يمتد نهر النيل من أقصى الجنوب ويعبر الاراضي السودانية الى مصر ومن ا قصى الشرق حتى ملتقى النيلين بالمقرن هو ابيض وازرق وهو اخضر بعطائه للانسان السوداني وهو هبة الحياة في السودان، يزرع على جنباته الدليب والنخيل الحرجل والباباي القشطة والموز تتشكل على ضفتيه لوحات جمالية من خضرة وزهور وأناس يعتمدون في معيشتهم على النيل، وهو فيضان ودميرة وهو كما غنى له اجرى يا نيل الحياة والحياة فيه حركة بين ضفتيه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ان كان سباحة «عوم» أو عن طريق البواخر أو البناطين أو المراكب.. وقديماً كان السفر بالباخرة متعة لا تدانيها متعة ومن الأسكلا وحلا وقد استمتعت بالباخرة وهي تبحر من كوستي حتى ملكال مروراً بالزليط وكدوك والرنك وملوط وكاكا والدهشة تتأتى من اشجار الدليب وهي تشكل انعكاسا على صفحة النيل الابيض مع السحب التي تسقط صورتها حول الباخرة وهي متجهة جنوباً. انه النيل سر الحياة وسر الوجود وساكنو النيل سمار وهنا اتذكر الأخ المخرج الاذاعي المرحوم ايتاسيوس وبرنامجه الذي يحمل كل السودان بابورماشي كم مرة تأملت النيل والجسور والكباري وأنت على ظهرها تقطعها يومياً ولو كنت تركب المعدية أو البنطون لكان الامر اختلف وكنت على مقربة من الماء والحراك الاجتماعي اليومي الذي يتم على امتداد النيل بين مدن مختلفة ان كانت المعدية بين سنجة أو مينا المك في شرق النيل الازرق.. ونجد هنالك معدية في اقصى الشمال بين دنقلا والسليم يا حليله بعد الكبري لم تصبح ذات أهمية وتلاشت تجارة ومطاعم على ضفتي النيل ويأمل البائعون ان يتأخر البنطون وان هذا الجسر اصبح هو الرابط بين ثقافة الدناقلة والمحس والحلفاويين في منطقة حضارة وتاريخ تتمثل في اهرامات منطقة كرمة وفي منطقة مينا المك تاريخ مملكة الفونج والمعدية حطب وفحم أغنام وقش شتول وأولاد طهور وعرسان سحنات مختلفة طيبة ومعرفة ومطايبة في البنطول لواري وبكاسي وناس ماشة وناس جاية صيرورة وديمومة للحياة بين مروي وكريمة وتحديداً في كريمة منطقة شبا، وأنت ماري تشاهد أهرامات البركل ضاربة في جذور التاريخ وشاهدا على الانسان السوداني كمحرك للاشياء إلى ان تحول البنطون إلى جسر ضخم بل وإلى خزان اصبح اضخم خزان في افريقيا، وسوف ينتعش الاستثمار حوله بدل التجارة التقليدية التي كانت على مرسى البنطون.. وكانت المعدية هي الرابط بين ناس ود أبوسن في رفاعة وأهالي الجزيرة في الحصاحيصا وتلاشى البنطون في ظل بناء البنيات التحتية للانسان السوداني لتسهم في التنمية واقيم جسر ضخم.. وهنالك معدية تربط طلاب حنتوب بمدينة ود مدني.. وبنطون يربط مدينة أبو حمد بجزيرة مقرات.. والعبيدية بالباوقة بينها جسر للتواصل عن طريق المعدية.. وقد كانت هنالك معدية تابعة لأسمنت عطبرة تربط الشرق بالغرب وشمالها بنطون الفاضلاب الذي ينقل عمال السكة الحديد لعطبرة، وجاء الآن الفتح لانسان المنطقة ان يقطع في أية لحظة دون انتظار لقدوم البنطون، وكذلك حدث ذلك بين شندي والمتمة واصبحت تكلفة نقل البصل والمنتجات الزراعية اقل بفضل