خريجي الطبلية من الأوائل    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاع عن نهر النيل الأبيض
الصراع حول مياه النيل
نشر في الصحافة يوم 17 - 07 - 2010


لماذا نظلم نهر النيل الأبيض...؟؟؟
نهر النيل الأبيض أو بحر أبيض كما يسميه الشعب السوداني هو بمثابة خط أنابيب بترول بالنسبة لنهر النيل الأعظم بمعنى أن النيل الأبيض يملأ مجرى نهر النيل على الدوام أي بصفة مستمرة. نهر النيل الذي يبدأ مسيرته من الخرطوم وحتى فرعي رشيد ودمياط اللذان يصبان في البحر الأبيض المتوسط وقبلها من غندكرو وحتى الخرطوم. ففي خطوط أنابيب نقل البترول يكون الأنبوب الرئيسي مملوءاً تماماً بنوعية المواد البترولية التي يقوم بنقلها الخط ومن ناحية فنية يبقى هذا الأنبوب في حالة تعبئة تامة سواء إن كان الخط الناقل للبترول في حالة ضخ وتشغيل أو كان متوقفاً عن الضخ لأسباب فنية (هيدرولوكية) أو غيرها وهكذا الوضع المائي بالنسبة لنهر النيل الأعظم سواء إن كان في حالة ارتفاعه خلال شهور الدميرة (الفيضان) أو أبان فترة شهور التحاريق (الانخفاض) فالنيل الأبيض هو المتحمل لعبء ملأ مجرى النيل الرئيسي في كلا الحالتين في حالة الدميرة وفي حالة التحاريق وهذا مجرد دفاع عن دور النيل الأبيض ومائيته وأهميتها في كلتا الحالتين حيث كان الظن وما زال أن النيل الأزرق وبحكم صرفه المائي الأكثر المتدفق في النيل الأعظم أثناء فترة الدميرة والذي يفوق ما يجود بجود به النيل الأبيض يكثر الحديث ويتكرر عن دور النيل الأزرق في رفد مياه نهر النيل الأعظم وبالتالي يتعاظم الدور الأثيوبي على اعتبار أن النيل الأزرق يندفع من أراضيها إلى الأراضي السودانية علماًَ بأن دور النيل الأزرق أثناء فترة التحاريق ضعيف للغاية فغريب دور هذا التعظيم للنيل الأزرق وبالتالي دور أثيوبيا الأمر الذي يستبين منه المكر السياسي لدولة أثيوبيا وهي تلعب الدور القيادي الآن في التكتل الجديد لما يسمى بدول حوض النيل أو إثيوبيا وأخواتها.
فلننظر إلى الجدول ادناه والذي يوضح بجلاء دور النيل الأزرق الضعيف في فترة التحاريق مع إقرارنا بدوره الأكبر في كميات المياه الوافدة منه إلى النيل الرئيسي في فترة الدميرة.
نخلص من هذا الجدولأن لكل من النهرين دوره الهام، ففي فترة الدميرة يعلو دور نهر النيل الأزرق وفي فترة التحاريق يعلو دور النيل الأبيض خصوصاً في استمرارية continuity تعبئة النيل الرئيسي بكميات أكبر تفوق تلك التي يجود بها دور نهر النيل الأزرق ولعلها حكمة الجغرافيا وفطنة الطبيعة معاً Nature في تبادل الأدوار بين هذين النهرين أو المنطق في وجود مصدرين لمياه النيل لا مصدر واحد هما الأمطار التي تأتي من الهضبة الإستوائية وتلك التي تأتي من هضبة البحيرات ولنتخيل لو فاض النهران معاً في وقت واحد وانحسر ماءهها أيضاً في زمان ومكان واحد وهما يكونان النيل الرئيسي الذي ينشأ بالتقاء النهرين الأبيض والأزرق عند الخرطوم ليجري مسافة 1900 ميل حتى يستقر في البحر الأبيض المتوسط وعلى طول هذه المسافة لا يستقبل النيل الرئيسي أي رافد دائم مما يجعله أطول امتداد لنهر في العالم تنطبق عليه هذه الظاهرة أي ظاهرة الطول المتفرد والانسياب من الجنوب إلى الشمال.
