ابتسامات البرهان والمبعوث الروسي .. ما القصة؟    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    مشاد ترحب بموافقة مجلس الأمن على مناقشة عدوان الإمارات وحلفائها على السودان    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن تسليم الدفعة الثانية من الأجهزة الطبية    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَنْ يَخلُّفُ المُشيرَ طَّهَ أمَّ نافعَ؟
نشر في الراكوبة يوم 21 - 09 - 2012

عندما أعلن رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير، عزمه عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة واسند ذلك الترشيح لسلطة المؤتمر العام للحزب الوطني الحاكم، ثارت عندئذ تساؤلات مهمة عمن يكون خليفة البشير، بعد ربع قرن على حكمه للسودان؟، من العسكر أم من الإخوان؟؟، كيف سيختار المؤتمر الوطني مرشحه القادم لرئاسة الجمهورية (2015م)؟، وما هي كليات الانتخاب الداخلية؟، وإلى أي كفٍ ستميل؟. وفي المجمل سؤال تالي مثير عما إذا توحد المؤتمرين (الوطني) الحاكم و(الشعبي) المعارض بانتهاء ولاية الرئيس أو بغيابه عن المشهد السياسي؟. وإذا كان الجيش والحركة الإسلامية والدول الغربية الكبرى قبلوا فصل جنوب السودان عن شماله، فهل ستلتقي هذه الأطراف على خليفة البشير؟، وهل سترضى عنا (أمريكا) و(الغرب) بغياب الرئيس عمر البشير المنتخب بإرادة شعبية والمطلوب لعدالتهم الاستثنائية في ما سمي بمحكمة الجنايات الدولية؟.
الكرسي والمرشحين
وعند الحديث عن خلافة الرئيس المشير عمر حسن البشير، نذهب أولاً للقوات المسلحة، وهي القوة التي تولت دائماً عناء تطبيب أمراض المراهقة السياسية التي استمرأتها قوى الأحزاب والمستقلين والنخب المتعلمة وقد عرضت جميعها استقرار وسلامة ووحدة أراضي البلاد للأخطار منذ الاستقلال. فالجيش السوداني ربما يرشح حينها الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، وزير الدفاع أو الفريق ركن بكري حسن صالح، الوزير المتخلق بأخلاقها في الضبط والربط والحزم المستبين، أو أي من جنرالات الإنقاذ القدامى خليفة للبشير، أو حتى من الضباط المتقاعدين من القوات المسلحة المشاهير كالفريق طيار الفاتح عروة، والفريق أول ركن عبد الرحمن سر الختم، بغية إبقاء المنصب عند المؤسسة الوطنية المجبولة بالمحافظة على تماسكها. وعندما نقترب من مرشح الحركة الإسلامية للرئاسة خليفة للرئيس البشير، سنمضي تاليا إلى الأستاذ علي عثمان محمد طه، أمين عام الحركة لدورتين متتاليتين تنتهي هذا العام، أو ربما نتفكر في د. غازي صلاح الدين، القيادي الذي نافس طه، في انتخابات الأمانة العامة 2008م (مؤتمر بري). ولكن هناك ثمة من يردوا كمرشحين في صف التنافس، فالجراب (الإسلامي) ملئ بالرموز الحركية، السيد أحمد عبد الرحمن محمد، إبراهيم أحمد عمر، وأمين حسن عمر أو عوض الجاز أو قطبي المهدي، أو أي ممن يحمل خاتم العطاء أو (الكسب) بلغة الإسلاميين على مدى تاريخ الحركة، وكلٍّ مرشح من هؤلاء له بالطبع حيثيات. كان هناك مرشحين آخرين أشير إليهم في قصص صحفية نشرت سابقاً، كالمهندس أسامة عبد الله، وزير الكهرباء والسدود، الذي سارت بذكر قوة نفوذه الركبان. من بينهم من وصف بالرئيس القادم ضربة لازب، كمصطفى عثمان إسماعيل، الذي لمع نجمه عند تقلده حقيبة الخارجية حين أستطاع بأعجوبة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع العالم والشقيقة مصر خصوصاً. ما قد يميز إسماعيل، عن غيره من المرشحين، أن بعض أبناء دفعته ونظراءه من الدول الأخرى، تقدموا فعلاً إلى مواقع الرئاسة ببلادهم، كعبد الله غول رئيس تركيا، وفاروق الشرع، نائب الرئيس السوري بشار الأسد، والشيخ حمد بن جاسم، رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، والسيد عمرو موسى، مرشح الرئاسة المصرية السابق. كان هناك أيضاً من قائمة المرشحين الرئاسيين الخلف المحتمل للرئيس عمر البشير، الفريق أمن صلاح قوش، الذي مضت تسريبات إلى أن إقالته من موقعه في قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، لأنه مضى في مخطط سري لخلافة البشير في أثناء حياته. هناك مرشحين آخرين منهم والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر، الذي رشحه للإمارة العليا، عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة (التيار)، القريب من الأوساط الإسلامية. كان هناك أيضاً