كان حفل التأبين الذى أقامه فى الشهر الماضى معهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة للراحل المقيم السفير بشير البكرى، حافلاً بكثير من المعانى لتكريم مسيرة حياة وعطاء هذا الراحل الكبير الذى كانت حياته تجسيدا لعمق العلاقات المصرية السودانية. كان بشير البكرى ضمن مجموعة الخريجين الذين ابتعثتهم الحكومة المصرية للحصول على درجة الدكتوراه من فرنسا، حيث أنجز رسالته العلميه فى عام 1943م وزامل فى هذه الفترة عدداً ممن عادوا في ما بعد ليسطعوا كنجوم فى سماء الحياة العامة المصرية. وقد إمتاز البكرى عنهم بأنه كان كبيرًا فى عطائه لبلديه السودان ومصر معا، فقد كان الراحل إبناً باراً لوادى النيل بقطريه معا، حيث كان له عطاء وأفر فى المجالات الدبلوماسية والقانونية والثقافية والفكرية وأيضا فى مجال العمل الأهلى. كما عمل كأول سفير للسودان فى فرنسا ثم فى عدة بلدان أخرى، وعمل فى اليونسكو وترأس معهد «سرس الليان» التابع لها فى مصر. وظل طوال حياته وفى كل المواقع التي شغلها نبراساً للعمل الجاد المثمر وجسرا للتواصل، داعياً إلى الوفاق ولم الشمل برؤية انسانية تتسم بالرحابه والسماحة. كانت القاعة على إتساعها مزدحمة بالحضور من أجيال وتوجهات ومشارب مختلفة، قد يختلفون فى كثير من الأشياء ولكنهم يتفقون فى الشعور بالتقدير والعرفان تجاه الراحل وما قام به من أعمال جليله، تحدث عميد المعهد الدكتور محمود أبوالعينين وممثل رئيس جامعة القاهرة وإحدى رائدات العمل الأهلى المصرى التي شاركت مع الدكتور بشير فى العديد من الأعمال، والمستشار الإعلامى عبدالملك النعيم المستشار الإعلامى والذى شارك ممثلاً لسفارة السودان بالقاهره. وممثل وزير الخارجية أحمد أبوالغيط قال إنه حين كلفه الوزير بأن ينوب عنه فى هذا الحفل، بدأ فى التنقيب فى سيرة الراحل الكبير وأعماله، وقال إنه شعر بالأسى لأنه لم تتح له الفرصة لكى يلتقيه فى حياته، لكى ينهل من منهله العذب. كبرى بناته زينب، تحدثت عن الجانب الانسانى فى شخصية الدكتور بشير وقالت إنه لم يكن يغضب أبداً، وأنه كانت لديه القدرة على ضبط إنفعاله ولا يتعامل إلا بالحسنى بآذلاً الود والمحبه لكل من حوله. وقد أثارت زينب البكرى الكثير من الشجون حين حكت كيف إصطحبها والدها مع أخواتها فى رحلة بالسيارة من بيروت إلى القدس لزيارة المسجد الأقصى قبيل حرب 1967م بقليل، وكانه كان حريصاً على تزويد بناته بهذا الزاد الروحى العظيم، قبل أن يصبح الأقصى أسيراً. الدكتور الواثق كمير صهر الراحل وإبنه الروحى، كان قد هاتفنى قبل أشهر وقال أنه بصدد جمع أعمال الراحل لإصدارها فى كتاب فى الذكرى السنوية الأولى لرحيله، وطلب المساعدة فى جمع أعمال الراحل المنشورة فى صحيفة «الأهرام» فهالنى ذلك الكم الكبير من المقالآت ومن الأخبار المتصله بأنشطته، والتي جمعناها من الموقع الإلكترونى للصحيفة ومن قسم الميكروفيلم. فقد كان