أما نهر عطبرة الذي يلتقي بالنيل الرئيسي على بعد 200 ميل من شمال الخرطوم فإنه يغذي النيل بكميات كبيرة من المياه في موسم الدميرة فقط ولكنه جاف لأكثر من نصف السنة وأثناء جريان النيل داخل حدود السودان لمسافة 950 ميل تعترض مجراه عدد من الشلالات والجنادل التي يصلح بعضها لتوليد الطاقة الكهربائية المائية داخل حدود السودان ولا حاجة لنا لطاقة كهربائية تولد في أثيوبيا خارج حدودنا السياسية إعمالاً لمبدأ الموقع الوطني خصوصاً المنشآت الأساسية مثل محطات توليد الكهرباء أو الخزانات.
غير أن أهمية نهر النيل الأبيض كمورد تتحدد وتبرز تماماً في فصل التحاريق قبل الفيضان مباشرة وبعده حيث يقدم صلب الإمدادات المائية ففي هذا الفصل يبلغ نصيب نهر النيل الأبيض حوالي 83% من مجموع المياه التي تصل عبر شمال السودان الجغرافي إلى أسوان وتمر بها أي أن نهر النيل الأبيض وإن ساهم فقط بخمس مائية نهر النيل الأعظم أثناء فترة الدميرة فإنه على العكس يساهم بنحو أربعة أخماس أثناء فترة التحاريق لكن هذه المساهمات المائية من كلا النهرين الأبيض والأزرق تكاد تنقلب ما بين فترة الدميرة وفصل التحاريق ففي الفيضان يسهم النيل الأزرق بنحو 86% من الإيراد مقابل 14% فقط لنهر النيل الأبيض والعكس من الإيراد وذلك دون نهر عطبرة الذي يكون جافاً تماماً في هذا الفصل مقابل 83% لنهر النيل الأبيض.
على هذا النحو تتكامل وتكتمل صورة الموقف موضحة دور النهرين الأزرق والأبيض في مائية نهر النيل الأعظم The Greater River Nile وعموماً لولا فيضان نهر النيل الأزرق لفقد النيل نفسه في الصحراء قبل أن يصل إلى كل من شمال السودان الجغرافي ومصر وبالمقابل فلولا الفيض الدائم الهادي المتواضع لنهر النيل الأبيض لكان النيل الأعظم على جبروته نهراً فصليا بحتاً كأنه وادي صحراوي ضخم ولولا الاثنان معاً لما كان شمال السودان الجغرافي حياً ولا كانت في مصر حياة ولو بكر نهر النيل الأبيض بالاندفاع نحو السودان ومصر لزاد هذا من موسمية الفيضان وضاعف من تركزه المائي أي من خطره الطوفاني أي أن نهر النيل الأبيض لو بكر بمجيئه لزاحم نهر النيل الأزرق في النيل الأعظم السوداني المصري ولحتف هذا بهما وبالأرض من حولهما أو اختنق كلاهما اختناقاً وهنا يكمن دور وأهمية نهر النيل الأبيض كمورد مائي والتي تبرز في فصل التحاريق حيث يصل نصيبه حوالي 83% من مجموع المياه إلى مصر والسودان.
فحقاً هما نهران في مجرى لا افترقا ولا اشتجرا وهكذا تجلت ثنائية مصادر النيل البديعة وهكذا يتجلى أثر النيل الثقافي على السودان ومصر معاً فيما نظمه الشاعر المصري صلاح عبد الصبور وهو يستطلع بشاعريته المرهفة بهاء ذلك المنظر وذلك الموج الهادر الأزرق وهو يمضي صوب المقرن في الخرطوم ليعانق الماء الأبيض الهادي المنساب من الجنوب الحبيب ويمضيان معاً إلى شمال السودان الجغرافي وصوب مصر في رحلة الخير والنماء. كتب صلاح عبد الصبور أبياتاً من الشعر خالدات من أجمل وأرق ما تغنى بها فنان السودان الكبير سيد خليفة في لحن طروب .. هذا نصه..
