حتي وقت قريب كانت مدينة بورتسودان هي الوجهه المفضلة التي يقصدها الباحثين عن قضاء لحظات سعيدة إحتفالا بأعياد رأس السنة والتي بغض النظر عن الخلاف الفقهي الدائر حولها أضحت واقع، وكانت المدينة الساحلية ترتدي أبهي حللها لأستقبال زوارها القادمون من مدن مختلفة كالخرطوموكسلا وودمدني، ومناظر استعداداتها تبدأ في منتصف ديسمبر وتتبدي جليا في تزين الطرقات والفنادق التي ترفع حالة التأهب القصوي، علاوة على الإصلاحات التي تطال الأماكن التي يقصدها المحتفلين برأس السنه مثل الركن الهادي «في الماضي» والسي لاند وغيرها من كورنيشات حديثة وجميلة تقع قبالة البحر الأحمر، وكانت الاحتفالات التي تحتضنها المدينة تحدث حراك اقتصادي كبير بسبب مايضخه الزائرون من مال في أوردة السوق المحلي، والوضع في العاصمة لم يكن بعيدا عما يجري في حاضرة البحر الأحمر فذات المشاهد كانت تكرر عبر سكان الخرطوم والقادمون من مدن قريبة للمشاركة في احتفالات رأس السنه التي تتنوع فكل يحتفل حسبما يهوي ويريد . ولأن طموح الإنسان في أشباع رغباته لا ساحل و لاحدود له، تغير الواقع مؤخرا ولم تعد بورتسودان بجمالها مقصدا لسواح الداخل، واحتفالات الخرطوم برأس السنه بكل زخمها أضحت غير جاذبة للكثيرون، وكسلا بكل سحرها وطبيعتها الفاتنة باتت وجهه غير مفضلة، ولكن أين يذهب الشباب والأسر للأحتفال بمناسبة رأس السنه وأعياد الميلاد؟ يجيب الشاب محمد عثمان الفاضل قائلا: أسمرا وأدس ابابا أصبحتا وجهتين محببتين للكثيرون من الشباب الذين يفضلون الأحتفال بمناسبة رأس السنه في أثيوبيا وأرتريا وذلك لأسباب متعددة ابرزها بطبيعة الحال أنخفاض مستوي المعيشة في الدولتان ،وانا وبرفقة عدد من اصدقائي ظللنا نحرص منذ اربع سنوات علي السفر عام الي أثيوبيا وأخر الى ارتريا ووجدنا ان أسعار الفنادق والاكل أقل بكثير من السودان ولاتوجد مقارنة ومأئة دولار فقط في كلتي الدولتين تكفي لمنصرفات أسبوع كامل وهذا المبلغ لايفئ في أي مدينة سودانية بمنصرفات يوم واحد وذلك للغلاء الغريب والطاحن، ومن الأسباب التي تجعل الكثيرون يفضلون الذهاب الى أسمرا وادس أبابا الأحترام الكبير الذي نحظي به كسودانين، كما لاتوجد قيود على الحفلات التي تستمر حتي الصباح وهناك حرية كاملة لزيارة كل المناطق السياحية، وبكل صدق أقول نحن نمتلك كل مقومات السياحة ولكن لايوجد اهتمام بها وفي أثيوبيا وارتريا يوجد اهتمام بالسياحة بالأضافة الى أن الدولتين تمتلكان طبيعة ساحرة واجواء أكثر من رائعة ...الزميل أزهري النور «ابونورة» الكاتب الصحفي بمدينة كسلا أقر بأن مدينته الجميلة تحولت لمجرد معبر الى أرتريا وتحسر علي ماضيها حيث كانت وجهة سواح الداخل المفضلة وأضاف :الواقع تغير تماما ولم نعد نشاهد قادمون من مدن أخري للأحتفال برأس السنه او قضاء شهر العسل بكسلا، والكثيرون منهم يفضلون السفر الى أرتريا التي نجحت في سحب البساط من معظم المدن السودانية وذلك لامتلاكها لكل مقومات الجذب السياحي المتمثل في المعاملة الطيبة والأمان والمناظر الطبيعية الجميلة وانخفاض تكلفة الحياة حيث تتميز أرتريا باسعار متواضعة الى أبعد الحدود مقارنة مع الوضع في السودان، فتكلفة قضاء زوجين لشهر العسل في اي مدينة ارترية لمدة أسبوعين لاتتجاوز السبعمائة جنيه سوداني والتي لاتكفي في كسلا مثلا لأسبوع واحد، هذا بخلاف الحرية التامة التي يجدها السائح السوداني في التحرك لكل المناطق السياحية الكثيرة والتي لاتوجد لدينا ،فكسلا مثلا تنحصر في جبال توتيل والسواقي ولاتوجد أماكن سياحية طبيعية اخري عكس المدن الارترية الجميلة والمتنوعة. وهنا نشير الى أن السفر الي أثيوبيا وارتريا غير معقد الأجراءات فعبر تصريح من إدارة الجوازات بكسلا والقلابات بالقضارف يمكن للسائح السوداني دخول أحدي الدولتين ،وتبدأ رحلة السفر الى أثيوبيا عبر القلابات بعد قطع خور عطرب وأول مدينة اثيوبية يقابلها الزائر عبر القلابات هي المتمة الاثيوبية التي تبعد عن العاصمة ادس ابابا قرابة العشرون ساعة ولطول المشوار