مرشحين آخرين خمنت عنهم بعض تخريجات الصحافة فأبرزنهم من الحياة المدنية أو من الجيش، كاللواء عماد عدوي، الخبير بكلية دراسات الحرب العليا، والذي سمه مرشحاً، أحد كتبة صحف الخرطوم. ما يجعل الخلافة القادمة أمر تنجيم واستسقاء بالأزلام، أن رأيها قد يؤول هذه المرة، وخلافا للمعتاد، إلى مؤتمر الحركة الإسلامية القادم، وليس المؤتمر العام للمؤتمر الوطني الحاكم، على بعض التلميحات من قياديي الحركة. فالرئيس البشير، انتفض على وصاية أمين عام الحركة رئيس البرلمان في المفاصلة (د. حسن الترابي) 1999م، مع استقرار الأوضاع بالتوافق أو بمقتضى الحال مع الأمين العام الحالي للحركة الإسلامية الأستاذ علي عثمان. ما يعقد بالأحرى فهم هذا الانتقال للسلطة أنه مرجح في سنده إلى حركة وصفت بالسرية (الحركة الإسلامية) خرج عنها الحزب الوطني الحاكم، إذ لم تحظى الحركة باعتراف قانوني وشرعية موثقة لدى مسجل الأحزاب أو مسجل الجماعات الثقافية. فالوارد من الاحتمالات تبعاً لذلك أن تختار الحركة مرشحها للرئاسة القادمة قبل أن تترك تلك المهمة لمؤتمر الحزب إذا اتجهت الغلبة مع تجديد الثقة في الرئيس البشير رئيساً للحركة الإسلامية ورئيساً للمؤتمر الوطني وبالتالي مرشحاً لانتخابات رئاسة الجمهورية. وإن بدا هذه المرة أن رئيس الحزب سينتخب رئيسا للحركة، وهو تغير نوعي وتاريخي في آن معاً إذ سيصل حينها ولأول مرة إلى المقعد الذي شغله المثقفين المخضرمين من أمثال بابكر كرار وصادق عبد الماجد والرشيد الطاهر بكر وحسن الترابي، زائر من المؤسسة العسكرية. هذا التعقيد يشابه من وجهة قدرية بحتة ذات مأزق (الإخوان المسلمين) في مصر بعد ثورة يناير، حيث لا وضوح في الجانب القانوني لشخصية الجماعة، إذ لا هي حزب سياسي ولا هي منظمة اجتماعية، ومع ذلك فرئيس الجمهورية د. محمد مرسي، ينحدر منها، بينما ترفض الجماعة التسجيل كحزب سياسي أو منظمة طوعية، مكتفية بحزبها الحاكم حزب (الحرية والعدالة)، والقوامة من ثم عليه وعلى الحركة السياسية المصرية كلها، بوصفها لنفسها جماعة شاملة للدين والسياسة معاً.
لماذا طه؟، ولماذا نافع؟:
التنافس على خلافة الرئيس عمر البشير، قد ينتهي إلى خوض سباق حواجز القوة والجماهيرية والكفاءة والقبول وحتى التفقه وسط نجوم الحركة الإسلامية الحاكمة عبر المؤتمر الوطني لتقديم مرشحها القادم لرئاسة السودان. إذا وصلنا إلى بدء السباق على خلافة الرئيس عمر، كان تقييم المرشح القادم إلى الكرسي الرئاسي، محصوراً فقط بين السيدين علي عثمان طه ونافع علي نافع، إذ يدخل في حسابات رجحان كفة كل شخص من بين الخليفتين المحتملين، النفوذ بداخل الحزب والقبول على المستويين المحلي والخارجي، وللرجلين في كليهما حظٌ كبير. فمرشح الخلافة إن استبعدنا احتمال تمديد الرئيس البشير، لإقامته في القصر الجمهوري لدورة ثالثة، ويقتضي منه ذلك عبور جسور الإجراءات والقانون بالتعديل حيث يحظر الدستور بقاء الرئيس لأكثر من دورتين (انتهت بالنسبة للبشير 2005م- 2015م)، أو إذا أسقطنا رحيله عن الحياة العامة أو السياسية بالوفاة أو الاستقالة عن منصبه أو بتفريط الدولة والأجهزة المعنية في حمايته من تدابير الشر من ما يسمى بالنظام الدولي الجديد، فيبدو أن الشرط الأول لفوز المرشح المعني، أن يحظى بالمعرفة السياسية والإستراتيجية المؤهلة لمنصب الرئيس في مثل ظروف السودان الذي هو في مشكلات محلية ودولية كبريين شغلت بال مجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، تحتاج منه إلى مهارة التعامل مع الأطراف الفاعلة على المسارح كافة داخلياً وخارجياً. هذه المعرفة بهذين الشأنين بدت صفة تصم الرجلين، طه ونافع. فطه هو الذي ساوم العالم على سلام مع جنوب السودان بإيصال الحركة الشعبية إلى ردهات الحكم، فعلى سبيل المثال فاوض الرجل في بريطانيا، والتر كونشتاينر، مبعوث الرئيس بوش الابن، الذي حمل في جعبته تهديدات الويل والثبور ومنها ما سبق وعمّده الأمريكيين (قانون سلام السودان) في الكونغرس كسيف مسلط على القبائل الثلاثة الكبرى شمال الخرطوم التي تحكم السودان، الشايقيين والجعليين والدناقلة. ولتهدئة الأمور وحقن الإنقاذ بإكسير حياة جديدة، لم يتأخر طه، عن التنازل عن مقعد النائب الأول لرئيس الجمهورية بكامل أريحية لخلفه د. جون قرنق، مهراً لذلك السلام. نافع، كان رجل المهمات الصعبة على مدى مراحل تطبيق السلام مع الجنوب، فكان