هما نهران في مجرى
تبارك ذلك المجرى
فيمناه على اليسرى
ويسراه على اليمنى
وهذا الأزرق العاتي
تدفق خالدا حراً
وذاك الأبيض الهادي
يضم الأزرق الصدرا
فما انفصلا ولا انحسرا
ولا اختلفا ولا اشتجرا
ولا هذي ولا تلك
ولا الدنيا بما فيها
تساوى ملتقى النيلين
في الخرطوم يا سمراء
ما تعودت أن امزج بين الكتابات العلمية وبين فن الغناء ولكن هذا اللحن وهذه الكلمات فرضت نفسها على هذه الورقة وبالتأمل الحصيف لها نجد أنها تحكي قصة سريان النيل الأعظم من مبتداه إلى مستقره وتكاد تكون هي الحقائق العلمية المجردة التي رتبتها الطبيعة بعلاقة النهرين مع بعضهما البعض.
الأثر الثقافي والحضاري لنهر النيل على كل من السودان ومصر
يقتسم حسب الطبيعة كل من السودان ومصر نهر النيل الأعظم بقدر يساوي 3350 كيلو متراً لكل منهما من الخرطوم وحتى البحر الأبيض المتوسط.
وإذا كان هذا النهر الأعظم يكتسب مصر إلى نفسه وبالتالي فهي هبة النيل حسب وصفة هيرودتس الشهيرة والتي أطلقها في عام 450 قبل الميلاد حيث عبر قائلاً بالإنجليزية ما معناه
He described Egypt as an acquired country, a gift of the Nile.
لكنا في المقابل نجد أن السودان الذي يمكن وصفه بأنه يكتسب كل النيل Sudan acquires the whole Nile وأن شماله الجغرافي هو أيضاً هبة النيل إذ يعتمد هذا الجزء وبالتحديد وببلداته المعروفة في الشمال مثل القولد وعطبرة وكرمة وكريمة وأبو حمد وبربر وحلفا وعكاشة وشندي وغيرها من البلدات والأمكنة الأخرى الواقعة على ضفاف نهر النيل الأعظم حتى ينتهي عند الخط السياسي الفاصل بين السودان ومصر تعتمد هذه البلدان على نهر النيل كشريان للحياة وبدونه لا شئ غير الفناء لكل الكائنات الحية فهي بلدات لا أمطار فيها ولا آبار ولنأخذ نموذج بلدة القولد لندلل به على أن هذا الجزء من القطر السوداني هو أيضاً هبة النيل.
يقع خلف بلدة القولد متسع كبير من الأراضي الجرداء وتمتد هذه الصحراء إلى مسافات بعيدة جهة الغرب كما أنها تمتد من الشاطئ الشرقي إلى مسافات بعيدة أيضاً والسبب في كثرة هذه الأراضي الصحراوية في هذه المنطقة إن المطر لا ينزل إلا نادراً جداً أو ينعدم في هذه البقعة من الأرض ولذا فإن هذا النخيل الأخضر وتلك المزروعات إنما يعتمد في إنمائها على ماء نهر النيل الذي لا ينقطع عن الجريان أبداً ويقل نهر النيل في شهر أبريل كثيراً كما أن شاطئ النيل الشرقي نجد أنه قاحل تماماً وليس به شئ غير الرمال ذات اللون البرتقالي كما أن النهر يستمر في جريانه إلى جهة الشمال الغربي بمياهه الزرقاء وهي تلمع تحت أشعة شمس الصباح. وليس المطر بموجود ليكفي لإنماء أي حاصلات مطرية تزرع في الأرض البعيدة عن النهر.
كما أن جدران المنازل مطلية بالرمل ونوعية سقف المنازل مسطحة ولا ضرورة للسقف المائل في مكان لا تنزل فيه الأمطار والسقف يتكون من أعمدة من شجر النخيل تحمل فوقها نسيجاً من الجريد (فروع النخيل) ويغطي السقف بالطين وهذا الوضع هو وضع كل المنازل في القرى المجاورة للقولد حيث نلاحظ أن السقف في كل منزل يرتفع عن الجدران على حجارة توضع تحت الأعمدة لئلا تصل حشرة الأرضة إلى خشب السقف فتتلفه حين تصعد إليه والفتحات التي تتكون من ارتفاع السقف لا تهم كثيراً من ناحية المطر لأن المطر الشديد نادر في القولد أو غير مألوف كما أن منازل القولد مطلية بالجير من الخارج لأن قلة المطر بل ندرته تساعد على بقاء هذا الطلاء زمناً طويلاً كما أن القوم هناك لا يتحدثون عن الخريف أو فصل الأمطار بل يتكلمون عن الدميرة بالنسبة لارتفاع نهر النيل والذي يطغى على شاطئيه في بعض الأحيان وهذه ثقافة مشتركة بينهم وبين المصريين.
