اتصل ابني الذي يحج هذا العام مع أمه من مكةالمكرمة قائلاً إنهم قد قيل لهم احزموا أمتعتكم للتحرك من الفندق إلى جدة للسفر بالطائرة السودانية للخرطوم. كان ذلك عصر يوم الجمعة الماضي 26/11/2010م، وبدأنا نحسب على أنه لو وصل جدة مع المغرب فإنه سيصلنا هنا «قل» حوالي العاشرة مساءً.. وظلت تلفوناتنا مفتوحة الليل كلّه دون جدوى، وحسبنا أن الأمر سيكون في صباح السبت الباكر، فمر كل الصباح والظهر والمساء وها نحن الآن في ليل السبت المتأخر، وآخر خبر أنهم أدخلوهم «يا دوب» للجوازات في جدة ومن ثم يصعدون للطائرة.. وأنا شخصياً جاهز لأية احتمالات، فقد يصلون صباح الأحد أو الإثنين أو أي يوم آخر في أي جزء من اليوم أوله أو وسطه أو آخره... لا أقول ذلك رجماً بالغيب، فتجاربي مع الطائرة السودانية شخصياً أقنعتني بذلك. ففي عام 1988 عام الفيضانات الذي كنت حاجاً فيه، أدخلونا إلى الطائرة السودانية متجهين إلى الخرطوم من جدة، ودارت المحركات بعد أن ربطنا الأحزمة، ثم فجأة انقطع التيار الكهربائي في كل الطائرة دون سبب ظاهر حتى صارت قطعة من الظلمة والحر والعذاب، فأنزلنا منها لنوضع في قاعة باردة كادت أمي وبعض خالاتي الكبار الحاجات معي ذلك العام يهلكن من البرد، ثم رددنا للطائرة بعد ساعات من البرد والحراسة القاهرة من سلطات المطار لنسافر. وقبلها في عام 77/ 1978م ركبنا الطائرة السودانية من مطار كانو في شمال نيجيريا، وقامت بنا بعد «التي واللتيا»، وبعد أن أقلعت من المطار بثلث ساعة قال لنا الكابتن بعد «لأي طويل» إن أحد محركي الطائرة قد احترق «نعم احترق» وعلمونا طرق السلامة وأدخلونا تحت الكراسي ودرسونا كيف ننقذ أنفسنا والآخرين في حالة سقوط الطائرة... ورأيت الناس يبكون على أنفسهم، ولم أبكِ حينئذٍ ربما لعدم إدراكي للمشكلة لتهوري وحداثة سني، فلما نزلت بنا الطائرة سالمة في مطار الخرطوم وجدنا المطافئ في انتظارنا، وكانت في الطائرة مضيفات فلبينيات «يبدو أن الطائرة مستأجرة لصالح الخطوط الجوية السودانية»، صارت هؤلاء المضيفات الفلبينيات يرقصن قائلات THANK GOD… THANK GOD! «شكراً لله». وبعدها وفي مناسبة أخرى مكثنا في إنجمينا أسبوعاً في ضيافة كريمة من الجالية السودانية، لأن الطائرة السودانية أخلفت موعدها أسبوعاً... وقد أخلفت مواعيدها معنا في كانو لمرات لا تحصى حتى سماها إخواننا النيجيريون .SUDDEN AIRWAYS كان انطباعي قبل وصول ابني وأمه وبحسب تجاربي السابقة الرهيبة مع سودانير، أن سودانير هي سبب تأخيرهم، ولكن ابني قلب لي الانطباع رأساً على عقب، وقال إن التأخير ليس لسودانير فيه يد، بل أن طائرتهم التي أوصلتهم للخرطوم في حوالي الساعة الواحدة صباحاً كانت قد استقرت في مدرج مطار جدة منذ الخامسة مساءً، ولكن إدارة مطار جدة كانت هي السبب لأنها كانت تفوِّج الناس بحسب جنسياتهم: الأتراك، النيجيريون، البنغلاديش، المصريون وهكذا. وأنه لو كان سمح للسودانيين بالركوب لأوصلتم الطائرة في وقت مناسب ومريح جداً. وهذا لعمري شيء جميل تستحق عليه سودانير الإشادة، ولكن يبدو أن تجاربي القديمة معهم قد سببت لي نوعاً من العقدة، جعلتني أتصور القصور ولا أتصور الانضباط. قال لي أحد الحاضرين ونحن نستقبل الحجاج: «يا عجوز هذه انطباعات أكل عليها الدهر وشرب»، وقال لي إن سودانير منذ أن مدحها الشيخ البرعي لم تزل البركات تتنزل عليها... مشيراً إلى قول البرعي: «بالطائرة السودانية لي رسولنا قوماك بيا».