أول من وصل إلى قاعدة (نيو سايت) بعد ساعات قليلة من الحادث المأساوي الذي أودى بزعيم الحركة الشعبية قرنق، مبعوثاً من الشمال يحمل رسائل الطمأنة إلى حلفاء السلام الحركة الشعبية (التيار العام). نافع أيضاً كان آخر من توصل لاتفاق سلام يرضي الغرب وأمريكا، مع الحركة الشعبية الشمالية المتبناة من جنوب السودان، في أديس أبابا قبل عام. وفي الاثنتين اتصل الرجلان بالخارج واتصلا بالداخل في ذات الوقت بقدر لم يتوفر لمن قد يظن بمنافستهما في الترشيح لخلافة الرئيس. ومع هذه وتلك، كان هناك تسلم كلا الرجلين أعباء سكرتارية التنظيم في مرحلة من المراحل طيلة العشرين عاماً الماضية. وهو الموقع الأهم، حيث تتجمع عنده كل التحركات والتفاعلات السياسية والاقتصادية، الأمنية والإستراتيجية، علاوة على حركة الموارد والأفراد، بداخل المنظومة الحاكمة. كان التنظيم الإسلامي الذي كونّه الإسلاميين بزعامة د. حسن الترابي، في العقود الأخيرة، يضم بداخله ما يشبه التنظيم الطليعي على أيام الاتحاد الاشتراكي بزعامة جمال عبد الناصر. كان آخر من تولى هذه المهمة الحيوية، د. نافع علي نافع، خلال الأشهر القليلة الماضية.
لكن نافع، جرد من تولي أمانة التنظيم بالتزامن مع إبعاد الأستاذ علي عثمان محمد طه، من الأمانة التنفيذية للحزب، في حركة تغييرات واسعة في قيادة المؤتمر الوطني مؤخراً، رغم أن الرجلين تتاليا على مسئولية أمانة التنظيم. علي عثمان أولاً، عندما ذهب الترابي إلى السجن سجينا في نزلته الشهيرة، ثم د. الترابي، مرة أخرى بعد خروجه وقبل الاعتداء عليه من قبل المواطن السوداني المهاجر بكندا هاشم بدر الدين، ثم الأستاذ علي عثمان، بعد المفاصلة بين الإسلاميين في أول عقد الألفين، ثم د. نافع، لفترة ست سنوات بعد اتفاقية السلام وإلى ما قبل تجريده من منصبه بل وإلغاء المنصب من الأساس في يوليو الماضي. في مقولة نسبت للرئيس الفريق إبراهيم عبود، أطلقها إبان صراع الجنرالات بداخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة إثر انقلاب الأميرالايان عبد الرحيم شنان ومحي الدين أحمد عبد الله، الذين فرضا عبره على المجلس الأعلى إقالة الضابط القوي رجل حزب الأمة بداخل المجلس اللواء أحمد عبد الوهاب، مطمئنا محدثيه قوله "ما زلت ممسكاً بالسلب". كان هناك ثمة ممسك بالحبل الغليظ لما بدا وكأنه صراع محموم على المواقع القيادية بالمؤتمر الوطني بما فيها أمانة التنظيم حيث دفة القيادة الحقيقية. لم يتكشف أبعاد ذلك التوتر الذي أفضى إلى التغييرات الكبرى في قيادة التنظيم في الفترة الأخيرة، لكن يبدو الممسك بالخيوط وقد أمكن التعرف عليه بالقياس على المثال السابق، أراد حسم النزاع بطريقة حاسمة، عسكرية بعبارة أخرى، تقطع دابر الأقاويل نهائياً كما فعلها مع الفريق صلاح قوش، وقبلها مع الشيخ الترابي. وما جرى على مضض لمحاولة مداراة ذلك الخلاف فالحسم، جاء عبر إبراز دور نائب الرئيس، د. الحاج آدم يوسف، الصاعد على سطح الأحداث بقوة، بنزوله العفوي إلى الأسواق مختلطا بالجمهور العام، وبتصريحاته الحادة التي توعد في بعضها الجنوبيين حين هددهم بأن "جوبا ليست ببعيدة"، وكذا برميه كريمة إمام الأنصار رئيس حزب الأمة القومي، السيد الصادق المهدي، د. مريم، بتهمة "العمالة" بعد توقيعها مذكرة للتفاهم مع حركة مني آركو، في إطار تكليف حزبي على حد تأكيد حزب الأمة. غير أن ثمة ما قد يعوق الحاج آدم، عن التقدم نحو الكرسي الكبير، قدر انحداره من دارفور وفقا لمذهب المؤتمر الشعبي في التحليل السياسي في "الكتاب الأسود" الذي صدر بعد المفاصلة في العام 2001م. حيث لا يمكن تبعاً لذلك التحليل لنخب الشمال قبول رئيس للبلاد من غير الشمال الجغرافي. إذ لم يأت بعد أوان حكم السودان من غير أبناء النيل. فكما كان مستنكرا جداً بلوغ القس الأسود جيسي جاكسون، البيت الأبيض مرشحاً عن الحزب الديمقراطي لرئاسة أمريكا في 1984م، استحسن حتماً وصول الرئيس باراك أوباما، إلى ذات المنصب، ولكن بعد ربع قرن من تلك الانتخابات. فهل هناك ما يمكن توقعه من خلاف بين القطبين الشماليين جغرافيا الأستاذ علي عثمان محمد طه، ود. نافع علي نافع، حول المنصب الرفيع، يميل معه تيارات مناصرة لكلا الرجلين من النخب الحاكمة من أبناء النيل وغير أبناء النيل، تظهر فتنعكس على مسار التصويت الداخلي لاختيار خليفة الرئيس البشير، في المؤتمر العام للحركة والحزب القادمين؟.