وكان الدكتور عبد الله الطيب عليه رحمة الله ورضوانه وفي إحدى قصائده عن النيل أن قال وإني لأخشى أن أرى النيل في غد - شريعة مصر علها وانتهالا ولكنه أبدل بعض من هذا البيت في طبعة أخرى من ديوانه المعروف أصداء النيل حيث صاغه قائلاً:
وإني لأخشى أن أرى النيل في غد= شريعة قوم علها وانتهالا
بعدما أخذ عليه من التعريف في النص الأول وكانت هذه القصيدة قد نظمت في سنة 1954م وكان الاتجاه نحو دعوة الاستقلال في تلك السنة عاماً وكان السودانيون يظنون أن مسألة مياه وادي النيل موضوع كرامة وطنية ويحسبون أن لمصر مطامع استعمارية وما كنا ندرك للأسف أن قضية السودان وقضية مصر هي قضية واحدة هي قضية ثقافة الوطن وقضية التعاون والرباط الوثيق الذي فرضته علينا عقدة صلة الطبيعة Nature الواضحة منذ الدهر القديم وهذا باب من النظر ليس هاهنا مجال تفصيله.
روافد النيل الأبيض:
1- بحر الغزال نهر في السودان طوله 240 كلم من روافد النيل الأبيض يلتقي عنده Lake No ببحر الجبل وأهم روافده نهر الجور وبحر العرب.
2- Lake No بحيرة في جنوب السودان يلتقي عندها بحر الغزال وبحر الجبل ليكونا معاً نهر النيل الأبيض هذه البحيرة غنية بغاز المستنقعات marsh gas وهو غاز هيدروكربوني نظيف يمكن أن يستغل كمصدر للطاقة رخيص كما أن تربتها بها نوع من السماد الطبيعي.
3- بحر العرب نهر في جنوب السودان طوله 800 كم يلتقي بنهر الجور ليكونا معاً بحر الغزال.
4- بحر الجبل نهر في جنوب السودان فهو اسم يحمله نهر النيل الأبيض بين بحيرة موبوتو وبحر الغزال.
5- نهر السوباط
6- هنالك بحر يوسف وهو فرع قديم لنهر النيل الأعظم في الجزء المصري منه في شكل ترعة تروي منطقة الفيوم.
7- تنشأ مياه النيل الأبيض في المبتدأ من الرياح المحملة بالرطوبة القادمة من جنوب المحيط الأطلسي والمحيط الهندي. وتتحول إلى بحيرات impoundments و debouches وهي مجرد مآزق مائية لا يتأثر بها السكان هناك في هضبة البحيرات ولا تتأثر هي بهم لا ثقافياً ولا مادياً وفقاً لاملاءات الطبيعة Nature والجغرافيا Geography معاً.
ويبلغ طول النيل الأبيض من lake No وحتى الخرطوم حوالي 600 ميل وبعد حوالي 80 ميل من هذه البحيرة يلتقي به نهر السوباط فعلى الذين يلوحون بانفصال جنوب السودان يجب أن يضعوا في انتباههم ونصب أعينهم أن الجنوب في حالة انفصال لا قدر الله سيفقد جزءاً كبيراً من حقه في مياه النيل الأبيض استناداً على نظرية الموقع الوطني للمياه National Location بمعنى أنه لن يبقى كل النيل الأبيض من عند مبتداه في بحيرة نو جزءاً من الجنوب كما أنه سيصبح الجزء الأقل مساحة من مساحة الحوض الكلية ويمتد هذا الفقدان بالنسبة للجنوب فيما يختص بحقه الوطني في حالة الدولة السودانية الموحدة التي يبدأ نهر النيل الأعظم فيها عند مدينة الخرطوم والتي ستعتبر عاصمة لدولة أجنبية هي السودان الشمالي ككل وللجنوب المستقل بعاصمته المنفصلة جوبا التي لا ينساب فيها نهر النيل الأعظم ولا يجري على أراضيها حسب حدودها الجديدة وهو وضع سيكون مؤسفاً في كل الأحوال والمآلات.
