استميح القارئ العزيز واشركه في استراحة أخرجه بها من خضم المواضيع السياسية الشائكة وزحمة الحياة وشقائها بعد اجازة العيد السعيد بعد ان جُمت النفوس بمواصلة الارحام وصلات القربى والجيرة والمعارف ومناسبات الافراح والاتراح التي مرت علينا. ولمعلومية المدنيين وقاطني المدن كالخرطوم وغيرها من المدن الكبيرة فان قصة حُمارة المرة (المرأة) في القرى تكون غالباً من نوع «الأتان» وهي أنثى الحمار بطيئة ولا «تفنجط» أي ترمي من يركب عليها وهي مسكينة ووديعة ولا يركبها إلا النساء كوسيلة مواصلات. في عطلة العيد قررنا كأسرة قضاءها في مدينة بورتسودان ومن المهم تدبر وسيلة نقل حيث ان الرحلة طويلة نسبياً فقررت عكس طبيعة الاشياء حيث ان سيارة المدام أحسن حالاً من سيارتي وغير مستهلكة واطاراتها جيدة «التافوميتر أقل من عشرة ألف كلم» رغم انهما موديل نفس السنة، قبل السفر قمت بمراجعة مياه الموتور وسألت صاحبة السيارة عن الاطار الاحتياطي فأجابت بأنه جيد وجاهز للعمل إذا حدث عطل لأحد الاطارات ولهذا لم أقم بمراجعة الاطار بل شرعت في شحن الحقائب وتوكلنا على الذي لا يموت وتوجهنا صوب طريق الخرطومعطبرةبورتسودان والذي كان جيداً وخالياً من السيارات في ثاني أيام العيد، في الصحراء قبل منطقة الروجل بمحلية هيا تغيرت فيه جودة الأسفلت إلى الخشونة التي أدت إلى انفجار أحد الاطارات الخلفية فحمدنا الله على السلامة والسيطرة على السيارة التي أوقفتها على جانب الطريق علماً بأنها كانت تسير بسرعة كبيرة، بعد توقف السيارة جاءت ساعة الحقيقة واخراج الاطار الاحتياطي الذي كنت قد سمعت انه جيد وجاهز للاستخدام ولكني تفاجأت بأنه خالي من الهواء! الله يا ربي! حمارة الحريم اقصد سيارة الحريم، انتظرنا نطلب الفرج في صحراء قاحلة حتى أكرمنا الله بشباب من أهل الشرق وقفوا بشهامة فأخذوا الاطار الاحتياطي معهم إلى مدينة هيا وقضوا حوالي الساعتين، اصلحوه ورجعوا لنا بعد ان قضينا وقتاً طويلاً تحت لهيب أشعة الشمس المشبعة بالرطوبة، يا لها من شهامة في زمن اصحابه مسرعون ومستعجلون لم يشأ أحدهم بالتوقف والسؤال رغم منظر الأسرة الذي لا يغبى على أحد ولا يسر عدواً أو صديقاً، واصلنا السير بتأني خوفاً من عطب أحد الاطارات خاصة وانه لا يوجد لدينا اطار احتياطي وبعد مدينة هيا قابلتنا سحابة شتاء مليئة بالمياه فأمطرت بشدة لم تقوِ مسح المياه «منشات» ازاحة المياه عن الزجاج الأمامي والتي كانت قد تآكلت وبليت، حمارة الحريم، اضطررنا لمواصلة السير بسرعة منخفضة لتعثر الرؤية وصعوبة الوقوف على الطريق، حمارة الحريم، التي وصفتها في بداية الاستراحة، بطيئة وتمشي بتلكوء حتى وصلنا لمدينة جبيت وبداية منطقة الجبال «العقبة التحت» وذلك ما بعد غروب الشمس «جبال، ظلام، ووعورة الطريق» الشارع يتلوى كالثعبان وطريق اسفلت كأنما رصفه نجار عناقريب! غابت عنه العلامات التحذيرية في المنحنيات وكله منحنيات كأنما سيسلكه عدو مراد تأخيره لذا جرى تدميره! المهم بعد ان اجتزنا كل هذه العقبات وصلنا إلى مدينة سواكن ثم بعدها إلى مدينة بورتسودان التي بذل فيها مجهود خارق بعد اهمال دام طويلاً، وأيضاً رجعنا بحمارة النسوان إلى الخرطوم في مشوار الاثني عشر ساعة كاملة لفقدان الثقة في الاطارات بسرعة لم تتجاوز ال80كلم/ساعة. لم أقصد التورية ولا التعليمات فعذراً للسيدات، بل قصدت استراحة قصيرة وان أذكر أصحاب المدن بوسيلة مواصلات نساء بلادي المكافحات من معلمات وقابلات وزارعات في القرية وحمارتهن الصبورة صبر سيدنا ايوب، فاحذروا يا رجال اليوم من سيارات النساء. خارج النص: العقلية السودانية تحب «العكننة» وتأبى عن الجودة وغيابها ولا تجيد النهايات الجيدة والسعيدة وما العقبة التحتانية في طريق الخرطومبورتسودان إلا مثال على ذلك، وقلة اللافتات التحذيرية وخاصة عند المنحنيات والمناطق المنخفضة وانقطاع الصيانة الدورية ستجعل منه طريق الموت الثالث بعد شارع مدني وشارع كوستي في مستقبل الأيام، يوصف الطريق بالجودة ولكن ينقصه وقوف مسؤولي الطرق على هذه المعضلات فإنه انجاز ولكنه ناقص.