رجل القانون ورجل الوراثة
كل من ينظر للأستاذ علي عثمان محمد طه، لا يشك لوهلة أنه الرئيس القادم للبلاد. فالسيرة الذاتية للرجل وصلت إلى مرحلة ما قبل أعلى الأعالي بتولي الرئاسة. علي عثمان، عرف بقبوله لدى الجيش، فقد كان هو الشخص الذي تولى مخاطبة الضباط في وحداتهم العسكرية مبشراً بفكر حزبه الإسلامي قبل انقلاب الإنقاذ أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي. الأستاذ علي عثمان، يحظى بقبول واسع لدى شباب الحركة الإسلامية، الذين يأنسون إليه بوله وربما تبجيل وتقديس. يأمنه الرأسماليين، فهو لا يحمل ضغينة أو حقد اجتماعي ضد أصحاب المال الذين نأوا بأنفسهم وثرواتهم عن الصراع السياسي في العقدين الماضيين. كما أن الجميع، فعلة سياسيين وجمهور ومراقبين، ربما يظنون أنه هو الشخص الذي اختزن الأسرار الخطيرة في سنوات الثورة الأولى حتى خروج د. الترابي، من السجن مع الزعماء السياسيين الكبار السادة، الميرغني والمهدي ونقد. إلى ذلك يعلمون قطعاً أنه الشخص الذي تولى فعلاً إدارة التنظيم بعد الاعتداء على د. الترابي، في كندا على يد هاشم بدر الدين. علي، هو المرشح الأكثر تأهيلا للإمساك برسن المسئولية في أي منعطف حاد، فقد عرف تاريخياً بأنه الرجل الثاني في تنظيم الجبهة الإسلامية القومية، بعد حسن عبد الله الترابي.
وقد كان من أقرب مساعديه إلى أن أنقلب عليه في ديسمبر 1999م، مع المفاصلة، في وقت استحق هذه المكانة فرضاً عديد من مجيليه وأبناء دفعته من مثل د. الطيب زين العابدين، د. التيجاني عبد القادر، د. أحمد عثمان مكي.. الخ، إلا أنه تقدمهم بالفعل. فعلي عثمان، ظل صاحب نجاحات متتالية بشكل صار مضرباً للمثل والنجاح المتفرد. فقد ترشح لانتخابات مجلس الشعب (البرلمان) في عهد الرئيس نميري، بعد (المصالحة الوطنية) في 1977م، وفاز بالفعل بمقعد من دائرة الخرطوم الغربية التي تمثل أكبر الدوائر مساحةً وسكاناً ووفرةً من المتعلمين، ولم يتجاوز عمره وقتها ال 30 عاماً. وفي حقيقة الأمر فقد تنسم علي عثمان، موقع رائد مجلس الشعب وقد أطل على الحياة الدنيا فقط في العام 1945م. وهو المنصب الهام، الذي تأمله أكلة كثيرون في تلك الأيام، المعني بتصريف أمور الدولة. فرائد المجلس يعني الراعي لشؤون الوزارات داخل البرلمان بتبني سياسات تلك الوزارات. وتلك الصفة وصفت عملياً بنقطة ارتكازه لتولي ملفات الوزارات عبر منصبه الذي يشغله منذ سنوات حيث يلحظ اهتمامه بالأداء التنفيذي للحكومة عبر الوزارات. خلال فترة الحكم الحزبي واصل علي عثمان، وجوده في البرلمان المنتخب، فصار عضواً في الجمعية التأسيسية (البرلمان) عن إحدى دوائر وسط العاصمة الخرطوم. ومثلما كان دخوله البرلمان في عهد مايو متميزا فصار رائداً له، تقدم علي، في الجمعية التأسيسية رئيساً للجنة الشئون القانونية ثم صار زعيماً للمعارضة تحت القبة. وتردد سيرته في الموسوعة الحرة على الشبكة العنكبوتية أنه (علي عثمان) رفض منصباً وزارياً في حكومة الوحدة الوطنية التي كونها الصادق المهدي من حزبه وحزبي الاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية آنذاك. وبعد مضي سنوات عدة في مستهل عهد الإنقاذ ظهر علي عثمان، مسانداً قوياً من الكواليس للنظام الجديد من خارجه بعد خروجه من الاختفاء وتوليه منصب وزير التخطيط الاجتماعي، وكانت حقيبة جديدة جرى تركيبها من عدد من الوزارات والمؤسسات المرتبطة بالمجتمع مثل الشباب والرياضة والشؤون الدينية والاجتماعية، إلى جانب مقعده البرلماني في المجلس الوطني الانتقالي لحوالي ثلاثة سنوات. ولم يمض وقتاً طويلاً على شغله منصب وزير التخطيط الاجتماعي حتى عين وزيرا للخارجية لثلاثة سنوات.
