بوجوتا - ساندرا بارا - لا تنتمي الشامانية كما يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى إلى منطقة بلاد الشام، بل هي إحدى الممارسات القديمة التي يقال أن قواها مرتبطة بالسحر والسيطرة على الأرواح وعلى التغيرات المناخية، وتنتشر في بعض البلدان الأسيوية واللاتينية وإن كانت تأصلت أكثر في الثانية وبالأخص كولومبيا، ويطلق على من يمارسها لقب الشامان، وتعني ساحر أو كاهن القبيلة، وهي مرتبة يحظى من يحصل عليها بقدر كبير من الاحترام والتقدير كما يكون مرهوب الجانب أيضا. الشامان الكولومبي خورخي جونزاليس الشامان الكولومبي خورخي جونزاليس وأثارت الشامانية مؤخرا قدرا كبيرا من الجدل في كولومبيا بسبب إقدام السلطات نفسها على التعاقد مع شامان مشهور لاستغلال قدراته في تجنب سقوط الأمطار أثناء إقامة عدة أحداث ومنها حفل تنصيب الرئيس خوان مانويل سانتوس في 2010 وكذلك في نهائي النسخة الأخيرة من كأس العالم تحت 20 سنة والتي استضافها البلد الكاريبي. ويعتبر الشامان خورخي جونزاليس (66 عاما)، والذي يعمل أيضا كمزارع في مقاطعة توليما الكولومبية، هو بطل هذه القضية، حيث يثق منظمو الأحداث الهامة في قدراته بصورة كبيرة، فيكفي أن مهرجان المسرح الإيبروأميركي (يضم دول إسبانيا والبرتغال وأمريكا اللاتينية) استفاد من خدماته مرتين أثناء إقامة فعالياته. ولجأت السلطات أيضا إلى جونزاليس، الذي يؤكد انه تعلم استغلال الطقوس الشامانية لتجنب سقوط الأمطار وهو في سن العاشرة من كتاب ورثه من والده، في محاولة منها لمواجهة كارثة السيول التي ضربت البلاد في 2010 وتسببت في وفاة أكثر من 500 شخص فضلا عن الأضرار الكبيرة التي تعرض لها الملايين من المواطنين. وبدأ الجدل حول إقدام بعض السلطات على الاعتماد على ممارسات الشامانية في تنظيم الأحداث الهامة بعدما كشفت هيئة الرقابة الكولومبية في تحقيقاتها أنه تم إنفاق حوالي مليون دولار، بصورة غير مبررة، في حفل ختام مونديال تحت 20 سنة العام الماضي والذي توجت به البرازيل. وكشفت التحقيقات أن من ضمن المصروفات غير المبررة أيضا يأتي إنفاق ألفين و700 دولار لصالح الشامان لتجنب سقوط الأمطار أثناء الحفل الختامي للمونديال، وبعدها توالت المفاجآت حيث ثبت بعد ذلك أنه تم التعاقد مع نفس الشخص لمنع سقوط الأمطار أثناء حفل تنصيب سانتوس رئيسا لكولومبيا في آب/ أغسطس 2010. ووفقا لما قالته الرئاسة الكولومبية في بيان، فإن التعاقد تم عن طريق مقاول الباطن يتبع لحملة سانتوس وكان هذا الأمر من منطلق "مبادرة شخصية" منه وبشكل مستقل عما اتفقت عليه المؤسسة الرئاسية، في حين قالت انا مارثا بيزارو، مديرة مهرجان المسرح الإيبروأميركي، والتي تولت التعاقد مع الشامان أيضا اثناء حفل اختتام مونديال الشباب، إن هذا الامر كان "ضروريا" من أجل ضمان نجاح تنظيم الحدث. من جانبه، يرى إستيبان روسو، الباحث ببرنامج الأنثروبولوجيا بمدرسة العلوم البشرية بجامعة الروساريو الكولومبية، أن هذه الممارسات بدأت تأخذ طابعا معاصرا بدلا من التقليدي القديم ويقول أيضا إن "الغموض الذي يكتنف كيفية تقبل هذه الممارسات غريب في حد ذاته، لأنها تستخدم من قبل فئات متنوعة ومتفاوتة المستويات في المجتمع، ولكن حينما تتم بشكل رسمي يتعين إدانتها بشكل دائم". وأعاد اعتماد بعض السلطات على الشامانية مؤخرا إلى الأذهان بعض القضايا التي سبق وأثارت ضجة في كولومبيا سابقا، ومنها تعاقد النيابة العامة في 2006 مع وسيط روحاني لتحقيق "التناغم الروحي" بين موظفي هذه السلطة القضائية، بل وإقدام القوات المسلحة الكولومبية نفسها على الاتفاق مع سحرة ومنجمين لمساعدتهم في التوصل لأماكن تجار المخدرات وقيادات الجماعات المتمردة والمجرمين. وأظهرت الأحداث الأخيرة التي بدلا من التركيز على إهدار مفترض للمال العام بعد تسليط الأضواء على المزارعين الذين يمارسون الشامانية، ان الشعب الكولومبي على الرغم من أن أغلبيته يعتنق الكاثوليكية، إلا أنه لا يمانع أيضا في االلجوء إلى أشخاص يعتقد أن لديهم قدرات خارقة، حتى وإن كان ذلك من خلال طقوس قد تراها الكنيسة وثنية. جدير بالذكر أن أديب نوبل الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز، يعد أحد رواد تيار الواقعية السحرية في الأدب، والذي حقق رواجا كبيرا من منتصف القرن الماضي ولا يزال حتى الآن، جعل من بلدة ماكوندو الكاريبية الفقيرة، التي خلدها في روايته الكلاسيكية الرائعة "مئة عام من العزلة"، من مجرد بطل أحداث روائية إلى كيان حقيقي يحرص الناس على زيارته للتعرف على الوقائع السحرية التي تمتزج بمرارة الواقع في بلد مثل كولومبيا. المقصود أن بلد يمتلك مواصفات خاصة، جمعت بين عناصر الطبيعة المتنوعة، ونماذج عرقيات ثقافية من مختلف قارات العالم الخمس، من السهل ان يروج فيه وعلى أعلى مستوى هذه المعتقدات الخيالية الأسطورية، التي قد يراها البعض دجلا وخرافة، بينما ليس من المستبعد ان تطالب كولومبيا قريبا، بضم الشامانية إلى قائمة تراث اليونسكو غير المادي حفاظا على طقوس قديمة قد تتنافى مع العلم الحديث، بل ويعتبرها خرافة، ولكنها تمثل جزءا مكملا للهوية والشخصية الكاريبية.