المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    خطف الموزة .. شاهدها 6 ملايين متابع.. سعود وكريم بطلا اللقطة العفوية خلال مباراة كأس الأمير يكشفان التفاصيل المضحكة    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    توجيه عاجل من"البرهان" لسلطة الطيران المدني    حركة المستقبل للإصلاح والتنمية: تصريح صحفي    جبريل إبراهيم: لا يمكن أن تحتل داري وتقول لي لا تحارب    برقو الرجل الصالح    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«كنوز حلايب» معركة مصرية سودانية غربية..«صك» الإخوان يهدر ذهب الأجداد
نشر في الراكوبة يوم 12 - 04 - 2013


كتب: هند سليم وإسلام فرج وهيام سليمان
سبحان مغير الأحوال، بعدما كانت حدودنا بمثابة «خط أحمر» علي مدار العهود والعصور، تحولت بقدرة قادر بعد الثورة وفي ظل حكومة الإخوان إلي «وليمة» للأشقاء في غزة والخرطوم فتحولت سيناء من أرض الفيروز التي طالما رويت بدماء المصريين إلي رقعة «مهلهلة» بالسراديب والأنفاق التي تمهد التربة للدولة «الحمساوية» الجديدة.
وفي الجنوب استيقظنا منذ أيام علي تسرب حلم «حلايب وشلاتين» من بين أيدينا، وتحوله إلي ما يشبه «الكابوس» في ضوء ما أثير حول زيارة الرئيس محمد مرسي الأخيرة للسودان، وتعلق الأشقاء في الخرطوم بما أسموه «وعد» الإخوان لإعادة المنطقة إلي الحضن السوداني، ورغم نفي الرئاسة المصرية لهذا الوعد، إلا أن تصريحات القيادات الإخوانية السابقة بأن مسألة الحدود لا وجود لها في المشروع الإخواني «النهضوي» الذي يتطلع إلي الإمبراطورية الإسلامية، هذه التصريحات أربكت المشهد، خاصة إذا وضعناها جنبا إلي جنب مطالبات بعض القوي السودانية بتدويل مشكلة حلايب وشلاتين، وكذلك المخططات الإسرائيلية التي يتعامل مع هذه الرؤية بمثابة «غنيمة» كبري للإسراع بتنفيذ مشروع تفتيت المنطقة.
«كنوز حلايب» معركة مصرية سودانية غربية
«تتحدث التقارير عن محاولات شركة هولندية للبحث عن ثروة نفطية في مياه البحر الأحمر الحدودية بين حلايب المصرية وجنوبها الذي تقطنه قبائل البجا التي بدأت بتشجيع غربي في إعلان تمردها، بينما تزايد اهتمام شركات أمريكية وكندية بالبحث عن الثروة النفطية في مياه مثلث حلايب المصري»، هذا ما تتعامل معه الأقلام المصرية، في الوقت نفسه أعلن الباحث والناشط السياسي والقانوني خضر عمر إبراهيم المقيم ببريطانيا تكوين رابطة للدفاع عن مثلث حلايب وشلاتين حتى تخضع للسيادة السودانية ، ودعا إلى استخدام كافة الطرق الشعبية والقانونية في المحافل الدولية، وطالب الجميع بالتكرم بالانضمام والتسجيل وجمع الوثائق اللازمة التي تثبت أن حلايب وشلاتين أراض سودانية على حد وصفه ، تمهيدا لتشكيل منظمة خاصة للتصدي للحكومة المصرية شعبيا ومقارعتها بالحجة والوثائق في جميع المحافل الدولية والمنظمات..
مما يعني أن مصر أصبحت على حافة معركة حدودية جديدة أشعل فتيلها الرئيس محمد مرسي وحزب الحرية والعدالة.
وتتضح أهمية هذه المنطقة بالنظر إلى الدراسات التي تؤكد توافر البترول و الذهب وغيرها من المعادن مثل المانجنيز بمنطقة حلايب باحتياطات هائلة مرتفعة الجودة، وأثبتت صلاحية الخام لإنتاج كيماويات الماغنسيوم غير العضوية مثل كبريتات وكلوريد الماغنسيوم.