وبعد وفاة النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق (المشير) الزبير محمد صالح اختاره الرئيس البشير نائباً أول لرئيس الجمهورية من بين ثلاثة مرشحين كان د. حسن الترابي أولهم. كان الأستاذ علي عثمان محمد طه، قد تلقى جميع مراحله التعليمية في مدينة الخرطوم. وتحصل طه، على بكالوريوس القانون مرتبة الشرف الأولى من جامعة الخرطوم عام 1971م. وكان رئيساً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم أيام كان الاتحاد حكومة موازية للحكومة التي تحكم من شارع النيل. وعمل الأستاذ علي عثمان، بالسلك القضائي قاضياً لثلاثة سنوات. كما عمل محامياً لفترة سنة. ويصفه البعض بأنه رجل حليم وحكيم وصوت العقل الأول في بلادنا وهو المفكر الحقيقي وصاحب الرؤية الواضحة والثاقبة وبأنه الرجل المهذب الذي لا يرفع صوته على أحد ولا يلقي بكلمة جارحة لأحد مهما أخطأ وتجاوز حتى حدود اللباقة والأدب، وهو الذي يحظى بقبول رباني مدهش وداره مفتوحة لكل الناس دون مواعيد أو ترتيب ويجلس في الهواء الطلق بحديقة منزله وكل الزوار يجدون فيه الاحترام والاهتمام والتقدير. وفي ذا يروي زميل من الصحفيين ملاحظاته الشخصية عن كرم الأستاذ علي عثمان، إبان مرافقته له، معية وفد اشرف على الافتتاح الأولي لجسر الدبة- أرقي بالولاية الشمالية، ووقوف طه بنفسه على إطعام الضيوف بمنزله بقريبة الكرفاب في تلك الديار. لكن آخرين يرون أن سجله خالي من أي إسهام فكري حقيقي أو إنجاز تنفيذي مفيد. فقد أحتضنه د. حسن الترابي، بمجرد تخرجه في الجامعة واصطفاه وميزه على أقرانه ممن يبزونه فكراً وعلماً وجسارةً في قول الحق واختاره مساعداً له لحكمة صائبة يعلمها وحده (الترابي)، لم تحفل كثيراً لاعتراضات الزعامات التاريخية أمثال يس عمر الأمام وعثمان خالد مضوي وإبراهيم السنوسي وغيرهم حينما سجلوا لدى حضرة الشيخ أنه (طه) لم يجاهد في حياة الأحراش في أثيوبيا وليبيا ومشقة التدريب والعمل العسكري ضد نظام الرئيس نميري قبل المصالحة، وأنه الوحيد من بين كل أجيال الحركة الذي لم يعتقل يوماً واحداً ولم يقاتل أبداً كما قاتلت غالبية أجيال الحركة في العديد من الجبهات، وأنه على كلٍ لم تختبر إرادته وشخصيته في أي مواقف صعبة. ووفق هؤلاء، فإن كل إنجازات علي عثمان، كمنت في جمعه لأسوأ ثلاثة صفات بشرية أولها الغدر، فقد خطط ودبر ونفذ الانقلاب على النظام الديمقراطي الذي تبوأ فيه مرقى زعيم المعارضة، وبدلاً أن يفي بقسم الولاء للدستور والنظام الديمقراطي، تآمر على ما أتمن عليه. غدر بشيخه وطعنه طعنة نجلاء في شهر رمضان المبارك 1999م ثم مضى في تثبيت دعائم حكم شيخه الجديد.