الجسر.. ومازال الفسيخ والجبنة في الدويم ينقلان عن طريق المعدية والاسواق على ضفتي النهر تعج بالباعة والمتسوقين.. وما بين الزيداب والمكابراب تعمل البناطين.. وتستمر الحياة ويعرف ساكنو ضفتي النيل مخاطر الفيضان والدميرة واحياناً عند تعطل البناطين تصبح وسيلة النقل هي المراكب وهي مواعين مائية تتم صناعتها من الخشب ولها غناء «عدي بينا يا ريس» «وقف المركب خلي الشباب يركب» واظن ان الشباب المقصود هنا الشباب الذي كان يقوم بزيارة جزيرة توتي والتي اصبح سكانها يعبرون الجسر بعرباتهم ولا «يقرشونها» أمام قاعة الصداقة. وفي المراكب دهشة وخطر توكل من أصحابها ومرتادي الركوب عليها. ومع بناء الجسور قد تتلاشى المراكب كما بدأت تتلاشى الساقية بعد ظهور الري الحديث والمركب العتيقة تصنع من اخشاب السنط والحراز. ويتكون المركب بعد رأس المثلث زي ما قال عمنا ابشر محمد احمد من الكراسي او العراضات وتسمى الدير وهنالك الشمعة ويربط بها المركب على القيف وريس المركب لا يقبل الجلوس على الشمعة والمجاديف والمجداف منجور مسيف ويربط على الديره وهذه المنطقة تسمى الخرج والقوس الامامي من المركب يسمى الجاقوس وفي المنتصف الشراع وهو عود مستقيم طوله ثلاثة أمتار من الخشب القوي مثبت في وسط المركب على منطقة مربعة تسمى كرسي الشراع وفي نهاية الثلاثة أمتار هنالك ثلاث فتحات تربط فيها القرية والقرية طولها خمسة أمتار والحبال تثبت اعلى العود في منطقة تسمى الدره والذمه تتكون من اليد وتنزل في الطافه وهنالك القمرية وهي التي تحدد ان غطست ان المركب اخذت كفايتها من الحمولة وتربط المركب في البر عن طريق الهلب وله اربعة سنون. ومن مقدرات الريس ان يكون يجيد السباحة.. ولا يقوم بفك الدفه اطلاقا.. والنواتيه هم في العادة ثلاثة، يقومون بجر المركب للبر.. واصل المراكب هي صناعة نوبية.. ومن المناطق التي اشتهرت بصناعتها منطقة ابي روف بأم درمان.. ومكان وقوف المركب يسمى المشرع، واشهر مشرع مشرع ود البله ويسمى مشرع السدره واشار له البروفسير عبد الله الطيب في كتابه من نافذة القطار.. وقد كتب كثيرا عن المراكب والبناطين وفي الشمالية اغنية مشهورة «اسيا بابورك في الاراك». والدكتور حسن مدني بحسب رواية محمد احمد قدور قدم اطروحته للدكتوراة عن العنقريب والمركب وتاريخيا اسرة الامام المهدي من امهر صانعي المراكب.. والريس والمراكبية يعرفون النيل واين يوجد الضحل واتجاه التيار والنواتيه والرواويس نقلوا الثقافة السودانية بعاداتها وتقاليدها المختلفة من مكان الى اخر عبر اهازيجهم وترانيمهم ومنهم حسون شاعرهم يقول في وصف مركب علي ود حمد: لا تعاين للعمم ديل يا سميحي العمم خلوها لاهل النصيحي متل علي ود حمد هباله ريحي المجاوره ام قور حقيقة ام مقور منيحي وام قور مقصود بها الساقية التي بدأت في التلاشي، ونأمل ان لا تتلاشى المراكب كوسيلة حل وترحال وناقل للثقافة السودانية.. ومدد مدد يا رواسي كما يقول حاتم حسن الدابي.. واجمل المشاهد على النيل واجمل ما رأيت شلالات كنتي بتوريت وانه النيل النعمة التي يجب عليها شكر الخالق.