أوضحت دراسة جغرافية حديثة بعنوان «حلايب كأداة أساسية للتنمية في جنوب شرق مصر» أن معدن الذهب ينتشر في أماكن متعددة من أهمها منطقة وادي ميسبة وغرب جبل اورجيم. وأوضح مؤلف الدراسة الدكتور ناصر عبدالستار مدرس الجغرافيا بجامعة جنوب الوادي أن المانجنيز يظهر على شكل عروق تمتد من الشرق إلى الغرب بطول كيلومتر تقريبًا وبمتوسط عرض 100 متر وعلى عمق يصل إلى 400 متر، ويتركز في منطقتين الأولى منها في جبل علبة وفيها ستة مواقع وحجم الاحتياطي بها يقدر بحوالي 60 ألف طن، أما المنطقة الثانية، فتشغل الروافد العليا لوادي دئيب ووادي دعيت ومرتفعات كوال انكلوب والايرونجاب. ويتواجد خام الحديد في وادي يودر وفي أقصى الجنوب الشرقي والموقع الثاني في منطقة حمرة الدوم بالقرب من جبل كولا ناب، حيث يظهر في هيئة عدسات ملتصقة بصخور الجابرو. وأوضح «ناصر» في دراسته أن حلايب وشلاتين هي مغارة على بابا الغنية بالخيرات الأخرى مثل الكروم ومواد البناء والجرانيت والسياحة والزراعة والصيد وغيرها. وأضافت الدراسة أن الأراضي الصالحة للزراعة تبلغ مساحتها حوالي 170 ألف فدان، إلا أن منطقة الزراعة تعاني من قلة مياه الري ، فالأمطار تقتصر على الخريف والربيع ومتوسطها السنوي لا يكفي حاجة الزراعة، ويمكن التغلب على هذه المشكلة من خلال خزن مياه الأمطار التي تسقط على المنطقة، وذلك بإقامة سدود ترابية أو حجرية.
ويتضح من خلال عدد من التقارير أن مصر أصبحت فريسة لمؤامرة امريكية اسرائيلية للتقسيم إلى دويلات متفرقة..
في المقابل، كشف تقرير سري أمريكي سربه موقع ويكيليكس أن تقارير من المخابرات السودانية محررة بتاريخ 8 فبراير 2010، ومفرج عنها بتاريخ 28 يناير 2011 بعنوان: «حملة منتدى شعوب جبال النوبة»، أكدت جميعها وجود مخطط أمريكي- إسرائيلي لفصل النوبة عن مصر والسودان، وإقامة ما يسمى بدويلة شعب النوبة. وتحدثت وثيقة ويكيليكس عن لقاء تم بين ممثلي السفارة الأمريكية في القاهرة وعدد من قادة المجتمع النوبي في مصر وشمال السودان، وترددت معلومات بأنهم شكلوا منتدى شعوب جبال النوبة للمطالبة بحقوقهم في أنظمة الأحزاب الحاكمة في مصر والسودان.
وتلا هذا التقرير صدور اتهام صريح من مؤتمر القبائل الأسوانية مجتمعة يحذر من الفتنة على حدود مصر الجنوبية عن طريق استخدام عناصر نوبية، ويتهم أيادي خارجية بالعبث في الملف النوبي، ومنهم من تظاهروا في 5 أغسطس الماضي أمام مقر هيئة الأمم المتحدة بمدينة نيويورك.
«صك» الإخوان يهدر ذهب الأجداد
مثلث حلايب منطقة تقع على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر مساحتها 20٫580 كم2. توجد بها 3 بلدات كبرى هي حلايب وأبو رماد وشلاتين، أكبرها هي شلاتين وتضم في الجنوب الشرقي جبل علبة المنطقة تتبع مصر إداريا بحكم الأمر الواقع.
ظل هذا المثلث الحدودي بين مصر والسودان مثيرا للازمات بينهما لأكثر من قرن من الزمان. كان محمد على باشا قد بسط نفوذه على السودان، لكن عندما قام الاحتلال الإنجليزي بترسيم الحدود بين البلدين، كان خط العرض 22 مثيرا لأزمة تم حلها بالتراضي بين البلدين عام 1899، ليكون جنوب الخط العرضى 22 من خط الاستواء تابعاً للسودان، فيما أصدر وزير الداخلية المصرى فى 3 مايو من عام 1899 قراراً يقضي بأن المنطقة التى شملها التعديل تقع بأراضى الحكومة المصرية، وتختص الداخلية بتعيين عمداء ووكلاء ومشايخ القرى. وبعد 3 أعوام في 1902 عاد الاحتلال البريطاني الذي كان يحكم البلدين آنذاك بجعل مثلث حلايب تابعاً للإدارة السودانية لأن المثلث أقرب للخرطوم منه للقاهرة. وفى 1914، أصدر السودان خريطة له ضمّت فى حدودها مثلث حلايب، دون ان يلتفت لخط العرض 22.
