هل تتنبأ السينما بالأحداث؟ أحياناً، يؤكد صانعو السينما ممن يؤيدون دور الشاشة الفضية في طرح رؤية مستقبلية للأحداث، وهو ما بدا واضحاً بعد أحداث رملة بولاق وحريق برجي «نايل سيتي» على كورنيش القاهرة التي تشابهت إلى حد التطابق مع الأحداث في فيلم «صرخة نملة». يتمحور فيلم «صرخة نملة» (كتابة طارق عبد الجليل، إخراج سامح عبد العزيز، بطولة عمرو عبد الجليل) حول تنظيم رملة بولاق تظاهرة ضخمة احتجاجاً على انقطاع المياه، ومعاملة المسؤولين عن الحي السيئة للأهالي، يقودها جودة (عمرو عبد الجليل) العائد من العراق بعد سجنه عشر سنوات، فيما يحاول الأمن تدارك الموقف بطرق عدة للسيطرة على الأمر، لكنه يفشل. أما على أرض الواقع، فقد اندلعت حرائق في أبراج «نايل سيتي» التجارية الضخمة بسبب، كما تردد، خلاف نشب بين سكان رملة بولاق وأمن المركز التجاري الذي رفض مساعدتهم في إطفاء الحريق واتهمهم بالبلطجية وتعامل معهم بتعالٍ، وهو ما يبدو متشابهاً بشدة مع أحداث فيلم «صرخة نملة». تحذير يؤكد سامح عبد العزيز، مخرج «صرخة نملة»، أن أحد أدوار السينما هو التحذير من قضايا شائكة في المجتمع، مشيراً إلى أن فيلمه رصد التفاوت الطبقي الرهيب في مصر، لا سيما في أماكن متجاورة، وتوقّع حريقي نايل سيتي ورملة بولاق قبل وقوعهما، كونه تناول تفاصيل واقعية موجودة بقوة في مجتمعنا، لافتاً إلى معوقات تعرّض لها الفيلم وكادت توقف انجازه وظهوره إلى النور لولا الثورة التي أفرجت عنه. بدوره، يرى مؤلف الفيلم طارق عبد الجليل أن المشكلة الأساسية في واقعة رملة بولاق تكمن في كيفية تعامل رجال الأمن مع الموقف، وهي الطريقة القديمة التي لم يتعلموا بعد أنها غير مجدية وتؤدي إلى كوارث لا حصر لها، فهم يحاولون دوماً تصوير الناس في الإعلام الموجّه على أنهم بلطجية تماماً كما كان يحدث قبل الثورة، والهدف معروف هو كسب تعاطف السلطة. يضيف عبد الجليل أن دور السينما خصوصاً والفن عموماً هو استشراف الواقع وترجمته عبر رؤية قد تكون مستقبلية، لأن الفنان بطبيعته يقرأ الواقع ومن ثم يتنبأ بما قد يحدث، وهو ما يمكن تلمسه عبر تاريخ السينما الزاخر بأمثلة على هذا النحو. ثورة الجياع من «صرخة نملة» إلى أفلام خالد يوسف والمخرج الراحل يوسف شاهين، لا نجد فارقاً في فكرة التنبؤ بالأحداث، فقد تنبأ كل من يوسف شاهين وخالد يوسف بالثورة المصرية في «هي فوضى» (بطولة خالد صالح ومنة شلبي ويوسف الشريف) بشكل واضح وصريح، خصوصاً في نهاية الفيلم التي تصوّر رفض الجماهير للظلم والقهر. الأمر نفسه حدث في فيلمي «حين ميسرة» و{دكان شحاتة»، إذ انتهى الأول بثورة الشعب ضد الفساد والظلم والقهر، وتنبأ الثاني بثورة الجياع، تلك التي توقع محللون سياسيون كثر اندلاعها. بدوره يوضح المخرج خالد يوسف أن دور الفن الحقيقي ألا ينتظر وقوع الأحداث ليتكلم عنها بل يسبقها برؤية سينمائية. أما السيناريست ناصر عبد الرحمن (مؤلف فيلمي «هي فوضى» و{حين ميسرة») فيشير إلى أن التنبؤ بالأحداث ليس صعباً بل يحتاج إلى بحث حقيقي في الواقع المصري وقراءته بتأنٍ، لأن رصد الواقع بشكل سينمائي حقيقي يجعل الصورة تبدو أوضح، فيظن البعض أن الفيلم تنبأ بالأحداث مع أنه في الحقيقة رصدها وحاول تأملها وتفهمها. من جهته يلاحظ المخرج يسري نصر الله أن التنبؤ بالأحداث مهمة قديمة في السينما في العالم كافة، ويعزو سببها إلى خيال صناع السينما الذي يسبق الواقع غالباً، مضيفاً أن الفيلم السينمائي ليس صحيفة يومية بل يترك لخيال المبدع العنان وقد يسبق الواقع.