أما د. نافع علي نافع، وقد بات مشتهراً وسط العموم بالرجل القاسي صاحب الألفاظ الغليظة والتهديدات الكلامية القوية التي يطلقها في وجه المعارضين من ساسة الأحزاب ومن يصفهم بقوى الاستكبار حتى بات مقرونا بتلك الصفة، أي الرجل الفظ، بحيث أن البعض حمله مسئولية الاحتجاجات الشعبية الأخيرة بسبب لغته الحادة وسخريته اللاذعة من قوى الشارع وساسة الأحزاب، عرف في المروي الصحفي بأنه رجل المخابرات الأول في السنوات الخمسة الأولى من عمر الإنقاذ. فهو الذي أشرف على تشوين وإمداد وتدريب وتكوين الخلايا الأمنية داخلياً وإقليمياً في سياقات المخطط الإسلامي الشامل للنظام الثوري للإنقاذ المتخطي للحدود المحلية إلى الإقليم والعالم. د. نافع، كان الشخص الذي تولى تسوية الحسابات مع قيادات الأحزاب في السنوات الأولى عبر الاعتقالات والتعذيب لهؤلاء فضلاً عن بناء قاعدة المعلومات الاستخبارية للعمل على مدى السنوات الأولى للثورة. وعرف نافع، بتلقيه دورات عليا في الاستخبارات وعلوم الإستراتيجية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية أواخر الثمانينات في إطار الإعداد لدوره اللاحق فيما بدا. د. نافع علي نافع، الذي يحمل رتبة الفريق أمن، هو نائب الدائرة القومية 6 شندي الجنوبية. من مواليد نهر النيل بقرية تميد النافعاب في العام 1948م. درس الثانوية بمدرسة وادي سيدنا. حصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة الخرطوم. ونال درجة الدكتوراه في علم الوراثة من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة مطلع الثمانينات. عمل أستاذاً بجامعة الخرطوم بكلية الزراعة بشمبات إلى جانب واجباته التنظيمية بالجبهة الإسلامية القومية. وبعد تركه لموقعه كمدير لجهاز الأمن الخارجي في أعقاب فشل محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في يونيو 1995م، عين وزيراً للزراعة الاتحادية، فمستشاراً للرئيس لشؤون السلام، ثم وزيراً للحكم الاتحادي، فمساعداً لرئيس الجمهورية بعد توقيع اتفاقية السلام مع جنوب السودان.
د. نافع، عرف بولائه المطلق للرئيس البشير، ومما لم تجرؤ صحف الخرطوم العديدة على نقله رغم كثرتها ونمطيتها، الرواية التي سلكت في أثير الهواتف النقالة والرسائل النصية، وفحواها أن د. نافع أجبر، تحت تهديد الاستعماريين اختطاف طائرة الرئيس البشير في أجواء شرقي إيران في سبتمبر 2011م وتسليمه لما يسمى بالمحكمة الجنائية، على توقيع الاتفاق الإطاري مع الحركة الشعبية بزعامة مالك عقار، في أديس أبابا بوساطة أفريقية. وهو الاتفاق الذي مزقه الرئيس بمجرد عودته من الزيارة الخارجية صباح الجمعة من على منبر مسجد (النور بكافوري) وقت الصلاة وأوجد له إخراج للعموم على هيئة رفض المكتب القيادي له، بينما في الحقيقة لم يكن المكتب القيادي للوطني قد اجتمع بعد. فنافع علي نافع، وفقاً لذلك، لا يشككن أحد في ولاءه المطلق للبشير، وذاك ميراث ثقيل في وجود الرئيس وحال غيابه، فكأن د. نافع، يستمد ثقله من ارتباطه العضوي بالرئيس البشير. هؤلاء من المنهج الواقعي يغفلون في حقيقة الأمر أن الرجل من قيادات التنفيذ وليس من مترفي أصحاب الفكر. وأولئك لا يتوقع مبارحتهم لمواقعهم التي جبلوا على العمل من خلالها. فهي عندهم أداء لواجب أكثر من كونها غرف اجتهاد آراء أو استنباط فتاوى أصولية للمخارج الحياتية.
رفقاء أم خصماء؟
هل الرجلين، طه ونافع، رفيقي ماض وحاضر ومستقبل؟، أم خصمين لدودين في السابق وفي الحاضر وفي ما سيأتي؟؟. وفق ما لدينا من تأريخ على شحه لدواع السرية، ووفق المنطق الطبيعي المعتاد، لا يمكن سوى تصور الصداقة والإخاء في الله والوطن والتنظيم وتبادل الخبرات والمهارات بين الرجلين تحت قيادة د. حسن الترابي، علي القانوني والمفكر، ونافع علي نافع أستاذ الزراعة والمهتم بالشئون الأمنية، على مدى السنين ما بعد المصالحة الوطنية مع نظام مايو في 1977م.