وعلى نطاق دول الهضبتين الحبشية والاستوائية فبحكم تركيبتهما الجغرافية كهضاب شاهقة غزيرة المطر تضم بحيرات شاسعة ومساقط مياه حادة فإن توليد الكهرباء يصبح المطلب الأمثل وربما الأوحد لاستغلال تلك المآزق المائية (Debouches) مثلما تحقق في خزان أوين (Owen) بيوغندة أو في بحيرة تانا بالحبشة ولهذا فإن مثل هذه المنشآت الهندسية يمكن أن تفيد هذه الدول فائدة كبرى في الكهرباء ولن تفيدها بالمياه ولو أرادت إلا بالكم المهمل!! لعدم حاجتها أصلاً إلى المزيد من المياه وهنا يتكامل المكسب الصافي ضمن خارطة طريق يوزعها العمل الجغرافي الرشيد المتناسق كما رتبته الطبيعة (Nature) بين دول الحوض المختلفة دون تحيز أو تعارض: تساقط الأمطار الوفيرة لدويلات الهضبة ويوغندا والحبشة. والري للسودان ومصر والزراعة المطرية والرعي لدول أعالي النيل وزراعة الري لمصر والسودان. الكهرباء لدويلات تساقط المطر والماء لمصر والسودان وغيرها أو بعبارة أخرى الكهرباء لأثيوبيا ويوغندا وغيرها والماء لمصر والسودان خصوصاً في شماله الجغرافي.
يفيد كتاب تقويم السودان 1963 أن الري في جميع أنحاء السودان إما أنه ضروري للزراعة الرابحة أو أنه يعود بامتيازات معينة ويلاحظ أن فصل الأمطار في الخرطوم متغير ومجموع كمية الأمطار ضئيل وغير ثابت. وإذا بعدنا بعض الشئ من شمال الخرطوم فإن وادي النيل يكاد يكون عديم المطر ولذا لا بد من الري الصناعي وتزداد الأمطار كلما اتجهنا جنوباً ولكن مع ذلك فهي موسمية وغير ثابتة الأمر الذي يؤكد الوصفة التي أطلقناها في هذه الورقة من أن شمال السودان الجغرافي هو أيضاً هبة النيل فوسائل الري التقليدية هي الشادوف والساقية والمديرية الشمالية هي الوطن الأصيل للساقية حيث كان يوجد 90% من مجموع السواقي المسجلة.
ومن ناحية القوة تتركز كل قوة السودان ومصر في وادي النيل وتتركز كل قوة حوض النيل في السودان ومصر حيث أنهما يشكلان معاً 74.1% من مساحة الحوض الكلية وأن السودان وحده يشكل 63.3% من مساحة الحوض الكلية فحوض النيل بدون السودان ومصر يبدو لذلك كهاملت بغير الأمير كما يقال. وكما نعلم بأن هاملت هو أمير دنماركي أسطوري وبطل في نفس الوقت في مسرحية شكسبير المأساوية المعروفة باسم هاملت!!.
Hamlet a legendary Danish prince and Hero of Shakespeares tragical play Hamlet!!
