يعتمد الإنتاج الروائيّ عند نجيب محفوظ في بعض تقنياته على الارتكاز على وسيلتين فنيتين تشيع إحداهما على مستوى الحوار أو المونولوج، والثانية على المستوى الفني والتحليلي، مستوى السرد أو الديالوج. ويمكن أن نطلق على الوسيلة الأولي تقنية »التناص الداخلي« حيث تتكرر شرائح من بعض المشاهد الحوارية في مواضع مختلفة من الرواية الواحدة مع اتخاذها في كل مرة منطلَقًا لتنمية إحدى زوايا الحدث. وتتكرر التقنية الثانية خلال استخدام تيار الوعي في العمل الروائيّ حيث يتوقف التيار فجأة في لحظة يمكن أن يُطلَق عليها »لحظة التقاط الأنفاس«، وهي لحظة خاطفة لكي يعود التيار بعدها إلى استكمال تدفُّقه الباطني. ويتعرض البحث للتأصيل الفني والتحليل التطبيقي من خلال نماذج من روايات نجيب محفوظ. في ظاهرة تداخل النوع الأدبي بين السردية والشعرية أحمد رشاد حسانين تأسيسًا على عوامل عدَّة ترجع إلى قانون »التطوُّر والارتقاء« وحقيقة حاجه مجتمع ما إلى شكل أو أشكال أدبية ملائمة تعبِّر عن ظروفه وحاجاته ورغبة كثير من المبدعين الملحَّة في التجريب ورفض المألوف والمستقر وذلك من منطلق الوعي والممارسة. هذه العوامل وغيرها حَدَت بتفاعلها إلى حدوث ظواهر أدبية عدَّة طرأت على الأدب وفنونه، خصوصًا الفن السردي وتداخله في فنون أدبية أخرى ربما كان أهمها ما ينتمي إلى الشعر والشعرية، وهي ظواهر حدثت في الآداب الغربية وكذلك في أدبنا العربي الحديث والمعاصر، نتيجة الظروف المجتمعية وتوافر عوامل حدوثها. إن منظِّري الأدب ونُقَّاده، يكاد يُجمِعُون على أن الأنواع الأدبية ليست ثابتة الأركان ولا مطلقة الوجود، بل كيانات متحركة متحولة أبدًا، بما يجعل من انقراض أنواع وتولد أخرى وتحولها أمرًا طبيعيًّا، بل يكاد يمثل قانون وجود هذه الأنواع ذاتها، من حيث أن الفن بطبيعته تجاوُز دائم بصفته إبداعا وخلقا متجددًا. إن الأشكال التجريبية المعاصرة -على تعدُّدها- تُعَدُّ واسطة بين الشعرية والسردية، ذلك أنها سعت نحو إدماج ما هو شعري بما هو نثري، وبخاصَّة الاتجاهات التي تبنت نفي الحدود الفاصلة بين الأنواع وتراجعت عن قوانين النقاء والوحدة، وهي اتجاهات تؤمن بأن النَّصّ هي كتلة أدبية واحدة، تتجاور فيها مستويات الخطاب وتتفاعل فيها تقنيات التعبير وأساليبه المتعددة، حيث لا يمكن التمييز بين ما هو شعري وما هو نثري. لقد غدا اندماج أنواع أو أشكال من أنواع أدبية أو تحورها بما ينتج أنواعًا جديدة أمرًا ليس بالمستحدَث أو الغريب، بل منطقيّ وطبيعيّ بصور ة أكيدة. بيد أن الأشكال الجديدة في الأدب العربي كقصيدة النثر والرواية القصيرة والأقصوصة والومضة القصصية والقصيدة القصة والقصة القصيدة واللقطة الوامضة سواء كانتا سرديتين أو شعريتين، وغيرها من الأشكال، تثير -بلا شك- قضية النوع الأدبي، حيث نشأت في الآونة الأخيرة أعمال أدبية من الصعب التعامُل معها بالمعايير التقليدية، ليس فقط على مستوى الشعر والقصة ولكن أيضًا على مستوى الأعمال المنسوبة إلى الرواية. إن ثمة انتقالاً دائمًا لعناصر السرد من القص إلى الشعر وعناصر الشعر من القصيدة إلى السرد والقص، وهو أمر لا يمكن تصوُّره بمفهوم الكتلة التي يجب أن تنتهي حدودها لتبدأ حدود كتلة جديدة، ولكن يمكن تصوُّره بمفهوم التيارات الهوائية التي تتداخل فيها ذرات الماء والهواء والتراب والضغط الجوي والساخن والبارد، لإنتاج كتلة قابلة نوعًا ما لأن تكشف بعض عناصرها ولكنها غير قابلة للتحول مرة أخرى، لأن المساس بعنصر منها يغير من حالتها التي هي عليها إلى حالات أخرى لها ملامح مغايرة. إن النموذج السردي الجديد، غدا يرتكز على شعرية النَّصّ وشعرية الأداء أيضًا، وهو يعيد إلى اللغة وظيفتها الأولى باعتبارها طاقات انفعالية، لهذا اتجهت كل هذه النصوص إلى شعرية اللُّغة المركزة المكثَّفة، وهو أمر طبيعيّ لسرد اتجه معظمه إلى تقديم الواقع الداخلي للإنسان، أكثر من اهتمامه بتقديم الواقع الخارجي الذي لم يعُد كافيًا لتقديمه على مستوى حركته الداخلية والخارجية، وهو ما يُلاَحَظ في تكنيك المونولوج الداخلي الذي أصبح ظاهرة في صياغة السرد المعاصر خصوصًا الكتابات الشبابية. وتحاول هذه الورقة تأكيد هذه الظاهرة، وتشير إلى بعض محاولات نقادنا في التعامل معها والبحث عن العوامل التي تؤدِّي إلى تفاعلها وحدوثها.