شيخ النقاد الفنيين ميرغني البكري، صاحب قلم سيَّال وبصمة مميزة عبر مسيرته الصحفية التي امتدت لأكثر من 60عاما قضاها في بلاط صاحبة الجلالة، وتخرج على يديه الكثير من الأجيال ومازال ينضح بالعطاء.. من مواليد أم درمان 1928م، خريج مدارس الأحفاد.. عمل بالعديد من الصحف منذ 1949م بصحيفة «صوت السودان» وحتى الآن.. في مسيرة حافلة بالعطاء.. استضفناه لنقلب معا صفحات التلفزيون السوداني بمناسبة مرور«50» عاما من العطاء، وهو شاهد عيان على مولد التلفزيون السوداني منذ أن كان فكرة حتى ولوج الفضاء.. فطرحنا عليه سيلا من الأفكار والاطروحات.. فإلى مضابط الحوار: ٭ حدثنا عن مولد التلفزيون منذ أن كان فكرة إلى أن تحول الحلم إلى حقيقة؟ كنت شاهد عيان على فكرة إنشاء التلفزيون منذ أن كان حلما إلى أن تحول إلى حقيقة، وكنت أحد الحضور في الاجتماعات التي كانت تعقد لمناقشة الفكرة أمام نافورة الإذاعة آنذاك، وذلك بحضور وزير الاستعلام والعمل في تلك الفترة اللواء طلعت فريد، ووكيل الوزارة محمد عامر بشير فوراوي.. ولقد تمخض عن تلك الاجتماعات قرار إنشاء التلفزيون الذي شهد النور في عام 1963م، الذي يعد من الأحداث المهمة في تاريخ السودان، حيث قدمت الحكومة الألمانية الأجهزة والمعدات التي كانت منحةً للحكومة الكينية، إلا أن علاقات اللواء فريد بالألمان جعلته يحول المنحة للسودان، وأسهم ذلك فى مولد التلفزيون السوداني. ٭ متى بدأ الإرسال التلفزيوني السوداني وما هي المساحة الجغرافية التي كان يغطيها؟ بدأ الإرسال التلفزيوني السوداني في عام 1963م في غرفة صغيرة كانت على سطح فندق المسرح في ذلك الوقت، ثم انتقل إلى استديو «بي» بالإذاعة، وكان الإرسال يغطي دائرة نصف قطرها «40» كلم تشمل العاصمة المثلثة «الخرطوم، أمدرمان والخرطوم بحري»، ثم توسعت رقعة البث لتغطي بعض مناطق السودان. وانطلق البث والإرسال التجريبي من جهاز صغير محدود القوة «100 واط». ووزعت أجهزة الاستقبال على الميادين العامة والساحات الكبرى والحدائق العامة التي شملت ميدان البوستة بأم درمان وميدان عبد المنعم بالخرطوم وحديقة البلدية في بحري، بجانب الأندية الرياضية والثقافية التي انحصر فيها الإرسال لمدة ساعتين في بداية الإرسال. ٭ كيف استقبل سكان العاصمة المثلثة هذا الحدث السعيد؟ استقبل سكان العاصمة المثلثة هذا الحدث التاريخي بفرح كبير، حيث احتشدوا في الساحات والميادين والحدائق والأندية الرياضية والثقافية لاستقبال الوافد الجديد، ومتابعة إرساله، والاستمتاع ببرامجه بكل دهشة واستغراب. ٭ ماذا كتب شيخ النقاد عن تلك المناسبة التاريخية؟ كنت من أوائل المبادرين لإبراز الأخبار الخاصة بالاجتماعات الخاصة بمشروع إنشاء التلفزيون منذ أن كان فكرة إلى أن رأى النور، ودبجت المقالات بهذه المناسبة السعيدة.. واستبشرت خيرا، حيث أننا أصبحنا نقارن أنفسنا بالدول العربية التي كانت تمتلك تلفزيونات في تلك الفترة، لإيماني بالدور الذي يمكن أن يضطلع به التلفزيون في إحداث التغيير المنشود. ٭ وكيف استقبلت الصحف السودانية افتتاح البث التلفزيوني السوداني؟ أفردت الصحف السودانية الصادرة يوم افتتاح البث التلفزيوني حيزا مقدرا ضمن إصداراتها في ذلك اليوم، وشملت صحف الأيام والسودان الجديد والرأي العام والتلغراف والأخبار والصباح الجديد والناس، حيث تبارى رؤساء تحرير تلك الصحف في كتابة الأعمدة والمقالات ابتهاجا بهذه المناسبة، حيث كان التناول للحدث كبيرا، بل أن الصفحة الفنية التي كانت تصدرها الصحف كانت أسبوعية، لكن الحدث فرض عليها أن تكون يومية، كما أن الحدث فرض أن تتكرر الكتابة عنه على مدى شهور. ٭ هل كنت من المداومين على مشاهدة التلفزيون خلال انطلاقته الأولى، وما هي البرامج التي كنت تتابع مشاهدتها؟ نعم كنت من المداومين خاصة خلال تقلد بروفيسور علي شمو قيادة التلفزيون، حيث شهدت فترته بث كثير من المسلسلات والبرامج في أطر التبادل البرامجي والمجلات المصورة والأفلام الوثائقية، فضلا عن البرامج المحلية، أبرزها برنامج «ليالينا» الذي كان يقدمه الأستاذ الراحل متوكل كمال، والبرامج السياسية التي كان يقدمها الأستاذ المرحوم محمد خوجلي صالحين، وسهرات من الأضواء التي كان يقدمها حمدي بولاد، والسهرات التي كانت تتخللها المسابقات التي يعدها الفكي عبد الرحمن، علما بأن كل هذه البرامج كانت تقدم على الهواء مباشرة. ٭ ما هو الدور الذي قام به التلفزيون خلال تلك الفترة لرفع وعي المشاهدين؟ أدى التلفزيون دورا فاعلا خلال تلك الفترة في رفع وعي المواطنين، والمساعدة في إحداث التغيير المنشود، وتلبية أذواق واهتمامات المشاهدين من الترفيه والتثقيف والإعلام والتربية. ٭ من هم أبرز نجوم التلفزيون في تلك الفترة؟ في الدراما حسن عبد المجيد وإبراهيم حجازي وأبو العباس محمد طاهر وتحية زروق ونفيسة ورابحة محمد محمود، وبرامج الأطفال التي كانت تقدمها ماما صفية. ومن المخرجين عثمان علي حسن الملقب باللورد وأحمد عاطف، كما يعتبر الأستاذ صالحين أول من قرأ نشرة أخبار، ورجاء جمعة أول مذيعة، وبرفيسور علي شمو أول مراقب، ويعتبر الفنان إبراهيم عوض أول من أطل عبر الشاشة البلورية بمصاحبة اوكسترا كاملة. ٭ كيف تنظر للتلفزيون في الماضي والآن؟ التلفزيون في بداياته بدأ بداية متواضعة، وتدرج وتطور خطوة خطوة، واعتبر ما وصل إليه الآن طفرة، حيث أصبح ينافس الفضائيات الأخرى من حيث التقانة والبرامج. ٭ كلمة أخيرة؟ أتمنى أن تكون هناك حرية أكثر تتيح للمبدعين التواصل مع المشاهدين، وأن توفر الموارد المالية التي تمكن التلفزيون من أداء رسالته على الوجه الأكمل، بجانب التجاوب مع رغبات المشاهدين، وزيادة الجرعات من برامج المنوعات والدراما لأنها من عوامل جذب المشاهدين.