ونخلص من هذا إلى أن دور النيل الأزرق البارز يبدو جلياً وواضحاً أثناء فترة الدميرة حيث يسهم هذا النهر برافديه بنحو 86% من الإيراد مقابل 14% فقط لنهر النيل الأبيض والعكس في فترة التحاريق أي في فترة انخفاض مائية نهر النيل حيث يوفر النيل الأزرق 23% فقط من الإيراد وذلك دون نهر عطبرة الذي يكون جافاً تماماً في هذا الفصل مقابل 83% يوفرها نهر النيل الأبيض. ونهر النيل الأزرق ليس نيلاً حبشياً خالصاً طوله 1600 كم. ينسحب من بحيرة تانا فيروي سهول السودان وينساب فيه على مسافة طولها 800 كم حيث يلتقي بنهر النيل الأبيض في الخرطوم متابعاً سيره ليكونا معاً نهر النيل الأعظم التي يصل إلى فرعي رشيد ودمياط حيث ملاذه الأخير هو البحر الأبيض المتوسط وبالمقابل فلولا الفيض الدائم من نهر النيل الأبيض والذي يملأ مجرى النيل كله من غندكرو وحتى الدلتا المصرية فالمجرى هنا يمكن تشبيهه بالأنبوب الرئيسي لخط ناقل للبترول لا يفرغ أبداً إلا لضرورات فنية قصوى ونادرة وهذا ما لا يفعله نهر النيل الأبيض الذي يعتبر الشريان الحيوي المستديم لنهر النيل الأعظم وفي تعزيز مائيته وديمومتها.
المأخذ البيئية على إنشاء قناة جونقلي
ما تم حفره من القناة حتى الآن يصل إلى 80 ميل وقد أصبح هذا الجزء المحفور من القناة يشكل عائقاً (Barrier) بل عقبة تراها العين بوضوح لحركة الإنسان والحيوان حول القناة وتحولت القناة بوضعها الحالي الغير المكتمل إلى مصدر هلاك الحيوانات التي تموت عطشاً أو تلاقي الآلاف حتفها غرقاً على عمق 12 متر داخل القناة.
كما أن الإنسان حول القناة في معية حيواناته الأليفة لا يجد عبوراً أفضل في الوقت الحالي حيث أصبح هو وحيواناته معزولاً من النيل ومائه ويلاقي الطرفان أسوأ صعوبات عرفاها في حياتهما.
المشاريع التي يطالب بها الجنوبيون حول منطقة القناة:
* مشاريع لإمدادات مياه الشرب شرق القناة قبل بدء عمليات الحفر لتفادي موت الحيوانات الأليفة والوحشية بسبب العطش إذا لم تتوفر مثل هذه الإمدادات خصوصاً في فصل الجفاف حيث تصبح القناة عائقاً للطرفين عبر طريقها المعهود في مساره إلى غرب النيل في اتجاه خط حفر القناة.
* إنشاء مشاريع زراعية مروية على طول نطاق منطقة القناة لكي تسهم في استقرار السكان المحليين الذين يتوقع أن يتأثر أسلوب حياتهم التقليدية بالتغيرات البيئية المتوقعة من جراء إنشاء القناة.
* إنشاء مجموعات من القرى النموذجية ? والمدارس والحواشات والمصحات والمستشفيات الخ من أجل رفاهية المواطنين والذين يتوقع أن يفرض عليهم إنشاء القناة الرحيل من أماكن مساكنهم المعهودة حولها.
* إنشاء مجموعة من جسور المرور فوق القناة لكي تساعد السكان مع حيواناتهم للعبور لمناطق الرعي التقليدية وشرب الماء بالقرب من النيل في اتجاه الغرب.
الايجابيات المترتبة على حفر قناة جونقلي والتي يبلغ طولها 360 كيلو متر وهي مشروع مشترك بين مصر والسودان يهدف إلى تحويل مجرى نهر النيل الأبيض من منطقة السدود لتوفير مياه إضافية للسودان ومصر تقدر بأربعة (4) مليار متر مكعب يتم تقسيمها بالتساوي بين البلدين كذلك يوفر المشروع لجنوب السودان المراعي والأراضي الزراعية في مساحة لا تقل عن مشروع الجزيرة في شمال السودان (ص119- مأمون بحيري) من بعد تجفيف مستنقعات المنطقة وهو أمر سيعكس تحويلاً اقتصادياً واجتماعياً في حياة قبائل الجنوب الرعوية.
