'ميرال' صرخة بوجه الإحتلال 14 ديسمبر 2011 ديانا حدّارة- بيروت ظهورها الأول على الشاشة الفضيّة بدور نسرين في فيلم «سكر بنات» للمخرجة نادين لبكي، أوصلها إلى «كان»، ومشاركتها في فيلم «ميرال» للمخرج الأميركي جوليان شنابل أتاح لها السير على سجادة مهرجان البندقية الحمراء. تمثّل لأنها تريد أن تخرج كم الصراخ الكبير في داخلها. رغم أنها تقول إنها مواطنة عالمية فإنها تشدّد على هويتها الفلسطينية. إنها الممثلة ياسمين المصري. إلتقتها «لها» وكان هذا الحوار. - والدك فلسطيني وأمك مصرية ومولودة في لبنان. كيف تحدّدين هويتك؟ أعتقد أن كل إنسان اليوم لديه مشكلة تحديد هوّيته، فالحدود الجغرافية تتلاشى أمامنا، وتكنولوجيا الاتصالات جعلت العالم قرية واحدة. لذا أشعر بأنه من الصعب على أي إنسان اليوم أن يحدّد هوّيته. والدي فلسطيني ووالدتي مصرية ولدت ونشأت في لبنان، وأنهيت دراستي الجامعية في فرنسا، أي كوّنت شخصيتي كإمرأة في فرنسا، وأعيش اليوم في أميركا مع زوجي هاني. يمكن القول إنني مواطنة عالمية. ولكن رغم ذلك أشدد على هويتي الفلسطينية، ربما لو لم تكن فلسطين محتلة لما كنت أشدد على أن أعرّف عن نفسي بأنني فلسطينية. - بين هذه الثقافات الأربع إلى أي واحدة تشعرين بالإنتماء وأيها كان لها التأثير الأعمق في شخصيتك؟ يمكن القول إنني أجرّب أن أنتمي كل يوم إلى مكان معين، خصوصًا أن ظروف عملي تتطلب مني السفر الدائم. ولكن أكثر ثقافة أثرت بي هي الثقافة الفلسطينية لأنني تربيت مع أهل والدي وهم فلسطينيون. فأنا مثل أي فلسطيني يعيش في أي جزء من الكرة الأرضية أشعر بفلسطين في داخلي وهي القطعة التي تؤلمني أكثر. لذا أشعر بأنه علي أن أكون سفيرة لهذا الجزء من داخلي الطاغي على بقية الأجزاء. - درست الفنون الجميلة في باريس. ما كان رد فعل أهلك خصوصًا أننا في العالم العربي نرى أن الدراسة في الخارج مرتبطة بمفهوم اختصاص علمي؟ عندما نلت شهادة الثانوية العامة انتسبت إلى كليّة الحقوق في بيروت، كان هدفي أن أصبح محامية أدافع عن حقوق أبناء بلدي، ولكن للأسف لا يحق لنا نحن الفلسطينيين أن نعمل في هذا المجال، حتى مدير الجامعة قال لي: «يا ابنتي أنصحك ألا تدرسي الحقوق لأنك لن تعملي فيها». تركت لبنان وسافرت إلى فرنسا، وانتسبت إلى كلية الفنون الجميلة قسم أداء حي وتكنولوجيا. وأهلي تفهّموا شغفي ولم يعترضوا على دراستي. - نادرًا ما نسمع عن ممثلات فلسطينيات في العالم العربي، ما عدا ناديا لطفي من الجيل القديم. ما التحدي الذي تعيشينه؟ أن تكوني عربية وتنجحي في هوليويود، وتشاركي في أفلام في أوروبا تناقش المواضيع العربية. هذا النوع من السينما صعب جدًا لأنه قليل وحصته صغيرة في الإنتاج وليس تجاريًا يحصد مردودًا ماديًا وافرًا، لأنه يناقش مواضيع إنسانية عميقة لا ترفيهية. - لديك شغف بالرقص، إلى أي مدى لديك جرأة خصوصًا أنك فلسطينية والمجتمع الفلسطيني تغيرت صورته إلى مجتمع أكثر محافظة؟ المجتمع الفلسطيني تغير كثيراً بعدما فقدنا الأرض تمسكنا ببعض، وأحببنا بعضنا إلى درجة كتمنا على أنفاس بعضنا، وهذا سببه الخوف من خسارة أنفسنا. الفلسطيني اليوم ليس لديه سوى العائلة ليتمسك بها، أنا نشأت في هذه العائلة التي تخاف من الخسارة. ولكن لا أظن أنني نموذج للبنت الفلسطينية التقليدية، شخصيتي فيها الكثير من الثورة. وأن أرقص وأتابع دروس الباليه منذ سن الخامسة فهذا ترف بالنسبة إلى الفلسطيني، ولكن حبي للرقص كان ولا يزال شغفًا، كنت دائمًا أرقص في أي مناسبة في غرفتي وحدي، إلى أن اشترى والدي ناديًا رياضيًا، وأقنعته بإعطاء دروس في الرقص، وقال لي طالما تعطين دروسًا للبنات فلا مشكلة. وعندما وصلت إلى فرنسا، أول شيء قمت به هو أنني تسجلت في صف رقص. المشكلة نظرة المجتمع العربي، وليس الفلسطيني فقط، إلى الرقص إما باعتباره فولكلوراً أو فنًا معيبًا، لم يدرك الناس بعد أنه فن قائم بحد ذاته، وأعتقد هذه النظرة السلبية سببها الفنانون لأنهم لم يطوّروه بعد، ولم يعد هناك من يكتب للسينما كما أيام تحية كاريوكاو وسامية جمال. للأسف الانحطاط الأدبي والفني والفكري يؤثر كثيرًا في النظرة إلى الرقص وفي حياة الفنان بعامة. - كيف تمّ ترشيحك للعب دور نسرين في فيلم «سكر بنات» لنادين لبكي؟ نادين كانت جارتي في باريس. عرّفني إليها صديقي توفيق أبو وائل، قال لي وقتها «أريد أن أُعرفك إلى نادين، بنت لبنانية لطيفة جدًا، وهي مخرجة وستحبينها كثيرًا». وبالفعل صرنا صديقتين وكنا نجتمع وبقية الفنانين العرب الذين يسكنون في المجمع السكني نفسه تقريبًا كل يوم ونتبادل الآراء ونحلم بتغيير العالم. ومن ثم أفاجأ بنادين تعرض علي دورًا في الفيلم. - الفيلم فيه كثير من الجرأة في طرح المواضيع. وفي دورك تتناولين مشكلة الفتاة التي فقدت عذريتها قبل الزواج. أي دخلت في منطقة التابو. من اختار الدور؟ ألم تخشي منه خصوصًا أنه أول دور تقدمينه على الشاشة الفضّية؟ عندما أرسلت لي نادين النص لأقرأه، كنت أعرفها وأثق بها فهي صديقتي، لذا كان التعاون أسهل لأنه مبني على ثقة. وعندما قرأت السكريبت صرت أضحك، «سكر بنات» أضحكني منذ أن كان على الورق، وقلت أخيرًا بدأنا نضع التابو أو المحرمات على طاولة النقاش، ونكف عن النفاق والخبث والادعاء أننا مجتمع مثالي وأن ليس لدينا مشكلات. فإذا لم نتكلم على مشكلاتنا بطريقة محترمة لن نتطور. نادين تكلمت على مشاكل صعبة بالنسبة إلى جيل أهلنا فهم ليسوا جاهزين بعد ليروا مشهد السكر والشمع على الشاشة بهذا الوضوح، وشابة تكذب عما يتعلق بعذريتها. كما أنه فيلم ناقش للمرة الأولى في تاريخ السينما العربية دخول المرأة في مرحلة المينوبوز (سن اليأس) وكأننا في العالم العربي ليس لدينا نساء يدخلن في هذه المرحلة، وفتاة تغرم برجل متزوج، وهذه مواضيع نعيشها، وهي من صميم واقعنا. - ألم تخشي رد فعل المشاهد الجنوبي لعكس صورة الشابة الجنوبية على هذا النحو في الفيلم؟ ضحكت عندما ذكرت الصحافة أنها من الجنوب، في الفيلم لم نحدد مذهب الشابة أو منطقتها ولكن الناس فسّروا على طريقتهم. كان همنا في الكلام الوارد في نص الشخصية ألا يقلل من احترام الدين الإسلامي، اجتمعت نادين وفريق عملها أكثر من مرة ليتأكدوا أن النص لا يحتوي على ما يثير أي نعرة دينية أو إهانة لمعتقدات المجتمع الإسلامي. و ما يحزنني أن هذا الفيلم صور في 2006، وآخر يوم من تصوير «سكر بنات» إسرائل شنت حربًا على لبنان. - ما كان رد فعل أهلك عندما رأوك على الشاشة؟ فرحوا كثيرًا. - أخذت دور فتاة لبنانية وتكلمت باللهجة اللبنانية، ألم تجدي صعوبة في ذلك؟ هذه قصة ثانية. أنا كنت في داخل البيت أتكلم اللهجة الفلسطينية وفي خارجه أتكلم اللهجة اللبنانية. ولكن بعدما تخرّجت من المدرسة كنت جالسة مع والدتي وصديقتي ووجدت أنني أتكلم اللهجتين في الوقت نفسه، خفت وقررت أنني شخص واحد وليس إثنين وصرت أتكلم لهجتي، وعندما عدت إلى بيروت بعد ست سنوات تمرنت على اللهجة من جديد مدة شهر، وكنت أقع في مطب اللهجة أثناء التصوير ولكن الجميع كانوا يصححون لي. - كيف تصفين الوقوف على السجادة الحمراء في كان، بعد أول فيلم تمثلين فيه؟ أن تكوني في هذا المكان وسط نجوم عالميين، تجربة رائعة. أعتقد أنني محظوظة لأن أول فيلم مثلته بالصدفة أوصلني إلى كان لأقف وسط المشاهير وبقربي براد بيت وأنجلينا جولي. هذا العالم الذي أشاهده على التلفزيون صرت جزءاً من مشهديته. - هل أنت على تواصل مع نادين لبكي؟ علاقتي بنادين إنسانية بعيدة كل البعد عن العمل. رغم أنها هي التي فتحت لي أبواب السينما، فلو لم ألتقها كنت اليوم أعمل في مجال تصميم الأزياء. نادين كانت في زفافي موجودة معي كأختي، وكنا نضحك كأننا نعيش لحظة من لحظات «سكر بنات».