برغم أن هناك رأي عام متفق على رفض سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل الدولة، وهو المصطلح المستحدث منذ تولي الدكتور محمد مرسي الحكم، إلا أن النقابات الفنية لم تسهم بالشكل المطلوب في حركات الاحتجاج والرفض، بل على العكس كان نقيب الممثلين أشرف عبدالغفور أول من التقى بالمرشد العام للجماعة محمد بديع وأثار ضجة بهذا اللقاء الغامض، لا سيما أن بديع ليس له صفة تشريعية أو تنفيذية ولا هو صاحب قرار! المشكلة أن ما فعله النقيب لفت النظر إلى خطر الوصاية على الإبداع والمبدعين، وعلى عكس ما صرح به بديع من أن حرية الفن مكفولة جاءت الممارسات الفعلية مناقضة لهذا القول وبدأت الحرب مبكرا ضد الفن والفنانين وكل من له صلة بالعمل السينمائي والمسرحي، ولسوء حظها كانت إلهام شاهين كبش الفداء فقد كشفت قضيتها زيف الخطاب الإخواني التنويري المزعوم وسلطت الضوء على أركان الرجعية الأخرى عند الفصيل السلفي فدارت رحى الحرب بين ميليشيات الإسلام السياسي والقوة الليبرالية والتي لازالت مستمرة وإن توارت إلهام قليلا عن المشهد أو بالأحرى ابتعدت عن موقع الصدارة، إذ باتت الأزمة اكبر من كونها أزمة فنانة تعرضت للسب والقذف ولكنها اصبحت الآن قضية مجتمع يتم تحويله قسراً إلى قبلة مغايرة لطبيعته الاجتماعية والثقافية، وربما هذا ما دعا ليلى علوي ويسرا إلى النزول لميدان التحرير لأول مرة، في الاندلاع قبل الأخير للثورة والذي استمر لعدة أيام بميدان الثوار كان المتوقع وجود احتشاد لجموع الفنانين والكتاب من مبدعي الفن السابع، غير أن الصورة جاءت مخالفة للظنون فلم يظهر من هؤلاء سوى أشخاص معدودين عرفوا بميولهم السياسية وشاركوا في بداية الثورة وقضوا شهورا يترددون على الميدان، الأبرز من بين المدافعين عن حرية الإبداع والمناهضين لمشروع الاستبداد السياسي باسم الدين الفنانة تيسير فهمي فهي وحدها من ظهرت الأيام الماضية تطوف حول المصابين وتشد على أيديهم وتتحدث بقوة غير مبالية بردود الأفعال الانفعالية من الخصوم على قنوات الوعظ والإرشاد، لم تخشى تيسير من آليات القمع التي يمكن أن تواجهها في محيط عملها، خاصة أن زوجها منتج ويمكن بسهولة تقويض نشاطه، حيث التقويض والتضييق صارا من أدوات العقاب والردع لدى المسئولين الجدد! شيء غريب وملفت بدا ملاحظاً في ميدان التحرير وكافة ميادين الاحتجاج بالعاصمة هو غياب الوجوه المألوفة من الفنانين والنجوم ذوي التوجهات السياسية ممن دأبوا على المشاركة في كل نوبات الغضب، وهم عبدالعزيز مخيون ومحسنة توفيق وسامح الصريطي وسيف عبدالرحمن ودادود عبدالسيد وخيري بشاركة وجيهان فاضل وفردوس عبدالحميد ومحمد فاضل وآخرين ظلت أماكنهم شاغرة في ساحة المواجهة لكونهم يخشون من مضايقات الجمهور ولا يرغبون في الظهور بشكل متكرر حرصاً على نجوميتهم، وهذا بالطبع مجرد تفسير شخصي ومحاولة للاجتهاد لمعرفة الأسباب التي أدت الى إحجام البعض عن المشاركة بوضوح في مواجهة الخطر المحدق بمستقبل مصر الثقافي. من الشخصيات المؤيدة للثورة والمختفية بفعل الفوضى والتزايد العددي الفنانة شريهان فقد سبق لها الصدام بأحد السوقة والغوغاء في واقعة شهيرة تركت بالقطع أثراً سلبياً في نفسها فآثرت الابتعاد والرجوع قليلا الى الوراء، يحتم المقام هنا التنويه عن الدور الايجابي للشخصيات المذكورة برغم امتناعهم عن الظهور بقوة بمواطن الصدام وبؤر الالتهاب عقب الإعلان الدستوري لمرسي، حيث لم يكف أحدهم عن التصريح برفض الإعلان المشبوه وعدم الموافقة نهائياً على تمركز كل السلطات في يد رئيس الجمهورية فهذا هو الموقف الموحد لكل الفنانين والنجوم والمشتغلين بالحقل السينمائي. بيد أن هناك ائتلافات ثورية تم تشكيلها لتكون جبهات قوية تدعم التيار الشعبي الذي دعا إليه حمدين صباحي، وتأسس على خلفية رفض الانقضاض على السلطة وسياسة 'التكويش' التي ينتهجها قادة تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها حزب الحرية والعدالة المنطوية تحت لوائه جماعة الإخوان المسلمين. الأيام القليلة القادمة سوف تكشف عن جدوى او عدم جدوى الجبهات السياسية المناهضة والإسهامات الثقافية والفنية لحماية الدولة من مشروع الأخونة الاستراتيجي الذي تحول من مجرد هواجس وظنون إلى برنامج قابل للتطبيق. القدس العربي