مجرد تحرك وسيلة النقل الباص او الحافلة يبدأ «الكمساري» مهمته الاعتيادية بطقطقة اصابعه كدليل على انه بدأ مرحلة جمع ثمن التذكرة من الركاب. ومن الطبيعي جداً ان تدفع بوصفك راكباً ثمن تذكرة واحدة. ولكن ثمة من تعرفه علي الحافلة ويتوجب عليك ان تدفع له ايضا. وفي ظل ارتفاع اسعار تعريفة المواصلات والغلاء الطاحن الذي يجتاح عدداً من السلع والضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد فإن على الكثيرين تحسس جيوبهم وقراءة معني ان تدفع ثمن تذاكر اخرى جيداً، ومعرفة مدى تأثيره على نفقات شهر كامل بالنسبة للعمال والموظفين، وتصل لتلامس السائقين والكماسرة ايضاً، حيث لا يأخذ هؤلاء ثمن التذكرة من أقاربهم او اصدقائهم، وكل من له سابق معرفة بهم، وتعتبر هذه الظاهرة متأصلة ومألوفة في المجتمع، وتتكرر مشاهدها كثيراً لكل من يستخدم وسائل النقل العام. ويقول المواطن حامد ادريس ان العادة حميدة لكن لا تراعي الظروف الاقتصادية التي يمر بها الفرد، وانها انعكاس ايجابي للكرم الذي يشتهر به السوداني، مضيفاً ان الاوضاع وان صعبت كثيراً لن تختفي هذه العادة، حيث ان المجتمع يعتبرها مقياسا للايثار، وتقبح مجالس الحديث الشخص الذي لا يدفع للآخر خاصة النساء، قائلا من السيئ ألا تدفع لرجل تعرفه، ولكن من الأسوأ ألا تدفع لامرأة تعرفها. ومن جانب آخر يتحدث الكمساري النور حسين كاشفاً عن انهم يطلقون مفردة «كوكب» على الشخص الذي يعرفهم ولا يأخذون منه ثمن التذكرة، وان عدد «الكواكب» يختلف بحسب الخط الذي تعمل به الحافلة، حيث اذا كان السائق يعمل في خط لمنطقة نشأ بها يزداد عدد معارفه تبعاً لذلك، مما يجعل «الفردة» وهي الرحلة ذهابا او ايابا «غير مغطية» أي لا ربح فيها، مشيراً الى انه قد يتغاضى احيانا عن شخص يعرفه اذا شعر بالخسارة، ولكن لا يلجأ لهذا كثيراً، موضحاً ان بعض الاشخاص لا يقدرون الظروف التي يمر بها الآخرون، مبيناً أن كثيرين في ظل هذه الاوضاع لا يدفعون ويردون على الكمساري بكلمة «ما عندي». يقول الطالب الجامعي عثمان موسى إنه في ظل الاوضاع الحالية يتوجب على الطالب أن يفكر الف مرة قبل ان يدفع لشخص آخر، كاشفاً عن أن أغلب من يدفعون هم الذين يجلسون في الصفوف الامامية، إذ أن الكمساري يبدأ بهم عملية جمع ثمن التذكرة، ويمكن ان يدخلوا في حرج بالغ اذا لم يتوفر لهم المال الكافي لتغطية ثمن التذاكر للآخرين، مشيراً الى انهم باعتبارهم طلاباً دوما ما يدفعون «شيرينغ» بالمساهمة في المواصلات حتى يغطي الذين يملكون ثمن التذاكر على الذين لا يملكون ثمنها، مؤكداً ان كثيراً من الطلاب اصبحوا يتحاشون الركوب مع زملائهم وزميلاتهم حتى لا يجروا انفسهم إلى هذه الدوامة، مستذكراً الكثير من المشاهد التي دفع فيها أثناء قدومه الى الجامعة صباحاً مما افرغ محفظة نقوده تماماً قبل موعد الإفطار. الصحافة