فالتنظيم الإسلامي كان حاكماً شريكاً للرئيس نميري ومايو لفترة سبعة سنوات، ثم ثار مع الثائرين ضد سلطة مايو فدخل نجومه البرلمان التأسيسي كثالث كتلة نيابية، انخرط التنظيم في الحياة الديمقراطية معارضا حينا وحينا أخرى مشاركا في بعض حكومات السيد الصادق المهدي. وفي تلك الرحلة على مدى تلك السنوات الظن الغالب بإلف الرفقة بين الرجلين، نافع في المطابخ الخلفية في شعبة الأمن والتنظيم، وعلي عثمان، على السطح والمقدمة كما كان موقعه دائماً لكارزيماه الذاتية ولفلاحه في ما سند إليه من مهام رغم صغر سنه مع تنوع الظروف وتقلبات السياسة التي أحاطت بالمنظمة المنتميان إليها. فماذا عن الحاضر والمستقبل؟. من المفارقات عند التحقيق في ذلك أن أول من ألمح لوجود خلاف بين الرجلين كان زعيم الإسلاميين السابق وخصمهما الجديد د. الترابي، حين قال مخاطباً الصحفيين قبل أعوام متعرضاً لأحد تصريحات د. نافع، التي وصف فيها قيادات الأحزاب المعارضة بالشيخوخة وبالعجزة قوله (الترابي) "وجميعكم تعلمون الخلاف بينه وبين الآخر" في إشارة منه إلى علي عثمان. ونسب إلى د. الطيب زين العابدين، المحلل السياسي والمفكر الإسلامي، المعروف بمعارضته تسلم الإسلاميين للسلطة في 1989م عبر الانقلاب العسكري، رأيه بوجود تنافساً غير معلن بين نافع وعلي عثمان، مرجعاً الصمت الذي لف التنافس المكتوم طيلة السنوات الماضية إلى طبيعة المؤتمر الوطني التي وصفها بالشمولية. ولكن على ماذا اختلف الرجلان على قول د. الترابي، أو تنافسا على ما ذهب إليه د. زين العابدين؟؟.
مضت بعض التحليلات إلى أن الخلاف بين الرجلين سببه دعاوى الإصلاح التي ترددت في أروقة الحزب الحاكم طيلة العام الماضي وما بعد التاسع من يوليو من ذات العام وبفعل الكيمياء المدهشة التي خلفتها ثورات الربيع العربي في المنطقة والجارة الشمالية بوجه أخص. حدد ذلك الإصلاح في مفهوم التغيير الشامل على مستوى الأفراد والسياسات في مواجهة أنصار بقاء ما كان على ما كان، وجرياً على ذلك توزعت مراكز القوى بالحزب بشكل أساس وبالحركة بوجه ثانوي كلٌّ إلى جانب أحد الرجلين. حيث سمي وفقاً لهؤلاء، علي عثمان، على رأس جناح القصر ومعه مجموعة من الإسلاميين ممن تمسكوا بمناصبهم الوزارية والسيادية في السلطة بعد المفاصلة رغم اعتقادهم بأهمية الإصلاح والتغيير تحت قيادة الرئيس البشير. وبين جناح الحزب الذي يسيطر عليه نافع علي نافع، والذي لا يعتقد بضرورة أو أهمية ذلك التغيير والإصلاح، لاستكانة الشارع وتنازع خياراته وضعف وانكسار أحزاب المعارضة. عندما انقسم الإسلاميين قبل عقد ونيف حول الديمقراطية والفيدرالية والحريات كما يدعي قادة المؤتمر الشعبي، أو بسبب محاولة د. حسن الترابي، الإنفراد بالسلطة بإنتزاع صلاحيات الرئيس الدستورية من خلال البرلمان والحزب، كما تروى رواية الخلاف من الطرف الآخر، بدا أن الانقسام هذه المرة من ردة العرقية. وطبقاً لهؤلاء فإن الإسلاميين انقسموا حينها لأبناء النيل وأبناء الغرب، فذهب الأخيرين مع د. الترابي، الذي يعتقد على نطاق خاص بأن أصوله الاثنية تعود إلى دارفور، بينما بقي الأولين مع الرئيس البشير، الذي ينحدر من قبائل الشمال الجغرافي. كان هناك من تبنى ذات الرأي، لكن هذه المرة حول الانقسام الجديد غير المعلن بين تياري طه ونافع. أي خلاف جديد بداخل المعسكر النيلي ذاته. ووفقاً ل(الشرق الأوسط) التي كتبت قبل ثلاثة أعوام، فثمة معسكرين بالفعل داخل قبيلة الإسلاميين يظهر على شكل صراع خفي يقوده المعسكر الأول ويضم، طه وقوش والجاز، من جانب، والآخر يقوده نافع ويضم بكري وعبد الرحيم والإمام ومصطفى عثمان. وطبقا لمصادر الصحيفة التي وصفتها بالعليمة، كان هناك صراعا خفيا بين قبيلتي الشايقيين والجعليين يقوده علي عثمان محمد طه وصلاح قوش وعوض الجاز، وثلاثتهم من "الشايقيين"، في مواجهة التيار الثاني ويقوده نافع ويضم بكري حسن صالح وزير شؤون رئاسة الجمهورية، وعبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع، وأحمد علي الإمام مستشار الرئيس للتأصيل، ومصطفى عثمان إسماعيل مستشار الرئيس للشئون الخارجية.
