القصيدة تساعد الطالب على التفكير في تجربته الشخصية وطبيعة علاقاته واندفاعاته وانجذابه نحو الغير. تربية الذوق الفني والتدرب على الإصغاء ومحاولة التقاط عناصر الجمال الكويت في تجربة جديدة ومثيرة للاهتمام ..تدخل قصيدة شعرية الى مقاعد المدرسة ليس كزائر تقليدي معتاد تمليه كتب المقررات الدراسية انما كضيف فوق العادة في حضرة الفلسفة. "كن صديقي" القصيدة الشهيرة للدكتورة سعاد الصباح والتي تغنت بها المطربة ماجدة الرومي وصاغ الحانها الموسيقار حافظ منذر. تقف هنا في هذه التجربة المختلفة التي أقدم عليها أستاذ الفلسفة وعلم الاجتماع المغربي شفيق اكريكر كنموذج تعليمي تدريسي حول اشكالية الغير في القصيدة أو قصة الصداقة المستحيلة بين الرجل والمرأة. في البداية وعن هذه التجربة يقول اكريكر: شريط غنائي في حصة الفلسفة؟ ذلك بلا شك كان هو السؤال المكتوم الذي يتبادر إلى ذهن التلاميذ كل سنة وأنا أخبرهم بتخصيص الحصة المقبلة للإستماع إلى شريط غنائي. ولاشك أن هذا السؤال ينطلق بدافع الفكرة الشائعة عن جدية التفكير الفلسفي من حيث جدية بل "تجهم" المفهوم وصرامة الحجج، فحصة الفلسفة فضاء للفهم والتذكر والإستدلال والحجج، وليس للتذوق الجمالي، فما بالك بالإستمتاع والطرب، مادة تخاطب العقل والمنطق لا الوجدان أو الحساسية! والتلاميذ إزاء هذا الإقتراح فئتان: فئة متحمسة اعتقادا منها أنها فرصة نادرة ل "النشاط" والخروج من روتينية الحصص، وفئة ثانية متشككة تكاد تكتم ريبها وشكها في العلاقة الممكنة أو الإستفاذة المحتملة من الغناء والطرب في الفلسفة! .. يستطرد اكريكر : كان للحصة هدف رئيسي وهدفان جانبيان: فأما الهدف الأساسي فيتمثل في دفع التلميذ إلى التفكير إشكاليا في علاقة الذات بالغير: ضرورتها، رهاناتها، دلالاتها وصعوباتها، الآمال المعقودة عليها وخيبات الأمل الناجمة عنها؛ وكل ذلك إنطلاقا من وضعية مشكلة حقيقية تستوقفه وتسائله بشكل حميمي وشخصي. أما الهدفان الجانبيان فأولهما: التربية الجمالية، ونقصد بها تربية الذوق الفني والتدرب على الإصغاء ومحاولة التقاط عناصر الجمال في العمل الغنائي (كلمات، لحنا وأداءً... )، وثانيهما تربية وجدانية، تتمثل في مساعدة التلميذ المراهق على التفكير في تجربته الشخصية وفي طبيعة علاقاته واندفاعاته وانجذابه نحو الجنس الآخر على الخصوص ونحو الغير بصفة عامة. ملاحظة أخيرة تتمثل في اننا وإن كنا على المستوى المعرفي نستعمل هذا الحامل السمعي البصري لإثارة بعض إشكاليات الغير، إلا أننا نلتقي عرضا بإشكالات تنتمي إلى دروس أو موضوعات أخرى. القراءاة التحليلية الفلسفية للقصيدة كما قدمها اكريكر لطلابه : هواياتي صغيرة واهتماماتي صغيرة وطموحي ان أمشي ساعات معك تحت المطر - لماذا هذه الرغبة البسيطة الغريبة؟ المشي ساعات تحت المطر؟ ألا ينبئ ذلك عن رغبة أو لذة طفلية تم كبتها استجابة لمبدأ الواقع والمعايير الإجتماعية للسلوك والنظافة؟ وعليه فاستحضار الطفولة يوازيه استحضار تلك البراءة المميزة للعلاقات بين الجنسين قبل بلوغهم المرحلة التناسلية.. (قراءة فرويدية للرغبة). عندما يسكنني الحزن ويبكيني الوتر - جانب من العالم النفسي الداخلي للذات. هل يمكن يا ترى للغير أن "يدرك" الحزن الساكن في أعماق الذات أو هذا البكاء الذي يحدثه الوتر؟ الوتر غير مبك في حد ذاته، المبكي هو تداعي المشاعر الذي يثيره. * مقدمات لإثارة إمكانية معرفة الغير لاحقا أنا محتاجة جدا لميناء سلام وأنا متعبة... من كل قصص العشق وأخبار الغرام - إذا قرأنا الصداقة على أنها ميناء السلام المنشود، فهل يجعل ذلك من أنواع العلاقات الأخرى وخصوصا العشق محيطات للحرب؟! (يعرف كانط الصداقة على انها عاطفة تجمع بين المودة والإحترام، قارن ذلك مع ما يميز العشق من نزوع إلى الإستئثار والتملك والإستحواد على الموضوع، نقول: ملك أو أسر قلبه)! لماذا تنسى حين تلقاني نصف الكلام - بناء على السؤال اللاحق، يمكن القول إن الرجل يستحضر نصف الكلام المتعلق بجسدها، وينسى نصف الكلام المتعلق بعقلها أو لنقل علمها الداخلي بأحزانه وهواياته الصغيرة (هل ينسى أم يتناسى؟) قارن مع السؤال اللاحق. ولماذا تهتم بشكلي ولا تدرك عقلي - هنا نعثر على بؤرة القصيدة، وعلى جوهر إشكالية الغير: إدراكه للذات كجسم، كامتداد يفرض نفسه على الحواس. و"عجزه" عن إدراك العالم الداخلي للغير الممتنع الإدراك نظرا لطبيعته الداخلية الحميمية نفسها. (بالعودة إلى درس الشخصية، لابد ان نتساءل: هل الرجل لا يريد أم أنه لايستطيع، هل يتعلق الأمر بإصرار مسبق على "تشييئ" المرأة أم بوقوعه ضحية إشراطات سيكو- فيزيولوجية (دوافع الليبيدو والغرائز عموما)، وإشراطات سوسيو- ثقافية (التنشئة الإجتماعية، القيم الذكورية ومفهوم الرجولة والفحولة). قارن مع المقطع التالي: كن صديقي... ليس في الأمر انتقاص للرجولة غير ان الشرقي لا يرضى بدور غير أدوار البطولة - نعثر هنا على جواب الشاعرة على السؤال السابق: إن قيم المجتمع الشرقي ومفهومه للرجولة، تصور الصداقة على أنها دور ثانوي ينتتقص من الرجولة وأبعد ما يكون عن البطولة التي لا تتحقق إلا من خلال دور المحبوب والمعشوق (دور الشخص في بناء شخصيته، وتأثير الإشراطات والحتميات السوسيو ثقافية). * اشكاليتنا والآخر - كيف تساعدنا القصيدة على طرح إشكاليتنا الخاصة، إشكالية الغير؟ تبدأ القصيدة بطلب ورجاء وتتنتهي بما يشبه خيبة الأمل. ولكن لماذا الحاجة إلى الصديق / الغير؟ ألا يكفي المرأة إدراكها لذاتها كعقل ووعي؟ إما انني عاجز عن إدراك ذاتي ووعيي إلا بمساعدة الغير، فيكون الغير بمثابة وسيط بيني وبين نفسي؛ أو ان هذا الإدراك لا يبلغ درجة اليقين بدون شهادة الغير و"تواطئه" واعترافه؟ إذا كانت هذه المرأة على علم ومعرفة بتعبها وأحزانها واهتماماتها الصغيرة، لأن الذات العارفة تتطابق مع موضوع المعرفة في فعل الحدس او الإدراك الباطني المباشر، فكيف للغير / الرجل أن ينفذ إلى كل هذه التفاصيل الحميمية؟ ألا يتوجب علينا المرور أولا عبر جسم الغير وملامحه الخارجية؟ هل من سبيل غير هذه العلامات الخارجية الصادرة عن الغير نفسه؟ وفي حالة غياب هذه المعرفة لسبب أو لآخر، ألا تتحول المرأة في هذه الحالة إلى مجرد شيء في أعين الرجل؟ ما تأثير ذلك على وعينا بذاتنا؟ وبأي معنى تتيح الصداقة المنشودة تجاوز هذه المفارقات؟ القصيدة كما تغنيها ماجدة الرومي كم جميل لو بقينا أصدقاء ان كل امرأة تحتاج الى كف صديق كن صديقي... هواياتي صغيرة واهتماماتي صغيرة وطموحي ان أمشي ساعات معك تحت المطر... عندما يسكنني الحزن ويبكيني الوتر. كن صديقي... أنا محتاجة جدا لميناء سلام وأنا متعبة... من كل قصص العشق وأخبار الغرام فتكلم... لماذا تنسى حين تلقاني نصف الكلام ولماذا تهتم بشكلي ولا تدرك عقلي كن صديقي... ليس في الأمر انتقاص للرجولة غير ان الشرقي لا يرضى بدور غير أدوار البطولة القصيدة كما كتبتها الدكتورة سعاد الصباح : كن صديقي كم جميلاً لو بقينا أصدقاء إن كل امرأة تحتاج أحيانا إلى صديق وكلام طيب تسمعه وإلى خيمة دفء صنعت من كلمات لا إلى عاصفة من قبلات فلماذا يا صديقي؟ لست تهتم بأشيائي الصغيرة ولماذا .. لست تهتم بما يرضي النساء؟ كن صديقي إني احتاج أحيانا لأن أمشي على العشب معك وأنا أحتاج أحيانا لأن أقرأ ديواناً من شعر معك وأنا كامرأة يسعدني أن أسمعك فلماذا أيها الشرقي تهتم بشكلي؟ ولماذا تبصر الكحل بعيني ولا تبصر عقلي؟ إني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار؟ ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار كن صديقي ليس في الأمر انتقاص للرجولة غير أن الرجل الشرقي لا يرضى بدور غير أدوار البطولة! فلماذا تخلط الأشياء وما أنت العشيق؟ إن كل أمراة في الأرض تحتاج إلى صوت ذكي.. وعميق وإلى النوم على صدر بيانو أو كتاب فلماذا تهمل البعد الثقافي وتعنى بتفاصيل الثياب؟ كن صديقي انا لا أطلب أن تعشقني العشق الكبير (لا أطلب أن تبتاع لي يختاً وتهديني قصورا وتمطرني عطراً فرنسياً) وتعطيني مفاتيح القمر هذه الأشياء لا تسعدني فاهتماماتي صغيرة .. وهواياتي صغيرة وطموحاتي هو أن أمشي ساعات وساعات معك تحت موسيقى المطر وطموحي هو أن أسمع في الهاتف صوتك عندما يسكنني الحزن ويضنيني الضجر. كن صديقي فأنا محتاجة جدا لميناء سلام وأنا متعبة من قصص العشق والغرام وأنا متعبة من ذلك العصر الذي يعتبر المرأة تمثال رخام فتكلم حين تلقاني لماذا الرجل الشرقي ينسى حين يلقى امرأة نصف الكلام؟ ولماذا لا يرى فيها سوى قطعة حلوى وزغاليل حمام ولماذا يقطف التفاح من أشجارها ثم ينام؟!