وفى ثلاثينيات القرن الماضى أصدر وزير الداخلية المصري آنذاك إسماعيل صدقى قرارًا إداريًّا بأن يقوم مواطنو حلايب وشلاتين باستصدار البطاقات من السودان؛ باعتبارها الأقرب وتسهيلاً عليهم، لكن جميع المستلزمات الغذائية والتموين كانت ترسلها مصر بطائرة إلى هناك. لكن فى 18 فبراير عام 1958 أرسل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر قواته لحلايب في العام 1958 إثر إدخال الحكومة السودانية لمنطقة حلايب ضمن الدوائر الانتخابية السودانية، ما اعتبرته مصر مخالفة لاتفاق 1899، وقامت بإرسال مذكرة للأمم المتحدة تؤكد حقها في منطقة حلايب وما حولها، فأرسل عبد الله خليل رئيس الوزراء السوداني آنذاك قواته بالمقابل، وكادت تشتعل الحرب بسبب النزاع لولا سحب القوات المصرية.
وبعد ذلك بفترة قصيرة قامت مصر بإعلان محمية جبل علب، الذي يقع ضمن المثلث، محمية سياحية مصرية. ولكن ظهر النزاع إلى السطح مرة أخرى في عام 1992 عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية فقامت الشركة بالانسحاب حتى يتم الفصل في مسألة السيادة على المنطقة.
وفي عام 1995، عادت المنطقة إلى خط النار الفاصل بين الدولتين، وذلك بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في أديس أبابا أثناء حضوره القمة الأفريقية، والتي اتهم فيها نظام الخرطوم. وفي عام 2000 قامت السودان بسحب قواتها من حلايب وقامت القوات المصرية بفرض سيطرتها على المنطقة منذ ذلك الحين. وفي عام 2004 اعلنت الحكومة السودانية أنها لم تتخل عن إدارة المنطقة المتنازع عليها ولم تهجرها أو تسلمها للمصريين، وأكدت على تقديم مذكرة بسحب القوات المصرية إلى سكرتير الأمم المتحدة.
وفي عام 2010 تم اعتماد حلايب كدائرة انتخابية سودانية تابعة لولاية البحر الأحمر وأقرت المفوضية القومية للانتخابات السودانية حق التصويت في الانتخابات السودانية لأهالي حلايب باعتبارهم مواطنين سودانيين إلا أن سكان المنطقة من البجا البشارين انتقدوا تقاعس الحكومة المركزية في إتمام العملية. وفي عام 2011، اقيمت الانتخابات البرلمانية المصرية، وشملت مثلث حلايب ونقلت صناديق الانتخاب إلى الغردقة بطائرة مروحية عسكرية مصرية لفرز الاصوات هناك.
مع استمرار هذا الخلاف المرير بين البلدين، ظلت القاهرة والخرطوم تدافعان عن وجهتي نظرهما بشأن المثلث.
بالنسبة للسودان، التزم الموقف الرسمي الصمت فيما يختص بهوية مثلث حلايب. وعندما لوّح «مؤتمر البجا» بمقترحاته الثلاث أعلن الرئيس البشير عند زيارته لولاية البحر الأحمر مؤخراً «سودانية المنطقة»، رغم تذبذب التصريحات الرسمية الأخرى. ويرى السودان أن حقه الفعلي في إدارة المنطقة منذ عام 1902 يخوّله السيادة على مثلث حلايب بناءً على مبدأ الحيازة الفعلية بالتقادم، خاصة وأن مصر ظلت راضية بذلك الوضع ولم تعترض عليه قبل استقلال السودان عام 1956 وأثناء الوجود البريطاني في السودان.
بينما تقول مصر إنه لم يكن بإمكانها الاحتجاج على تلك القرارات في ذلك الوقت إلا بعد موافقة من الدولة العثمانية، وبالنسبة لفكرة الحيازة بمبدأ التقادم، فترى أنه يمكن الطعن في قانون الحيازة بثغرات تتعلق بالمدة الزمنية وصحة القانون نفسه. كما أن هناك آراء مصرية تدفع بأنّ المنطق يقول إنه في ظل تمسك السودان بحيازته بالتقادم على منطقة مساحتها 580.20 كيلومتر مربع، فما المانع من أن تطالب مصر بحيازة السودان بكامله لأنه كان تابعاً للسيادة المصرية التركية.