الراحل إلى آخر حياته حريصاً على الإسهام بمثابره نابعة من حس عميق بالمسئولية والإنتماء. رغم تقدمه فى السن، كان حريصاً على المشاركة فى كل الأنشطة الفكرية والثقافية التي تقام فى الخرطوم، كنت ألقاه فى العديد من المحافل التي كان لي حظ المشاركة فيها، وكان كثيرا ما يستبقينى إلى جواره، ويزودنى ببعض خبراته ونصائحه عن العلاقات المصرية السودانية وفى الحياه بشكل عام، وحين يأتى أصدقاء يستعجلونى للذهاب إلى مكان آخر، يقول لهم بروحه الأبويه الحانية دعوة بعض الوقت فإن ما أقوله له، لن يجده لديكم. كما كان لي حظ الإشتراك معه فى إحدى ندوات مكتبه الإسكندرية وكانت ثالثتنا الدكتوره إجلال رأفت، وسافرنا معا بالقطار ذهابا إياباً بصحبة صديقه الدكتور سمير عليش والإذاعى الكبير سعيد عماره، تحدث فى الندوة بذهن حاضر، وطرح رؤيته لحل المشكلات السودان فى إطار من السماحة التي لم تخدشها كل الاحتقانات السودانية بتعبيراتها العديدة . عقب الحفل هاتفنى الدكتور الواثق مساء، كان يحكى لي بغبطه عن إنطباعاته، وحكى لي عن حياة الدكتور بشير فى بيته وبين أهله وتواصله مع أحفاده، وما كتبته إبنته راوية فى تأبين جدها بالخرطوم. فقلت له لقد كان الراحل يعتز بك كثيرا، حيث أشار فى أحد حواراته معى، إلى أنك صهره، فقال لي وماذ قال لك؟ قلت له لم يكن بحاجه لأن يفصح فقد كانت نبرة صوته تشى بالإعتداد وبمحبة الأب لابنه. رحم الله بشير البكرى وأسكنه فسيح الجنان وأجزل له المثوبة والعطاء بما أعطى وقدم لشعبه وإمته . على هامش الأحداث ٭ تصريحات الرئيس البشير بالقضارف حول عدم الإعتراف بالتعددية، وتخليص الدستور من «الدغمسه التي وضعت فيه» أثارت القلق من عودة الإنقاذ إلى مربعها الأول، لو كان المقصود - كما قيل- هو رسالة تخويف للغرب، لكى لا يضغط كثيرا على الإنقاذ، فقد أخطأت الرساله هدفها، إنها أشبه بمن يجدع أنفه لكى يغيظ الآخرين، السودان بحاجة إلى بناء تكتل وطنى لمواجهة تداعيات الانفصال وما سوف يليه من تطورات، وليس المزيد من المجابهات والاستقطابات. ٭ رد الدكتور نافع على مطالبات الصادق المهدى بحكومة قومية أو الإعتزال أو التوجه للمعارضة المسلحة. كان خاليا من السياسة ومرتكزا على القوة. لا أدرى كيف وضع الإمام الصادق بخبراته المتطاوله نفسه فى هذه الزاوية الضيقة؟! ولكن كان ينبغى أن يكون الرد باحثا عن مخرج وتسوية. وليس داعيا للنزال. ٭ دعوة تجمع المعارضة إلى عقد مؤتمر دستورى بعد انفصال الجنوب لكى يقرر الملامح الدستورية والسياسية لشمال السودان، تفتقد إلى الموضوعيه. فهذه المهمة يجب أن تناط بجمعية تأسيسية منتخبة، وليس إلى تجمع فشل فى الانتخابات الماضية حتى فى أن يتفق على مرشح رئاسى، أو على المشاركة من عدمها. وفشل تقريباً فى كل شئ. فبأى صفة يجلسون لوضع دستور. واللافت أنها نفس الوجوه بنفس طريقة الخطاب بنفس المتحدث ياسم التجمع؟ كل شئ يتكررلإعادة إنتاج الفشل.!