ليست عوادم السيارات وحدها التي تسبب التلوث، فهناك مسببات اخرى لا حصر لها تسبب انواعا من التلوث، وعلى سبيل المثال فإن تشغيل الأغاني الهابطة على مدار الساعة في حافلات نقل الركاب، تتجاوز الانحدار بالذوق العام الى حالة من الاحباط، في وقت يعاني فيه المواطن حالة شد ذهني بسبب الاوضاع الاقتصادية المتردية. كانت عربة الهايس القادمة من وحدة الحاج يوسف تسابق الريح.. السائق مشغول بتجاوز السيارات التي امامه.. كان الركاب يترنحون يمنة ويسرة بسبب ميلان الحافلة الناجم عن التخطي والسرعة .. كان صوت الايقاعات وصخبها اشبه بايقاعات الموت عند القبائل الإفريقية، وكان صوت ذلك المغني حادا وهو يردد «اضربني بمسدسك واملاني انا رصاص». وفجأة يصرخ احدهم في حالة هستيرية امرا السائق بتغيير هذا الشريط الكارثي .. كانت صرخة الراكب قد كسرت حاجز الصمت.. ليتهم احدهم سائقي الحافلات خاصة الهايس بنشر الاغاني الهابطة.. وقبل أن يكمل انتقاده انتقي السائق أغنية اقل تلوثا يقول نصها «كاتبني وين عند ياتو شيخ» فآثر الركاب الصمت، وبعد انتهاء الاغنية جاءت التي تليها لتقول «قايلة القصة زي مهند ونور انتي عيانة شوفي ليك دكتور»..!! لقد باتت وسائل النقل من حافلات وهايس ادوات لنقل الاغاني الهابطة، بعد ان تراجعت الاغاني المرتبطة بالقيم النبيلة لاهل السودان. «الصحافة» استنطقت عددا من المواطنين حول ما تبثه الحافلات من اغانٍ .. احد المواطنين فضل حجب اسمه قال: خلاص هي بقت علي الاغاني؟ اهتموا باللحم الحي من معايش واكل عيش، وشوفوا من الذي حولنا لمجانين يمشي الواحد فينا وهو يحدث نفسه.. ولن اتهم اصحاب الحافلات فهذه اغانٍ تمت اجازتها بواسطة اجهزة رسمية وان كانت غير مجازة، فالمصيبة اكبر مما يعني ان الجهات المعنية تبارك نشر هذا التلوث. وتشير علياء كمال الى ان سائق الحافلة او الرقشة لا يهمه ذوق الآخرين، والمهم ارضاء ذوقه هو، وهذا الايقاع المتسارع الذي يتواءم مع ايقاع عمله. اما مهند عبد الله موظف، فقد طالب سائقي المركات العامة بمراعاة ذوق الناس باختيار الاغاني الجميلة وذات المضامين الهادفة، فالشعب السوداني يحب الأغاني الجميلة ذات المعاني السامية.. فيما طالبت إحسان محمود وهي ربة منزل سائقي الحافلات بتشغيل القرآن الكريم والمحطات الدينية حتى يحصل المواطن على جرعة تمكنه من احتمال حالة الضنك التي نجمت عن فشل الحكومة حتي زلزلت ايمان الناس وفتنتهم في دينهم. وعلى غير ذلك جاء رأي جهاد الذي طالب بابعاد القرآن والمحطات الدينية، وذلك لأن الناس يكونون مشغولين بالحديث والثرثرة، بينما تتطلب التلاوة حالة من الانصات والخشوع، لذلك يرى جهاد انه لا مانع من تشغيل الاغاني شريطة ان تكون اغاني مجازة. فيما ذهب الدسوقي محمد احمد الى تشغيل الادعية مثل دعاء السفر. ومن جانبها طالبت هناء محمد موظفة بايجاد قانون لحماية الذوق العام حتى يريح الركاب من تغول ذوق سائقي الحافلات، فيما رفضت هدي صلاح مثل ذلك التوجه، فالاغاني بعد يوم ملئي بالتعب تروح قليلا عن النفس بغض النظر عن سيطرة الاغاني الهابطة علي الحافلات. الدكتور محمد الحسن الجاك الخبير الاجتماعي، قال ل «الصحافة» إن انتشار الاغاني الهابطة مؤشر على حالة اعتلال عامة اصابت المجتمع كله بكافة مكوناته وشرائحه، وهي ادانة صريحة للسياسات الحكومية في كل توجهاتها، خاصة الاجتماعية. وطالب الدكتور محمد الحسن بعدم دمغ أية فئة بأنها تسوق لبضاعة فاسدة، فالذي كتب تلك الكلمات جادت قريحته بتلك المفردات المتواضعة، لأنه لم يعمل على تنمية موهبته وتذويقها، لأنه يلهث من أجل لقمة العيش، فلم يوفر قيمة كتاب ليطالعه. وخلص محمد الحسن الى ان حالة الاضطراب تتجاوز الغناء الي غيرها من مخرجات الحراك الاجتماعي، وستبقي ما بقيت العلة. سائق احدى عربات الهايس من ماركة الكريز، رفض اتهام شريحة سائقي الهايس بتلويث الذوق العام. وقال إن سائقي الحافلات يعملون وفق مؤشرات عامة، ويأتي تشغيل الاغاني استجابة لرغبات الركاب، فيما قال السائق جاه الله وهو في الاربعين من العمر، انه دأب على تشغيل القرآن الكريم، مؤكدا أن الركاب يلزمون الصمت بمجرد بدء تشغيل المصحف المرتل.