في قصيدة رائعة، ومترعة بالجمال، حملت عنوان (إهانات شخصية لابن الملوح)، يعيب صديقنا الشاعر (محمد المكي إبراهيم)، على فارس عربي مثل قيس ابن الملوح، هيامه غير المبرر، وتشرده في الصحراء لسنوات طويلة، ثم جنونه الرومانسي الذي أنتج كل ذلك الشعر، وصير ابن الملوح وليلاه علمين وصل صيتهما حتى زماننا. المكي في اعتقادي لم يكن محقا في تصديره لتلك الإهانات، خاصة أننا الآن نفتقر إلى ذلك النموذج القيسي الذي يعيد إلى القلب نبضات مفتقدة، يعيد توازن المشاعر ويدهن ليلاوات هذ الزمان بصبغتهن القديمة حتى يعدن ملهمات أصيلات للشعراء. المتابع لمسيرة المرأة منذ بدأت ملهمة في الزمان القديم، حتى وصلت إلى زمان (النيو لوك)، يجد فروقات كبيرة قد حدثت، حروب طاحنة خاضتها تلك المرأة ضد واقعها واحتياجاتها الحقيقية، ثم ذلك المشروع الجماعي في إصرار كل الوجوه النسائية على أن تكون جذابة برغم كل شيء.. والنتيجة إن لا رومانسية حقيقية تلهم قيسا جديدا، ولا غناء مبدع يستله الشعراء من ذلك التشابه.. هذا المشروع غير الواقعي لا ينطبق على المرأة المتمدنة فقط، لكنه امتد فعلا إلى الريف حيث كانت المرأة عاملة ومشاركة، ثم ملهمة من واقع بيئتها.. وأذكر أثناء عملي كمفتش طبي في الريف، أن جاءتني شابة اسمها (خديجة آدم)، كانت امرأة عادية بملامح عادية، ويمكن أن تكون ملهمة محلية، وترد ملامح وجهها في قصيدة من نسج شاعر قبلي، وحتى يمكن أن تصبح زوجة وأما في ذلك الفضاء المختصر، لكن خديجة لم تكن مقتنعة.. كانت تبكي بحرقة، تبحث عن وجه جديد ..وعينين جديدتين، ومشاعر مختلفة لن تجدها أبدا في الريف... وبالطبع لم يكن لدي سوى علاج نفسي لحالة اعتبرتها اكتئابا حادا. أعود لابن الملوح وملهمته، أتحسر على خباءات كانت تدس الجمال الأصلي حتى ينضج، على حروف مبتكرة تتخيل الوجه والعينين و(مهوى القرط)، ورنة الخلاخيل أو عدم رنتها، وتنقب في امتلاء متخيل لتصيغ كل ذلك الشعر. حقيقة نحتاج إلى ليلى بعيدة عن (النيو لوك) وإلى ابن ملوح فقير يمتلك درع فارس ووميض قلب