هذا ما قاله ليَّ العزيز الرشيد يوسف بشير واحد من الهميمين بأمر الصحافة في عروس الرمال، وابن الاستاذ الفاضل والاب الكريم يوسف بشير وزير التربية والتعليم السابق بولاية شمال كردفان، نعود للصحافة الاقليمية وجذورها الضاربة في مدينة الابيض، وتقتضي الامانة والادب والزهو ان نذكر رائدها ومؤسسها الدكتور الفاتح النور رحمة الله عليه وانزل الله شآبيب رحمته على قبره ووسده الباردة كما يقول اهلنا في تلك البقعة المباركة، وان كان الامر قد تمت مناقشته واتخذوا فيه قراراً سواء من حكومة الولاية او الناشطين بالصحافة بالابيض فهو امر محمود وسلوك يشبه اهل كردفان الذين سبقوا غيرهم في هذه الوسيلة المهمة ليس على مستوى السودان بل فاتوا الكبار والقدرهم على الصعيد الافريقي والعربي ولم يسبقهم في الصحافة الاقليمية الا الدول الاوربية متمثلة في بريطانيا وفرنسا، لان الصحافة الاقليمية المتمثلة في صحيفة «كردفان» و«أنباء الغرب» التي صدرت بعدها لم تكونا وحدهما في مجال السبق والتميز، بل هناك أمر آخر ومهم وان الصحافة الاقليمية في كردفان كانت شاملة بمعنى انها كانت تطبع في مطبعة كردفان لصاحبها الفاتح النور وتوزع بالابيض وكذلك كانت تستقي الكثير من المعلومات والاخبار من وكالة أنباء القرشي التي لا تذكر الا قليلاً رغم انها سبقت وكالة السودان للانباء والكثير من وكالات الانباء في الدول العربية والافريقية، وقد حظيت بالكثير من المعلومات حينما كنت اجالس المرحوم الدكتور الفاتح النور وآل القرشي عن هذه المطبعة التي كانت فكرتها وعملها بسيطاً يتمثل في راديو ترانزستر، وماكينة طباعة يدوية، وماكينة رونيو ودباسة ذو حجم كبير وموزع يقوم بتوزيعها على المشتركين، كما ان شخصية الفاتح النور والبيئة المحيطة به من قراء ودور قراءة «مكتبة البلدية» التي دمرها اعداء القراءة وهمجها في الثمانينيات من القرن الماضي وهي من اهم مرتكزات الصحافة وتحتاج لمقال منفرد لانها جمعت كل ابناء الابيض بصورة يومية للاطلاع والقراءة وتبادل الافكار في أهم الاصدارات في ذلك الوقت كتب وصحف، اما مكتبات التوزيع فكانت مكتبة الجيل اسم ومعنى للاستاذ «الفاضل» ومكتبة البيان للوالد الفذ محمد علي، هذه البيئة هي التي شكلت ووسمت الابيض بالتميز وساعدت على نجاح الصحافة الاقليمية اذاً الاحتفال اكبر من مهرجان وندوات وتكريم وصرف اموال يحتاجها اهلنا للدواء والاستعداد للخريف... فالاحتفال بام الصحافة الاقليمية هو كيفية عودة الابيض وصحوها من هذا الموت السريري في كل شيء، فالابيض اخوتي كما يقول تجار الشنطة والهائمون على طرقاتها انها اصبحت دبي «ولكنها» دبي للدلاقين والخرق البالية التي لا تشكل انساناً ولا تخلق تميزاً ولا تساعد في عودتها للايام الخوالي. نريد للابيض ان تصحو فيها حركة ثقافية رياضية واسعة تبدأ في تغير سلوك البشر وتفكيرهم نريدها تعود بعودة حدائقها النضرة ونمو الياسمين الذي كان ينتشر فيها، نريدها تعود بعودة مستشفى الابيض الذي كان في نظافته ونظامه ملتقى العشاق والمحبين لان المدينة بفطرتها واخلاقها كانت تمنع حتى التلاقي البريء وغير البرئ في شوارعها حتى ان واحداً من المتعشقين والهائمين حينما لم يجد طريقه يعبر بها عن حبه وهيامه كتب على اسوارها واعمدة الكهرباء عبارة «سونا اهوو» وما زلت افك هذه الشفرة «الهيامية» بل كنا نرددها كالببغاء لانها استخدمت كواحد من اساليب الاعلان وتأثيره النفسي وهو اسلوب الترديد واختيار المكان المناسب، فكانت العبارة تبح بها كل جدر الابيض البارزة. والحديث عن الريادة والقيادة عن «الابيض» يحتاج لملفات وكل عبارة تصلح ان تكون موضوعا قائماً بذاته. ولكن دعونا نعود للاحتفال ومغزاه وابعاده، فليكن كما ذكرنا احتفالاً غير تقليدي شاملاً لكل مكونات التفرد التي جاءت بها «الأبيض» فليعد اولاً صالون كردفان احياءً لذكرى صاحب كردفان كمعلم ثقافي واجتماعي للمدينة ورد جميل للفاتح النور، ولتعد مكتبة الابيض عامة من خلال شعار فلتعد لسيرتها الاولى عبر التبرع بكتاب من كل بيت وكتابين من كل ابن من ابناء الابيض في كل بقاع الدنيا التي انتشروا فيها، ثم تعود فرقة فنون كردفان جمعاً وبحثاً عن التراث، الاهتمام بما تبقى من حراك الجيل على رأسهم الهميم «الحلاج» والشاعر محمد عبد الله الكردفاني الذي تلقطه الاقدار في مكان نائي من المدينة، ثم يكون الختام تقليدياً ندوات احتفالات دعوت، وغيرها من اشكاله وبذا نكون قد احتفلنا بالابيض. وهذا لعمل يستدعي مشاركة كل المؤسسات الفاعلة بالابيض بدءاً بجامعة كردفان التي كانت واحدة من اهداف صحيفة كردفان وغيرها من الشعارات التي تحولت الى مشاريع كعيد الشجرة الذي خرج من افكار الفاتح النور وأصبح عيداً قومياً دون ذكر صاحب الفكرة وبالمناسبة لمن لا يدرك او يلتمس مكونات المدينة ان سحر الابيض وخضرتها كان عيد الشجرة السبب الاساسي والرئيسي في ذلك. وختاماً نقول مزيداً من الافكار المنيرة التي تعود بالمدينة لسيرتها الاولى وللجميع الود والإنحناءة وللغرة الوفاء والمعزة.