وكما جاء في رسالة السيد جون قرن دي مبيور التي أعدها لنيل درجة الدكتوراة من جامعة أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية ? أن فكرة مشروع قناة جونقلي نبعت أصلاً من استشارييّ الري المصريين العاملين في السودان عام 1904 وقدر أن يتم تنفيذها في عام 1938م إلا أن ملابسات الحرب العالمية الثانية قد حالت دون ذلك مما أتاح الفرص لأن تعطل الصراعات السياسية فيما بعد تنفيذ هذا المشروع إلى أن بعث مجدداً عام 1974م وقدر وقتها أن ينتهي انجازه في عام 1985م بعد بداية التنفيذ في عام 1980. (انظر كتاب المأزق التاريخي لأبو القاسم حاج حمد ص449) . فإكمال هذه القناة أصبح ضرورة حيوية لحماية البيئة أولاً من جراء وضعها المتردي حالياً والذي أدى إلى أيلولة القناة إلى مجرد بالوعة مليئة بالمياه الآسنة ومن الحشرات الضارة والسامة المسببة لكثير من الأمراض الفتاكة هذا ناهيك عن الحرمان من(4) مليار متراً مكعباً تسهم في زيادة إيراد النيل بالإضافة إلى ما توفره من أراضي شاسعة للمراعي والزراعة وما يترتب على ذلك من تحول اجتماعي منشود لسكان الجنوب فالقناة مشروع قومي يتوجب إكمال تنفيذه ولا يترك لمزاج الساسة أياً كان موقفهم أو قوة نفوذهم.
======
ثبت المراجع العربية
1- الفاضل حسن عوض الله- عن الشاعر المصري صلاح عبد الصبور والفنان السوداني سيد خليفة في قصيدة وأغنية نهران في مجرى» جريدة الصحافة الغراء اليومية بتاريخ 4/ يونيو /2010م.
2- د. جمال حماد ? شخصية مصر ? دراسة في عبقرية المكان ? الجزء الثاني دار الهلال رقم الإيداع: 10816 / 1994 حتى 924-935- القاهرة.
3- خضر حمد- مذكرات خضر حمد- الحركة الوطنية السودانية الاستقلال وما بعده، التمهيد لمفاوضات مياه النيل ص(201-206)- الطبعة الأولى 1980م- الناشرون مكتبة الشرق والغرب ? الشارقة -الخليج العربي.
4- د. فيصل عبد الرحمن علي طه- الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان 1936-1953م- الطبعة الثانية- أمدرمان 2004م.
5- محمد عوض محمد بك- الأستاذ بجامعة فؤاد الأول ومدير معهد الدراسات السودانية في تكوين وادي النيل ومكان السودان وسكانه في حوض هذا النهر- القاهرة 1960م.
6- نسيم مقار- تاريخ البكباشي المصري سليم قبطان والكشف عن منابع النيل القاهرة 1960م.
7- تقويم السودان لسنة 1963م- يصدره مكتب الاستعلامات المركزي ? جمهورية السودان ? طبع بالمطبعة الحكومية 1963م.
8- عبد الله الطيب- أصداء النيل ? شعر الطبعة الخامسة ? دار جامعة الخرطوم للنشر 1942م ص(51-74)
9- المستر قريفس بالاشتراك مع عبد الرحمن علي طه «سبل كسب العيش في السودان ? مبادئ جغرافية السودان للمدارس الأولية» ? الطبعة الثانية 1950- الطابعون دار المعارف بمصر.
Pertinent English references
1- The White Nile by ALAN MOOREHEAD «… of the sources of the Nile no one can give any account…. It enters Egypt from parts beyond» Herodotus, Book ii, 34 Hamish Hamilton. London 1960.
2- The Blue Nile By ALAN MOOREHEAD, printed by Hamish Hamilton. London 1962.
3- Sudan odyssey through a state: from Ruin to Hope. Author LT. GEN. JOSEPH LAGU, (RETD). OMDURMAN 2006.
4- Glimpses of World History. Author, JAWAHARLAL NEHRU, 18th impression 2003. New Delhi India. Page, 742, 743. 740.
* اختصاصي علم الوقود وحماية البيئة
كاتب جامعي ومدير سابق بالمؤسسة العامة للبترول- الخرطوم
عضو الجمعية السودانية لحماية البيئة
كمية المياه الوافدة إلى النيل الرئيسي من النهرين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.