هذه الرواية تجد قرينة تعضدها في مقولة شهيرة أيضاً نسبت لحسن الترابي، حين ألمح في تصريح عقب المفاصلة إلى مسئولية طه ومعسكره عن ما حدث من مفاصلة من سابق إعداد وليس فجائية من حماقة تنسب للمعسكر الآخر وضمنه الرئيس البشير. ذلك كان في شأن الصراع بين الرجلين إن صدقت ملابساته. لكن التنافس بدا أكثر وضوحا عند الحديث عن خلافة المشير سواء على مستوى العموم أو القواعد الإسلامية. فبينما تمضي الهمسات إلى أن خليفة الرئيس سيكون ببزة عسكرية يذهب آخرون إلى أن الجيش متماه مع الشرعية الدستورية والسياسية القائمة بالقدر الذي يحول دون فرض المؤسسة العسكرية لشخص الرئيس القادم. وبخلو المنصب من أي المنافسين من ذوي البزة الخضراء، تشد الأنظار إلى ذوي الياقات البيضاء وأقطابهم، طه ونافع، وهما الأقرب إلى الأذهان لوجودهم الفعلي منذ سنوات في المواقع المتقدمة، وإن كان الشك يزور عند الظن بأي قيادة حقيقية تشارك البشير السلطة عطفاً على تجربته مع الحركة الشعبية ومؤسسة الرئاسة التي أفرغها الرئيس من مضمونها بتهميشه لنائبيه طبقاً لذلك التحليل. وبينما ساد صمت وتجاهل لما يوصف ويتردد عن خلاف الرجلين أو تنافسهما على المستقبل من جانب الأستاذ علي عثمان محمد طه، أجهر د. نافع علي نافع، عندما صرح لبرنامج تليفزيوني يقدمه أحد الشباب المدللين من أبناء التنظيم حيث أشتهر مقدم البرنامج بإجراء المقابلات التليفزيونية مع الرئيس والنائب الأول وكبار المسئولين، بالنفي مؤكداً عدم وجود خلاف بينه والأستاذ علي عثمان، النائب الأول للرئيس، واصفا الأخير بأنه أكثر منه خبرة ودراية. ومع أنهما من كنانة واحدة ولكنه (نافع) يقدمه على نفسه في أي موقع أو مسئولية. وإذا كان هذا النفي القاطع صوتاً وصورة بواسطة وسيط أعتيد الالتقاء به عند تمرير الرسائل الإعلامية المهمة للجمهور لتنال المصداقية المتطلبة، ينزع عن الحديث حينها بشأن أي خلاف بين نافع وطه، لسبب عرقي أو سياسي أو تنظيمي أو خلقي إنساني حتى، من جدواه، فيتبقى آنئذ احتمال تأثير أنصار كل تيار في النفخ في نار ما ظن بأنه خلاف أو تنافس. ليس المستفيدين الأول من وصول أيهما إلى منصب الرئيس ما بعد الرئيس البشير كالوزراء ورؤساء القطاعات المتخصصة بالمؤتمر الوطني، لكن الحلفاء الذين استمرءوا التحالف مع الوطني وقيادته للسودان من الأحزاب المنشقة عن الحزبين التقليديين الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي أو الحزب الجديد في هذه المنظومة الحركة الشعبية (تيار السلام) بزعامة الجنرال القس دانيال كودي. وإضافة للحلفاء المستفيدين هناك زمرة الوزراء وبعض كبار المسئولين في هيئات حكومية حيوية، الذين أثار بعضهم جدلاً كثيفا في الأشهر الأخيرة في مظن إفساد أو تقصير أو فشل في أداء مهامهم مع غياب المحاسبة الحقيقية من البرلمان ذي الأغلبية المعطلة للحزب الحاكم.
كل هؤلاء في خاتمة المطاف ربما تنشأ أدوار لهم في إنشاء خلاف من غير محل أو إزكاء ما ينشأ من خلاف أو التمايل مع كلا المرشحين بحسب أجواء المصلحة الذاتية أو اللعب على كافة الحبال لتجنب الخسائر حال اضطربت الأمور وانقلبت الموائد مع ظروف البلاد الحرجة التي لا تزال مهددة من قبل مجلس الأمن الدولي ومن الحركة الشعبية التي تقاتل في الشمال والحركات المسلحة التي تقاتل في دارفور والحدود مع الجنوب ودولة جنوب السودان نفسها، علاوة على الانسداد في الحريات العامة والضغوط الاقتصادية والقلق الاجتماعي، وهو الملعب الذي ربما تجد فيه أحزاب المعارضة متسعاً لتصفية حساباتها المؤجلة مع الإنقاذ. ومع غياب آليات شفافة للانتقال السلمي للسلطة بطريقة ديمقراطية تتواءم مع الاحتياج المحلي والتوافق القومي، ومع كل ما سبق، يصبح الحديث عن خلافات وتنافسان ومناصرات بالحق وبالباطل خلف المصالح وراء الأستاذ علي عثمان أو د. نافع علي نافع، شيئا متوقعا جداً، بل يضحى من غير المتوقع حدوث سواه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.