إذا أردت أن تُطاع فأطلب المستطاع ، وإذا أردت أن تُلزم الناس باحترام القانون وتردع المستهترين فذاك أمر جيد ومطلوب ، لكن دون شطط أو تطرف لا يراعي قدرات الناس البسطاء الذين تطحنهم الحياة وتفرمهم أبسط ضرورات المعيشة . هؤلا البسطاء المتعبون والمنهكون بات فى يقينهم أن إدارة المرور أصبحت ذراعاً باطشا ومخلباً للدولة ينهش أبدانهم وأكبادهم ليرفد بها الخزينة العامة . هل تظن إدارة المرور أن معظم أبناء هذا الشعب هم لصوص بالفطرة يستمرئون كسر القانون ويتمردون على الإنصياع له ؟ هل تظنهم أفاقين ونصابين يستحلّون التهرب من الترخيص وتجديد الرخصة وإصلاح عرباتهم ومركباتهم ؟ الأمر ليس كذلك ...إنهم ببساطة لا يملكون ...هم فقراء ومعدمون .. معدمووووون ، فأصحاب الحافلات والمركبات الخاصة لا يرضيهم أن يقودوا عرباتهم وهى متهالكة أو معطوبة ، ولكن كيف يتأتى لهم الوفاء بفواتير إصلاحها وهناك أفواه صغيرة جائعة بالبيت ...وهناك مرضى وتلاميذ ..أدوية وأقلام وكراريس ورسوم إمتحانات لا تحتمل التأجيل . إن كان الأمر ردعاً فلنترفق فى الردع ، وإن كان جبايةً أما كفانا جبايات ؟ هل تريد الدولة أن تكون إدارة المرور والمرافق الأخرى كالضرائب والجمارك آباراً نفطية تعوض بها ما راح من بترول الجنوب ؟! هل ساءلت ادارة المرور نفسها قبل أن تسن هذه القوانين حول المبالغ الباهظة التى يتكبدها المواطن مقابل الفحص الآلى وتجديد الترخيص ؟ مبالغ تقارب المليون جنيه وأحياناً تتجاوزه...فحص آلى ما عاد فيه من ( الآلية ) شىء اللهم إلا مسك الفرامل وجرّ النور تماماً كما كان يفعله المناضل الراحل سليمان موسى بكفاءة وأقتدار قبل نصف قرن . كان سليمان موسى وطنياً غيوراً قاد المظاهرات فى عطبرة ضد الإنجليز وضد الجمعية التشريعية فى الاربعينات ثم أصبح مسؤولاً عن كفاءة المركبات والسائقين ، فكان مضرب المثل فى الدقة والصرامة المهنية وعدم مجاملة أى شخص مهما علا شأنه . هل ساءلت إدارة المرور نفسها قبل أن تسن هذه القوانين حول مشروعية ربط تجديد رخصة القيادة بخمس سنوات طوال ، وبرسوم تقارب الثلاثمائة الف جنيه ؟ إن كان الأمر ضبطاً للشارع وحفظاً لارواح الناس فالمنطق يقول إنه خلال هذه السنوات الخمس الطوال قد يضعف بصر السائق وتقل كفاءته الذهنية والصحية، وإدارة المرور آخر من يعلم وفقاً لهذا التشريع الذى يجافي المنطق . لماذا لا نعود لنظام تجديد رخصة القيادة سنوياً وب خُمس قيمة الرسوم الحالية، أم أن الأمر إعتصار للمواطن وفقاً لفلسفة الدفع المقدم التى فتكت بالناس ؟ فلسفة ومنهج أصبحا ككلب مسعور وعقور أطلقته الدولة لينهش الناس ، لا فى المرور وحسب لكن فى الكهرباء والتعليم والعلاج وبقية الخدمات الأساسية .الحكومة تريد المواطن (فى بطنها )..تريده متهماً تعتصره وتصم أذنيها عن كونه مجنىٌّ عليه . الفريد فى ( عصرك ) كانت فى زمن جميل مضى مجرد أغنية يطرب الناس لها ...اليوم هى حكومة يفزع منها كل الناس .