من المرجّح أنك تقرأ هذه الجملة بصمت (ولا بأس إن كنت تقرأها بصوت عالٍ). فلا تحرك شفتيك، ولا يصدر عنك أي صوت يستطيع الآخرون سماعه. ولكن ألا تصدر «أصواتًا» في رأسك؟ يتخيل كثيرون ممن يقرأون بصمت صوتًا يردد الكلمات التي يقرأونها (يكون عادةً صوتك، لذلك يتحلى «بنبرة» محدَّدة. أتساءل عما إذا كان هذا سبب تفاعل الناس بقوة مع بعض ما يُنشر في المدونات). لربما يعود ذلك إلى أننا عندما نتعلم القراءة نربط الرموز بأصوات معيّنة إلى أن يصبح ه... تعني القراءة بصمت إنتاج «تداخل» بين أنظمة حسية مختلفة، فتولّد الكلمات المكتوبة تجربة سمعية يعيشها القارئ. ولكن هل تُعتبر هذه التجربة حقًّا سمعية؟ من السهل الافتراض أن من الضروري أن نلحظ زيادة في نشاط المناطق المرتبط بالسمع في دماغنا، خصوصًا في منطقة الصوت الصدغية (التي تتأثر بأصوات الناس، مقارنة بالأصوات عمومًا)، إذا كنا «نقرأ بصوت عالٍ» خلال قراءتنا بصمت. أظهرت دراسات اعتمدت على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) نشاطًا في هذه المنطقة خلال القراءة بصمت. ولكن متى يحدث ذلك؟ وهل هذا جزء من عملية معالجة القراءة بصمت؟ وهل نحتاج إلى القراءة «بصوت عالٍ» داخل الدماغ كي نتمكن من القراءة بصمت، أم أن هذا يأتي لاحقًا عندما نُدرج صوت القراءة في رأسنا ليساعدنا في فهم ما نقرأه بصمت؟ لا شك في أن التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي ليس كافيًا للإجابة عن هذه الأسئلة. لكنك تستطيع معرفة الجواب إن كنت تملك أقطابًا مزروعة في الأماكن المناسبة. صحيح أن الناس لا يتنقلون وهم يضعون أقطابًا في رؤوسهم، ومن المستبعد أن يتطوعوا للقيام بأمر مماثل لأجل العلم. ولكن ثمة مجموعة صغيرة من الناس تُضطر إلى ذلك. يعاني بعض هؤلاء حالة حادة من صرع الفص الصدغي (temporal lobe epilepsy). وأحد الحلول الأخيرة التي يعتمدها الأطباء لمعالجة هذه الحالات اقتطاع الفصَين الصدغيين. ولكن قبل الإقدام على خطوة مماثلة، من الضروري التأكد من أن النوبات تنتج فعلاً من نشاط الفص الصدغي، ومعرفة الموضع الذي تبدأ فيه هذه النوبات (لا شك في أن الأطباء يريدون الاكتفاء باقتطاع ما هو ضروري فحسب). لذلك يزرعون أقطابًا لتخطيط أمواج الدماغ تحت جمجمة المريض وفوق الفصين الصدغيين لمراقبة نشاطهما. وبما أن هؤلاء المرضى يحملون الأقطاب في مطلق الأحوال، فلا ضرر من المشاركة في دراسة حول القراءة. طلب الباحثون في هذه الدراسة من أربعة أشخاص سبق أن زُرعت أقطاب لتخطيط أمواج الدماغ قرب فصوصهم الصدغية قراءة قصة بصمت والاستماع إلى صوت يعطيهم التوجيهات. وخلال عملية القراءة والاستماع كان الباحثون يسجلون البيانات. يمكنك أن ترى في الرسم البياني أدناه تسجيلات من مناطق السمع الأربع، تسجيل لكل مريض (من المؤسف أن عدد المشاركين في الدراسة اقتصر على أربعة. بما أن هذه حالة نادرة، وعدد مَن يحتاجون إلى علاج جراحي أقل أيضًا). لاحظ أن هذه المناطق من الفص الصدغي تتفاعل كثيرًا مع الكلام (الفرنسية، الفنلندية، والفرنسية المعكوسة)، مقارنة بالأصوات العشوائية، مثل السعال، الموسيقى وأصوات الحيوانات. تُعتبر هذه المنطقة مسؤولة عن الكلمات المكتوبة. لاحظ أن الخطوط الزرقاء (عندما طُلب من المرضى الانتباه) تُظهر تزايد النشاط الكهربائي في هذه المنطقة عندما أعطي المرضى كلمات مكتوبة. وتشكّل هذه قشرة سمعية تتفاعل عادة مع الكلام. ومن هنا استخلص الباحثون أن دماغنا يعتبر، على ما يبدو، الجمل المكتوبة كلامًا. لا تقتصر أهمية الدراسة على أنها تُظهر أن القراءة بصمت تؤدي إلى نشاط كهربائي عالي الوتيرة في المناطق السمعية، فهي تبرهن أيضًا أن هذه المناطق مخصصة لأصوات تنطق بلغة. فلم يظهر هذا النشاط إلا عندما أولى الشخص العمل انتباهًا. لذلك يعتقد الباحثون أن هذه النتائج تدعم فرضية أن كلنا ننتج «صوتًا داخليًّا» عندما نقرأ بصمت، ويزداد الصوت فاعلية عندما نوليه اهتمامًا، ما يوحي أن العملية ليست تلقائية، بل تحدث عندما نعالج بانتباه الكلمات خلال القراءة. لذلك عندما تقرأ بصمت في المرة التالية، تذكر أن الصمت لا يسود داخل دماغك.