بعد مضي اكثر من ستة اشهر منذ انفصال جنوب السودان عن الوطن الام السودان. كيف يواجه مواطنوا الدولة الوليدة التحديات التي يفرضها الواقع الجديد. توجهت من لندن الى جوبا عبر نيروبي للتعرف على هموم مواطني الدولة الجديدة وحياتهم منذ الانفصال. الاجواء في جوبا كانت احتفالية في بداية العام 2012 ما بين استقبال للعام الجديد والاحتفال باول ذكرى لتوقيع اتفاقية السلام الشامل بين شمال وجنوب السودان والتي انهت اكثر من عقدين من الحرب الاهلية، وهي الاتفاقية التى افضت الى استفتاء تقرير المصير الذي اختار عبره الجنوبيون الانفصال. لحقت بمسيرة عند ضريح الزعيم السوداني الراحل جون قرنق في وسط مدينة جوبا. المسيرة تنظمها مجموعة مدنية حديثة التكوين اسمها "كونسيرن سيتيزن اكس" لاحياء ذكرى اتفاقية السلام. الشعارات التي يرفعها منظمو هذه المسيرة تنادي بالسلام ونبذ القبلية. لم تكن هذه الشعارات مصادفة حيث إن الدولة الوليدة التي هي في حاجة للامن والاستقرار من اجل التنمية تواجه تحديات كبيرة اهمها وقف الاقتتال الذي يقع بين بعض القوميات المكونة للدولة و اسوأها كان في ولاية جونقلي حيث ينشب القتال بين قبيلتي المورلي و لو نوير حول قطعان الماشية. جوبا منظمو المسيرة وقفوا اولاً دقيقة صمت على روح الزعيم قرنق وبعدها ردد المطرب الجنوبي إمانويل كمبي وخلفه انصار مجموعة "كونسيرن سيتيزن اكس" النشيد الوطني للجمهورية الجديدة. يقول كمبي والذي تُعرفه الصحافة في جنوب السودان بمطرب الزعيم قرنق، انه غادر السودان قبل ثلاثة وعشرين عاماً وانضم الى حركة التمرد في اثيوبيا الا انه كان يناضل بالموسيقى بدلاً عن السلاح. اغاني كمبي تدعو الى وحدة صف الجنوبيين و العمل على تنمية بلادهم. ويقول كمبي إن على مواطني الدولة الوليدة ان يتركوا الحروبات والالتفات الى التنمية. مشكلة الهوية توجهنا الي منزل جون سامبا الذي يعمل استاذاً في جامعة جوبا. انتقل جون واسرته من الخرطوم حيث كانوا يعيشون الى جوبا بعد اتفاقية السلام. يقول جون إنه لم ينعم بالراحة النفسية اثناء مكوثه في الخرطوم و انه وجد حريته في الجنوب. و على الرغم من الصعوبات التي تواجه الدولة الوليدة الا ان جون بدأ اكثر تفاولاً من شقيقه اسماعيل الذي اشار الى ان المواطن العادي لم يجن شيئا منذ انفصال الجنوب. جوبا وتحدث اسماعيل عن المشاكل الامنية و الاقتصادية التي تواجه المواطن الجنوبي حتى في العاصمة جوبا. و قال إنه لا توجد اجندة وطنية تجمع جميع اهل الجنوب و شكا من مشكلة في الهوية بين مواطني الدولة الوليدة. وذكر اسماعيل انه كان في طريقه الى منطقته مندرا ووبخه احد الجنود في احدى نقاط التفتيش عندما تحدث باللغة العربية ووصفها ب "الجلابي"، وهو الوصف الذي يستخدم في الجنوب للتعريف بالسوداني من الشمال. زوجة جون سامبا اكدت على وجود مصاعب حياتية الا انها اشارت الى أنها احسن حالاً عن ما كانت عليه في الخرطوم. جمعنا منزل جون سامبا بعدد من جيرانه و ابنائهم الصغار. من بين الجيران التقينا بسوسن عمر التي ولدت و نشأت في الخرطوم وعادت بعد الانفصال. تحدثنا معها عن حياتها في الخرطوم و جاراتها هناك وقالت إنها ما زالت على تواصل مع معارفها في الخرطوم و تمنت ان يبقى التواصل وان لا تتأثر العلاقات الاجتماعية بالانفصال السياسي لجنوب السودان. همّ التعليم سألت سوسن عن اكثر ما يشغل بالها بعد العودة الى جوبا وردت بالقول التعليم والصحة لابنها دانيال واخواته الاثنتين. يشكل التعليم تحد كبير للدولة الوليدة وهو الوسيلة الوحيدة لتكوين اجيال قادرة على قيادة التنمية في البلاد ونشر الوعي بين ابناء الجنوب. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك مع ارتفاع نسبة الامية في البلاد وانعدام الكادر البشري الذي يمكن ان يقود مسيرة التعليم. أن أندرو تلميذة في المرحلة الثانوية تقول إن المعلمين في مدرستها في جوبا يتغيبون في بعض الاحيان عن حصصهم المقررة وهو ما لم يحدث من قبل عندما كانت تدرس في الخرطوم. حملنا هذه الهموم لعدد من الصحفيين الشباب في صحيفة المصير التي تحرر في جوبا باللغة العربية و تطبع في الخرطوم. ابراهام مليك مدير تحرير الصحيفة قال إنه زار العديد من المدارس في مختلف ولايات جنوب السودان و اضاف بانه على الرغم من وجود مبان في عدد من هذه المدارس الا انها تفتقر الى المعلمين و المواد التعليمية. وقدر مليك ان الجنوب يحتاج لعشرين عاما على الاقل لبناء مؤسساتها التعليمية و مؤسسات الدولة الاخرى لكي تصبح فاعلة. وعن موضوع الهوية لدولة جنوب السودان يقول ابراهام جالبينو نائب رئيس التحرير في الصحيفة إن الجنوب لا يعاني من خلافات دينية بل قبلية و إن معظم الناس كانوا يعتقدون ان ما يجمعهم هو العدو المشترك وهو الشمال على الرغم من تأكيده إن هذا الاتجاه كان سائداً في اوساط الحكومات او الدوائر السياسية وليس على المستوى الشعبي. لكن بعد الانفصال بدات تظهر الخلافات القبلية واسوأها كان قد تمثل في الصراع الذي نشب بين قبيلتي المورلي ولو نوير في ولاية جونقلي. الإعلام يشير جالبينو الى نقطة هامة وهي عدم وجود وسائل اعلامية تصل جميع المواطنين في جنوب السودان مما يصعب على الدولة التواصل مع مواطنيها الذين حسب جالبينو، يعيش 90 بالمئة منهم في الارياف بينما يتوفر الارسال الاذاعي والتلفزيوني والصحف فقط في المدن. الرسالة الاعلامية هي احدى الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها لايصال الرسالة المسموعة او المرئية لسكان جنوب السودان لتخطي مشكلة الامية في البلاد. ولكن مع شح الاجهزة الاعلامية التي يمكن ان تصل لمواطني جنوب السودان فان الامر ليس سهلاً. توجهت الى اذاعة اس ار اس (SRS FM) التي تبث باللغة الانجليزية وبلهجة عرب جوبا وهي اللغة العربية السائدة في جنوب السودان. وشرح لنا الصحفي دانيال دينيس من غرفة الاخبار روتين العمل اليومي من الاجتماع التحريري في الصباح الى التغطية الاخبارية اليومية. ويقول دينيس إن الصحفيين في الجنوب يعانون من شح المعلومة نسبة لتحفظ المصادر. جوبا مدير الاذاعة استيفن اوميري حدثنا عن بث الاذاعة عبر موجة الاف ام في ولاية وسط الاستوائية بالاضافة الى اجزاء من ولايتي شرق وغرب الاستوائية. واضاف انهم لا يخافون من حدوث فجوة في ارسال الاذاعة لانهم يبثون ايضاً عبر الموجات القصيرة لكل السودان بل واكثر من ذلك عبر موقعهم الالكتروني لجاليات جنوب السودان في الخارج. يقول مدير البرامج دانيال لاسوبا إن الاذاعة تنتج وتبث العديد من البرامج التي تستهدف شرائح معينة من المجتمع كبرنامج بانوراما الذي يعنى بشؤون ألمراة، كما تبث برامج تعليمية عن الحياة المدنية والديمقراطية بالاضافة الي البرامج التعليمية التي تنتجها الاذاعة بالتعاون مع منظمة سيري الخيرية والتي توفر حصصاً اذاعية لتلاميذ المدارس. التحديات التي تواجه جنوب السودان عديدة ولكن اذا استطاع الجنوب تجاوز قضايا القبلية والنزاعات ومحو الامية والبدء في عملية التنمية، خاصة البشرية، فان مستقبلاً مزدهراً ينتظر هذه الدولة الوليدة. بي بي سي