الزواج وتشجيع الأهل للشاب للإقبال عليه. وتمتلئ الصحف الجزائرية بعشرات الإعلانات التجارية التي تستهدف العازبين، ويروج بعضها لمواصفات زوج أو زوجة المستقبل، وتتلقى مئات العروض يوميا، لكن البعض يشكك في مصداقية هذه الإعلانات التي ستؤدي إلى زواج يحمل طابعا تجاريا. ويجد البعض في الزيجات الجماعية حلا ناجعا للتخفيف من ظاهرة العنوسة، على اعتبار أن العامل الاقتصادي يشكل حاجزا كبيرا أمام الشباب الراغبين بالزواج. وتفيد دراسة أجرتها جمعية "ارتقاء" بمدينة قسنطينةالجزائرية إلى تسجيل 56 ألف حالة طلاق خلال العام الماضي بالجزائر تضاف إلى العدد الكبير من العوانس. ورغم شروع الحكومة الجزائرية منذ أكثر من 3 سنوات في تطبيق القانون المعدل لقانون الأسرة الذي يحفظ توازن الأسرة إلا أن نسبة الطلاق في ارتفاع مستمر بحسب بعض المراقبين. وتسجل بعض الإحصاءات وجود حالة طلاق في كل ست حالات زواج على مدى الخمس السنوات الماضية، فيما يوجد في الجزائر أكثر من 40 ألف امرأة مطلقة عاملة مقابل 7 آلاف رجل مطلق له عمل يتكسب منه من مجموع 4 ملايين و600 ألف. ودعا أساتذة و باحثين جامعيين مؤخرا إلى البحث عن آليات مريحة لتسيير مهور الزواج تكون عل مستوى الوزارات المعنية من أجل تقليص نسبة العنوسة في الجزائر وتحصين الشباب الجزائر من مظاهر الانحراف. وكشفت دراسة أعدها الباحث النفسي الدكتور بوستة عبد الوافي زهير ونشرتها صحيفة "الجزائر تايمز" أن تأخر الزواج عن الشباب لاسيما المرأة يعود إلى السلطة الأبوية بنسبة 85 بالمائة. وتشير الدراسة إلى أن العامل السابق يدفع الفتاة إلى التمرد على العادات والتقاليد الاجتماعية ودخول عالم الانحراف وإقامة علاقات غير شرعية، كما يدفع الشاب إلى تعاطي الخمر. ويحذر زهير من أن كلمة "بائرة" تشكل إهانة كبيرة للفتاة العانس وقد تدفعها إلى إقامة علاقات غير شرعية و"هي بذلك غير مسؤولة لأنه ليس لها ذنب في تأخر زواجها".