ما إن تبلغ وسط الخرطوم، حتى يستقبلك مسجدها العتيق بمئذنتيه العاليتين، ومبانيه ذات الطراز الإسلامي الفريد، كتحفة تراثية وتاريخية نادرة تحتل قلب الخرطوم، منذ أكثر من قرن . مسجد الخرطوم كان يطلق عليه سابقاً مسجد عباس، نسبة إلى أول من فكر في تشييده وهو الخديوي عباس الذي تولى الحكم في مصر في 1892 ووضع حجر الأساس للمسجد، وتم افتتاحه عند زيارة الخديوي للسودان، ثم طوره الملك فؤاد وابنه الملك فاروق إلى أن تولت الحكومة السودانية أمره، وعينت له لجنة ترأسها عمدة الخرطومالشرقية آنذاك المرحوم العمدة عثمان منصور وضمت في عضويتها المرحوم محمود قباني . ويقول الشيخ طه أبو الحسن الغزالي، أحد أقدم الذين عاصروا المسجد إن الشيوخ محمد أحمد عمر وحسن طنون والغبشاوي يعتبرون من أشهر الأئمة والدعاة الذين مروا بالمسجد، ويشير إلى أن الشيخ ود البدوي هو الذي افتتح المسجد بعد استلامه من الأتراك . منارة علمية وقد أصبح المسجد منارة تاريخية وعلمية يؤمها الناس من كل حدب وصوب وتشرف عليه الهيئة القومية للآثار السودانية كمعلم تاريخي سياحي بارز رغم أنه يتبع هيئة الأوقاف، ويحتل المسجد مساحة واسعة نادرة في قلب الخرطوم، ويتميز ببهو واسع، وينفرد بمنبر قديم يعد أثراً إسلامياً بطرازه، ويشكل وحده لوحة جمالية رائعة، ويحكي عمره الطويل حقباً من تاريخ السودان الحديث، تم تشييد المسجد من الحجر الرملي النوبي الذي استجلب من منطقة جبل الأولياء جنوبالخرطوم، حيث تم تقطيع الحجر بواسطة عمال وفنيين مهرة من مصر، وذلك بمساعدة العمال السودانيين، لضمان جودة العمل والصناعة الفنية التي استخدمت فيها الزخارف والحلي المعمارية التي يزخر بها . وبالمسجد مئذنتان، إحداهما من الناحية الجنوبية، والثانية من الناحية الغربية تتميز بشكل معماري على شكل أبراج ثلاثة منحوتة بأشكال عالية الروعة والجودة، وتستقر كرات ثلاث حديدية متدرجة في الصغر من أسفل إلى أعلى وتنتهي بهلال مقفول في قمة المئذنة . وتطل أبواب المسجد على الاتجاهات الأربعة، في مواجهة السوق العربي الشهير، وميدان أبو جنزير الأشهر، غير أن السلطات نقلت جانباً من السوق إلى أطراف الخرطومالجنوبية، وأخلت ميدان أبوجنزير من مواقف المواصلات، ومع ذلك لم تتأثر الأعداد التي تؤم المسجد، بل إن حشداً كبيراً يبقى في المسجد في غير أوقات الصلاة . وينفي الشيخ خليفة عبده محمود درار أن يكون الشيخ الشهير أبو جنزير الذي كان أميراً في المهدية، والذي سمي الميدان المجاور للمسجد باسمه، له علاقة بالمسجد، مشيراً إلى أنه دفن في قبر داخل الميدان بعد أن اغتاله الأتراك . إضافات جديدة وقد أجبرت الحشود المتزايدة لجنة المسجد على ابتكار مصليات جديدة، والعمل على تحديث المسجد لاستقبال مئة ألف مصل . وأضيفت بعض المباني في العقد الأخير من القرن الماضي، منها مصلى جديد ومكتبة لبيع الكتب الدينية، كما أضيفت ملحقات داخل المسجد من أرفف وكراس . وينظم المسجد محاضرات دينية طوال اليوم، وخصص لها قاعة تجاور المبنى الداخلي للمسجد، وفي المسجد معهد لتحفيظ القرآن، وتزداد وتيرة الحلقات والمحاضرات في شهر رمضان الكريم، ويحظي المسجد بمائدة إفطار رمضانية جماعية طوال أيام الشهر الفضيل، يقوم عليها أهل الخير والمنظمات . وتقام في المسجد العديد من الأنشطة الدعوية صباحاً ومساء في مصلى الإمام الشافعي، وهو مبنى قائم بذاته، ويمثل امتداداً جديداً للجامع شيد قبل أعوام، وكان قبلها عبارة عن “فرندات"، ويوجد تقريباً شمال غرب المبنى الرئيسي للجامع، أما مصلى أبو حنيفة الموجود بالجهة الغربية فقد شيد حديثاً كامتداد للجامع، كما شيدت مصليات خلفية، من بينها مصلى النساء، وهو مبنى جديد غرب مصلى الإمام الشافعي، حيث ينفرد بتدريس القرآن الكريم والمسائل الفقهية البسيطة بجانب الدروس القرآنية . كما أنشئت بداخل سور الجامع إضافات لتوفير الماء البارد، بجانب تشييد أماكن جديدة للوضوء، بجانب حديقة تحتل مساحة جيدة سميت حديقة السلام .