وتصر مصر على موقفها، حيث تنبع أهمية منطقة حلايب بالنسبة لمصر باعتبارها تمثل عمقاً إستراتيجياً مهماً لحماية حدودها الجنوبية المكشوفة على ساحل البحر الأحمر والتي قد تعرّض أمنها القومي للخطر، هذا بالإضافة إلى أهميتها التجارية والاقتصادية لكلا البلدين. لكن تبرز الثروات الطائلة الموجودة في هذا المثلث كسبب رئيسي للنزاع عليه، حيث يضم ارقاما هائلة من النفط والمعادن المهمة، حيث توجد خامات المانجنيز تتوافر بمنطقة حلايب باحتياطات هائلة مرتفعة الجودة، وأثبتت صلاحية الخام لإنتاج كيماويات الماغنسيوم غير العضوية مثل كبريتات وكلوريد الماغنسيوم وهي ضرورية جدًّا لصناعة المنسوجات، كما تجرى حاليًّا دراسات للاستفادة من هذا الخام لإنتاج حراريات الماغنسيوم بديلاً عن الاستيراد، وكذا إنتاج الماغنسيوم الذي يستخدم بشكل كبير في صناعة الأسمدة فضلاً عن معادن ثمينة أخرى من ذهب وغيره. وخلاف ذلك المساحات الواسعة الصالحة للزراعة.
ومع استمرار الخلاف حول هذا المثلث، بين البلدين، يطالب البعض بتدويل القضية والاحتكام إلى محكمة العدل الدولية، على غرار ما حدث مع طابا مع المحتل الإسرائيلي. وتكمن خطورة ذلك في توابع هذا الحكم الذي سيخلف مرارة يصعب إزالتها بين الاشقاء . كما أن خطورة نشر خرائط لمصر دون مثلث حلايب قد يكون سببا في خسارة القضية، فمصر استطاعت أن تكسب فى التحكيم الدولى الذى أقر بأن طابا هى أرض مصرية وليست إسرائيلية من خلال خرائط فى الكتب ووسائل الإعلام الإسرائيلية والتى كانت توضح أن طابا تقع ضمن الحدود المصرية، فكانت أحد الأسانيد القوية التى دعمت موقف مصر وجعلت الحكم فى صالحها. فضلا عن إمكانية دعم دول عربية للسودان في ظل خلاف هذه الدول مع النظام القائم في مصر بقيادة الاخوان المسلمين، كما يمكن أن تدعم دول كبرى الموقف السوداني، لأنه سيسهل التعامل مع بلد ضعيف كالسودان في الفوز بالفرص الاستثمارية في هذا المثلث، هذا البلد الذي لم يستطع الحفاظ على أراضيه وضاعت على مدار السنوات الماضية في خطط التقسيم الدولية، بينما سيكون الفوز بهذه الفرص من خلال مصر صعبا مع إصرار الجيش والمؤسسات السيادية في البلاد على أهمية المثلث من ناحية الأمن القومي.
لكن أخطر ما في المسالة أن يكون إثارة هذه المسألة مجددا أن يكون جزءا من مخطط لتقسيم مصر، من خلال التفريط في أرضها جزءا جزءا، لتخسرها بالقطعة، تارة مثلث حلايب، ثم تدويل قضية النوبة ليكون لهم حق تقرير المصير مثلا، كما ينادي بعض الحاقدين على هذا البلد، ثم اللعب في سيناء، وهكذا لتصبح مصر سودانا آخر، خاصة في ظل نظام حكم لا يعترف بحدود للدولة المصرية ولا يعتقد بأهمية أن تبقى مصر كلا متكاملا طالما أن هذه الأجزاء تقتطع لصالح دول أخرى يزعم أنها إسلامية.
سباق «الدويلات» المصرية
حدود مصر خط أحمر حافظ عليها حكام مصر فى كل العصور منذ عهد الفراعنة وحكم محمد علي وأبنائه وفترة مابعد قيام ثورة يوليو. فقد تمسك كل هؤلاء بحدود الأمن القومي جنوباً عند منابع النيل ولكن بدأ الامر يتغير فى أواخر حكم مبارك فلم تكن للحدود أهمية كبيرة فسمح هذا النظام بتقسيم السودان وترك سيناء دون تنمية . وجاء حكم الاخوان ليزيد الطين بلة فلم يتخاذل فقط فى حماية الحدود الجنوبية بل ابدى استعداده للتنازل عن قطعة غالية من أرض مصر «حلايب»، الأمر الذي قد تتخذه اسرائيل ذريعة لتنفيذ مخططها الرامي إلى تقسيم مصر الى عدة دويلات صغيرة من ضمنها دولة النوبة التى يرى الاسرائيليون انها لابد أن تتكامل مع الأراضي الشمالية السودانية وعاصمتها أسوان وتربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتي شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبري لتلتحم مع دولة البربر التي ستمتد من جنوب المغرب حتي البحر الأحمر.
