لم تكن السباحة ضد التيار العام خياراً سهلاً في أي وقت كما يعرف العالم البريطاني الملحد رتشارد دوكينز. فقد نبشت الصحافة ماضي أسرته ووجدت أنه سليل أسرة اشتغلت بتجارة "الرق" في جامايكا بين قرنين وثلاثة مضت... فتداولت الخبر يمنة ويسرة. سارعت الصحافة البريطانية الى تسليط الضوء على أنباء أفادت أن عالم الأحياء والوراثة والسلوك البريطاني رتشارد دوكينز يتحدّر من عائلة صنعت ثروة طائلة وراء الاتجار بالرق. وقالت هذه الأنباء أن دوكينز سليل مباشر لهنري دوكينز الذي توفي العام 1744 وورّث أبناءه "عبيدا" جامايكيين بلغ عددهم ألفا و13. وتفيد الأنباء نفسها أن ضيعة أسرة رتشارد دوكينز، البالغة مساحتها 400 فدان في نورتون بارك بمقاطعة اوكسفورشاير الانكليزية، اُشتريت بالأموال التي آلت لورثة هنري دوكينز من تجارته في "العبيد" خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. وفي عرضها الخبر، نحت الصحف البريطانية الى وصف رتشارد دوكينز ب«الملحد الذي رمى الكنيسة الكاثوليكية بأنها منبع الشر». ومضى بعض هذه الصحف ليتحدث عن أن العبودية حُظرت نتيجة جهود كبيرة جاء قسم مهم منها من لدن الانغليكاني (البروتستانتي) الانكليزي كريستيان وليام ويلبرفورس الذي كان عضوا برلمانيا وومصلحا اجتماعيا ذا مكانة رفيعة في تاريخ بريطانيا. وبالطبع فإن مناسبة هذا الحديث هي القول إن رجال الدين - الذي ينكره العالم البريطاني - هم الذين تصدوا لعار الاسترقاق بينما عائلته - وهو الملحد - تتمتع بثمار الاتجار به. لكن هذا العالم، من جهته، رد على تداول النبأ بقوله لصحيفة «تليغراف» البريطانية إنه «حملة لتلطيخ سمعتي، لأن إدانتي الكاملة للعبودية ليست موضع جدل دعك من الشك. والآن يرمونني بأن أجدادي في القرنين 17 و18 اشتغلوا بتجارة الرق. ما ذنبي أنا شخصيا»؟ وكان دوكينز يرد بالقدر نفسه على الجماعات النشطة في مجال المساواة التي تطالبه الآن ب«الاعتذار رسميا عن تاريخ عائلته». وأشارت الصحف الى أن دوكينز يتحدّر من سلالة ضمت قسيسا واثنين آخرين كانا عضوين ببرلمان ويستمنستر، وكلهم وقفوا بشراسة ضد الحملة الرامية لحظر تجارة "العبيد". وسلطت الضوء على أن روابط الأسرة بالعبودية بدأت عندما سافر جد سابق له هو وليام دوكينز الى جامايكا حيث حاز أراضي من 1775 فدانا بين 1669 و1682. وبوفاة ابنه رتشارد في 1701، ترك وراءه 6659 جنيها استرلينيا و143 عبدا وأمة «قيمتهم» 2784 جنيها. ثم اتخذ هنري، ابن رتشارد، زوجة له من عائلة ذات نفوذ جمعت ثروتها من تجارة الرق. ولدى وفاته في 1744 كان عدد "عبيده" 1013 قيمتهم 40 ألفا و736 جنيها. وتتواصل تجارة الرق عبر شجرة العائلة، فيخبرنا التاريخ أن جيمس دوكينز - من سلالة هنري ورتشارد - كان نائبا برلمانيا بين أبرز المعارضين لخطط وليام ويلبرفورس الرامية لحظر هذه التجارة. وفي معرض رده على كل هذا قال رتشارد دوكينز، المتخصص في نظرية النشوء والتطور وصاحب «مؤسسة رتشارد دوكينز لتحكيم العقل والعلوم»: «بغض النظر عن تاريخ لا يد لي فيه، فإن الحقيقة هي أن واحدة فقط من مورّثاتي ال512 تأتي من هنري دوكينز». ولم يفت على الصحف التي أوردت النبأ أن تشير الى أن هذا العالم تحدث في 2010 عن وراثة أبيه لضيعة اوكسفوردشاير، لكنه «لم يتعرض لخلفية هذه الأراضي وعلاقتها بأجداده واتجارهم المربح ب"العبيد" في جامايكا». ويُعتقد أن سارة كيتيلويل، شقيقة دوكينر، لا تزال تعيش في تلك الضيعة الواردة على قائمة «كومبانيز هاوس» الحكومية (المسؤولة عن تسجيل الشركات البريطانية كافة) وعادت على أصحابها بأرباح العام الماضي بلغت 12 ألف جنيه. لكن هوكينز - المسجّل باعتباره مدير الضيعة - بقول إنها «مزرعة صغيرة الآن تجاهد للبقاء وقيمتها التجارية تكاد لا تُذكر». ايلاف