يبدو أن الحكومة الليبية الجديدة بقيادة المجلس الوطني الانتقالي تتجه إلى نفض يدها من التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، فقد استقبلت الأوساط الدولية ببرود الزيارة التي قام بها الرئيس السوداني عمر البشير خلال اليومين والحفاوة التي استقبل بها بالرغم من أمر الاعتقال الصادر ضده من المحكمة الجنائية الدولية وقد قال البشير للصحفيين الذين تحدث إليهم في طرابلس أمس انه يستطيع أن يتجول في جميع أنحاء ليبيا بلا حراسة. إشارات مقلقة تقول ليبيا إنها ليست من الدول الموقعة على ميثاق روما الذي تأسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، بالتالي فهي ليست ملزمة قانونا بإلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر البشير "لكن حتى الدول غير الموقعة على ميثاق روما عليها أن تنظر لالتزاماتها الدولية .. لقد اصدر مجلس الدولي قرارا كلف بموجبه المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وهنالك أسئلة عما إذا كان بوسع الحكومة الليبية أن تستند لذلك القرار لتوقيف الرئيس البشير" حسب السيد وليام لاورانس مدير قسم شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية. كما عبرت منظمة هيومان راتس ووتش الحقوقية عن قلقها حول زيارة الرئيس البشير للعاصمة الليبية طرابلس وقالت إن الزيارة مؤشر يدعو للقلق حول أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا الجديدة. لكن ربما يكون من السابق لأوانه لليبيا الخارجة من الثورة بكل المشكلات الأمنية الناجمة عنه،ا أن تنشغل بأمور مثل تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس لدولة جارة مثل السودان ذات أهمية سياسية وأمنية وإستراتيجية كبيرة بالنسبة لليبيا لا يمكن التفريط فيها. الالتزامات الأخلاقية وزير العدل السابق في حكومة المجلس الوطني الانتقالي المحامي محمد العلاقي الذي يترأس حاليا اللجنة الليبية لحقوق الإنسان يقول " أنا شخصيا اعتقد أن هناك التزام أخلاقي بتوقيف الرئيس البشير لكن هذا يظل موقفي الشخصي كمحام وحقوقي وليس ملزما للحكومة الليبية التي يجب أن نتفهم ظروفها فهي تسابق الزمن لإعادة سيادة الأمن والنظام والقانون واستعادة الاستقرار للبلاد ولديها أكثر مما يكفيها من الهموم والأولويات" ويضيف العلاقي "أن على العالم أن يتذكر أن الثورة في ليبيا قد تلقت دعما مقدرا من الحكومة السودانية للتخلص من نظام القذافي. تنتهي يوم الثلاثاء المهلة التي حددتها المحكمة الجنائية الدولية للسلطات الليبية لإثبات أنها قادرة على تقديم سيف الإسلام القذافي لمحاكمة تستوفى شروط العدالة الدولية. وقد عبر محامون دوليون عن شكوكهم من أن تتمكن المحاكم الليبية التي أنشأت حديثا من التعامل مع التعقيدات المرتبطة بقضايا جرائم الحرب. أقرت كل من المحكمة الجنائية والسلطات الليبية إنها لم توقع اتفاقا مكتوبا حول شكل الدعم الذي يمكن أن تقدمه المحكمة الجنائية الدولية للمحاكم الليبية أو كيفية مراقبة المحكمة الليبية إذا بدأت إجراءات محاكمة سيف الإسلام القذافي هنالك. كل ما تم الاتفاق عليه كان رغبة ووعودا غامضة بتقديم المساعدة ويبدو أن أجوائها قد تعكرت الآن بزيارة البشير إلى ليبيا. ماذا تكسب ليبيا؟ يقول وليام لاورانس مدير قسم شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية " لا شك أن البعض في المحكمة الجنائية الدولية ينظرون باستياء وتوجس للحفاوة التي أبدتها ليبيا بأهم طريد للمحكمة الجنائية الدولية، حتى ولم تكن ليبيا موقعة على المحكمة الجنائية الدولية." ويضيف قائلا: "من زاوية حقوق الإنسان والقانون الدولي كانت هذه خطوة غير موفقة من جانب الحكومة الليبية ولم تجلب لها أية مكاسب. لكن يبدو أن السلطات الليبية الجديدة قد توصلت إلى قناعة مفادها أن استقرار وأمن حدودها الجنوبية يجلب لها من المنافع ما يتجاوز كل الآثار السلبية للانتقادات التي تتعرض لها بسبب زيارة الرئيس السوداني عمر البشير." استثمرت دول حلف شمال الأطلسي وخاصة فرنسا وبريطانيا رصيدا سياسيا كبيرا في ليبيا وتدخلت بشكل حاسم بقواتها الجوية في الصيف الماضي لإسقاط حكم العقيد القذافي، لذلك يبقى على المراقبون الانتظار ليروا ما إذا كانت علاقة طرابلس الدافئة مع الخرطوم ستكون على حساب علاقاتها دول مثل فرنسا وبريطانيا وبقية نادي الدول القوية الداعمة لمحكمة الجنايات الدولية. اذاعة هولندا العالمية