يفضل الكثير من الشباب السودانين الأحتفال برأس السنه في مدن اثيوبية قريبة من حدودنا مثل قندر ومقلي وبحردار التي يصفها السودانين بالمدينة الأجمل في أفريقيا وتعتبر وجه مفضلة لهم، أما ارتريا فاول مدينة قبالة كسلا هي تسني التي تبعد عن العاصمة اسمرا حوالي سبع ساعات ورغم طول هذا المشوار لاتتجاوز تذكرة البص السبع عشر حنيه سوداني، ويفضل السودانين النزول في الفنادق التي تقع في شارع كمشكاتو الشهير، وحول أعداد السودانين الذين يزورون الدولتين في مثل هذه الأيام أفادني أحد المصادربكسلا أن الفترة مابين منتصف الى نهاية شهر ديسمبر تشهد دخول اعداد كبيرة من السودانين الى ارتريا معظمهم من الشباب ويوميا تتحرك صوب تسني أكثر من عشرون عربة تحمل مالايقل عن مائتية مواطن سوداني ،وقال أن العدد يرتفع في نهاية ديسمبر الى الضعف ،وقدر الأعداد التي تسافر الى أرتريا خلال مثل هذه الأيام بالخمس ألف شاب ومواطن ،اما القضارف وعبر القلابات يفضل الكثير من الشباب الدخول بالعربات التي أقلتهم من مدن السودان المختلفة الى الأراضي الأثيوبية وتم تقدير عدد الذين يدخلون اثيوبيا لقضاء أيام احتفالات رأس السنه بالسبع ألف معظمهم شباب . ولكن البعض يوجه البعض للشباب الذين يفضلون السفر الي ارتريا واثيوبيا في شهر ديسمبر بانهم يقعون في بعض المخالفات الشرعية وأنهم يبحثون عن حرية مفقودة في السودان ويريدون التحررمن قيود السلطات المفروضة على احتفالات رأس السنه، حامد الشيخ شاب من الخرطوم رفض هذا الاتهام جملة وتفصيلا وقال مدافعا: البعض يعتقد زورا أننا نبحث عن المتعة الحرام وهذا حديث لا أساس له من الصحة ومن يريد ارتكاب المعاصي يمكن ان يفعلها في السودان ،ونحن نسافر سنويا الي العديد من الدول وعلي رأسها أثيوبيا والتي أعتبرها واحدة من أجمل الدول في العالم وبها شعب راق ومتحضر يقدر قيمة الانسان والزائر وعندما نذهب نقضي أيام رائعة وجميلة والمتعة لاتعني الوقوع في المعاصي بطبيعة الحال، فجمال الطبيعة والنظافة والنظام أشياء نفتقدها في وطننا لذا نبحث عنها في دول أخري، ويضيف حامد :البعض يرتكب أخطاء وتجاوزات وهذا أمر طبيعي ولكن الكثيرون ومنهم أسركريمة يذهبون بحثا عن لحظات صفاء بعيدة عن مايحدث في السودان من معاناة صادرت الفرح والأبتسامة من معظم الشعب السوداني . لم تقنع الأجابات والدفوعات السابقة الأستاذ علي حسين علي الذي أعتبر مثل هذه الظواهر خطيرة وسالبية وقال أن الكثير من الممارسات الخاطئة والمعاصي يرتكبها الذين يختاروا بعض دول الجوار مكانا للأحتفال بمناسبة رأس السنه ،وأشار إلى ان المناطق الحدودية المتآخمة للسودان لاتوجد بها أماكن سياحية وهي تبعد قرابة المائتي كيلو عن المدن داخل أثيوبيا وارتريا ، من جانبه جاءت رؤية الخبير الاقتصادي بجامعة الخرطوم الدكتور محمد الجاك أحمد مختلفة حيث أعتبر أن التدفقات السكانية ناحية دول الجوار في هذه الفترة مرتبطة بالظروف الاقتصادية والسياسية ،وأشار الي أنه خلال الفترة الماضية لم تكن هناك فرص ومساحات كافية للشباب للاحتفال باعياد رأس السنه لاسباب وصفها بالمعروفة، وقال أن هذا الأمر جعل هناك انفتاح على دول الجوار خاصة اثيوبيا وارتريا وذلك للتكلفة الاقتصادية بهذين البلدين وسهولة الدخول اليهما، واوضح أن الشباب يأخذون سلع نوعية لبيعها في الدولتين وذلك لتغطية منصرفات الرحلة رغم أم هذا النوع من التبادل الاقتصاديس يأتي خارج الأطر القانونية، وقال:مثل هذه الزيارات المتبادلة تسهم في تقوية العلاقات بين البلدان الثلاث وهي سانحة طيبة ليتعرف الشباب علي تجارب دول أخري في مختلف المجالات، أما من ناحية اقتصادية فهناك ضرر مؤقت يقع على الاقتصاد السوداني ويتمثل في ان الانفاق الذي ينفقه الشباب في الدولتين كان من الممكن أن يسهم في تحريك العديد من القطاعات الاقتصادية المحلية، علاوة علي ذلك تفقد البلاد عملات حرة تذهب لصالح بلدان أخري بالإضافة الى عائد السلع التي يحملونها، ولكن بصفة عامه أعتبره حراك طبيعي في مثل هذه الظروف والأيام .