فبعد الهجوم الإسرائيلي علي لبنان في الحرب الأخيرة أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها أن الشرق الأوسط الجديد سيولد من رحم هذه الحرب وقد غرست إسرائيل في قلب هذه المنطقة لتحقيق هذا الهدف واعتبر شيمون بيريز أن أول خطة لتفكيك العالم العربي تبدأ من مصر وقال: لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة لمدة نصف قرن فليجربوا قيادة إسرائيل إذن .
وفي عام 1983 وافق الكونجرس الأمركي بالإجماع في جلسة سرية علي مشروع البروفيسيور «برنارد لويس» وبذلك تم تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية لسنوات مقبلة.
وقسم برنارد لويس مصر الي أربع دويلات هي:
1- سيناء وشرق الدلتا : تحت النفوذ اليهودي «ليتحقق حلم اليهود من النيل الي الفرات».
2- الدولة النصرانية : عاصمتها الإسكندرية وتمتد من جنوب بني سويف حتي جنوب أسيوط واتسعت غربا لتضم الفيوم وتمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون ليربط هذه المنطقة بالإسكندرية . كما اتسعت لتضم أيضا جزءا من المنطقة الساحلية الممتدة حتي مرسي مطروح، وهذا الأمر يبرر الاتهامات الموجهة لإسرائيل بالوقوف وراء حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية .
3- دولة النوبة : تتكامل مع الأراضي الشمالية السودانية وعاصمتها أسوان وتربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتي شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبري لتلتحم مع دولة البربر التي ستمتد من جنوب المغرب حتي البحر الأحمر .
4- مصر الإسلامية : عاصمتها القاهرة وتضم الجزء المتبقي من مصر ويراد لها أن تكون أيضا تحت النفوذ الإسرائيلي حيث تدخل في نطاق إسرائيل الكبري التي يطمع اليهود في إنشائها .
ويبدو أن الأزمة المثارة حاليا بين دول حوض النيل العشر غير بعيدة عن تسارع مخططات حكومة نتنياهو المتطرفة لإعلان إسرائيل «دولة يهودية» وفشل فكرة تحويل جزء من مياه النيل الي صحراء النقب عبر سيناء التي تقدم بها الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل عام 1903 الي الحكومة البريطانية .
وكشف كتاب أصدره مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لجامعة تل أبيب حول «إسرائيل والحركة الشعبية لتحرير السودان» من إعداد ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد «موشي فرجي» عما فعلته إسرائيل لكي تحقق مرادها في إضعاف مصروتهديدها من الظهر وكيف أنها انتشرت في قلب أفريقيا في الفترة من عام 56 الي 77 وأقامت علاقات مع 32 دولة أفريقية لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه وكيف وسعت علاقاتها مع دول حوض النيل للضغط علي مصر .
واستطرد: أثيوبيا تعتبر من وجهة نظر علماء الجغرافيا نافورة مياه افريقيا وعلي الرغم من أن معظم زراعتها تقوم علي المطر أي أنها لا تحتاج بدرجة كبيرة الي مياه النيل، إلا أن علاقتا الوطيدة بإسرائيل هي التي تدفعها دائما للتذمر حول قيمة حصتها وحصة مصر من مياه النيل.
واختتم «فرجي» قائلا : إن دور إسرائيل بعد «انفصال الجنوب» وتحويل جيشه الي جيش نظامي سيكون رئيسيا وكبيرا ويكاد يكون تكوينه وتدريبه صناعة كاملة من قبل الإسرائيليين وسيكون التأثير الإسرائيلي عليه ممتدا حتي الخرطوم ولن يكون مقصورا علي مناطق الجنوب بل سيمتد الي شمال السودان ليتحقق الحلم الاستراتيجي الاسرائيلي في تطويق مصر.
والجدير بالذكر أن «برنارد لويس» مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أمريكي الجنسية. تخرَّج في جامعة لندن 1936م، وعمل فيها مدرساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية الإفريقية.
كتب «لويس» كثيراً، وتداخل في تاريخ الإسلام والمسلمين؛ حيث اعتبر مرجعاً فيه، فكتب عن كلّ ما يسيء للتاريخ الإسلامي متعمداً، فكتب عن الحشاشين، وأصول الإسماعيلية، والناطقة، والقرامطة، وكتب في التاريخ الحديث نازعاً النزعة الصهيونية التي يصرح بها ويؤكدها.
هيام سليمان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.