ثمة سؤال يتبادر إلى الاذهان ( أيهم أجدى بقاء الامور على حالها في سودان ما بعد السابع من فبراير الذي اصبح فيه الانفصال امرا واقعا يجب التعاطي معه ، ام خلق حالة من التغيير في النصوص الدستورية تتوافق والحدث )، فعلى بعد خطوات من اقتران الابيض بالازرق كآخر رموز للوحدة في السودان ستناقش قضايا الانفصال ومخرجاته الدستورية من داخل مبنى البرلمان، حيث لم تعد مواد الدستور الانتقالي ال 226 مادة تعبر عن سودان ما بعد الاستفتاء الذي تغيرت فيه الجغرافيا والحدود والسياسة والسكان، مما يجعله يتطلب تغيرا آخر نص عليه الدستور نفسه بضرورة تغيير النصوص وابعاد تلك المتعلقة بالجنوب في الدستور بعد ان اختار هو الانفصال بشرعية نيفاشا وتقرير مصيرها ، وهو الامر الذي جعل رئيس المجلس الوطني احمد ابراهيم الطاهر يمضي بحديثه نحو ضرورة اعادة رسم الخارطة الدستورية في البلاد خارطة شمالي هواها تبدأ من المكان المجاور لنقطة التقاء النيلين في البرلمان الذي سيبتدر دورته القادمة بعضويته الشمالية فقط ، وهو ما يعني التزام مؤسسته بالتطبيق الصارم للدستور الانتقالي واحترامه الاحترام الذي بدا واضحا في ترحيب مجمل الاعضاء بنتيجة الانفصال التي افرزتها ما عدا بعض الاصوات التي رفضتها واعتبرتها دليلا على فشل الدولة ونظامها الحاكم . كانت تلك هي الاجابة الاولى والتي لحقتها اجابة اخرى كان مصدرها هذه المرة وزارة العدل حيث سلم وزير العدل الهيئة التشريعية القومية نسخة من الدستور الانتقالي بعد ان قامت الوزارة بمراجعته واسقاط كافة المواد المتعلقة بالجنوب عنه وتقليص مواده من 226 الى 128 مادة. واكد الوزير لدى ايداعه المسودة ان الدستور الذي سيسري على السودان الشمالي هو الطبعة المراجعة واشار الى انه سيظل يحكم البلاد لحين وضع دستور دائم. واوضح بأن المراجعة لا تعني تعديلا للدستور وانما الدستور نقح نفسه قاطعا بأن ذلك لا يحد من اجراء التعديلات عليه في مرحلة لاحقة وهو الامر الذي اثار حالة من التباين في الرؤى بين اعضاء البرلمان ، وتباينا في مواقف قيادات كتلة المؤتمر الوطني الذي رأى بعضهم استمرار مؤسسات الدولة كما هي عليه حتى التاسع من يوليو، وارجاء اية تعديلات او تحسينات او اسقاطات من الدستور الانتقالي بعد الفترة الانتقالية، الا ان رئيس البرلمان رأى ان اي مقارنة ما بين نص قانوني وآخر دستوري قاطعا بأن اي تعارض قانوني مع الدستور يحسم بسريان النص الدستوري. وقال ان ما قام به الوزير مجرد عمل فني بحت واكد انه لا يتناقض مع ما يجري من حوار بين حكومتي الجنوب والشمال والشريكين حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء. متمسكا بضرورة الالتزام بالدستور الذي يقول بابعاد الاعضاء الجنوبيين من داخل قبة البرلمان . الاجابة المتعلقة بضرورة الالتزام بالنص الدستوري التي جاءت عبر رئيس البرلمان والخطوة الفعلية وزارة العدل وجدت رفضا في اتجاه آخر مثله نائب رئيس البرلمان القيادي بالحركة الشعبية اتيم قرنق حيث ، (طالب نائب رئيس المجلس الوطني اتيم قرنق بالاحتفاظ بالدستور الانتقالي كما هو دون تعديلات حتى التاسع من يوليو المقبل، وهدد في حال التمسك بإسقاط حقوق الجنوبيين المكفولة بالدستور قبل انتهاء الفترة الانتقالية بأن تسقط التزامات الجنوب بدفع 50% من ايرادات بتروله للشمال، وقصر ذلك على تأجير الانابيب وخلافه باعتبار ان المواد المراد اسقاطها تتحدث ايضا عن تقاسم الثروة الى جانب السلطة، محذرا من ان دولة الجنوب لم تعلن بعد واكد ان السودان سيظل موحدا حتى الثامن من يوليو ). الاختلاف داخل قبة البرلمان يطرح تساؤلا حول ايهم افيد اعادة صياغة الدستور الآن ام الانتظار حتى حلول التاسع من يوليو نهاية الفترة الانتقالية واستحقاقاتها وقضاياها العالقة ؟ حملت السؤال الى الخبير الاستراتيجي الدكتور حاج حمد محمد خير الذي اتجه نحو انتقاد ما اسماه سياسة معالجة القضايا وفقا لنظرية التجزئة مشيرا الى ان قضية البرلمانيين الجنوبيين هي جزء من كل يجب التعاطي معه وفقا لهذا الاساس وعلى الشريكين الالتزام بالمعالجة المنهجية وهي تتطلب وضع خارطة زمنية للانتهاء من كل القضايا وليست قضية واحدة واضاف حاج حمد ان هذا النوع من المعالجة ربما يقود لتأزيم الموقف اكثر واعتبر ان هذا النوع من الانتقائية مرفوض الآن ،مشيرا الا ان البرلمانيين الموجودين الآن جاءوا وفقا لاتفاقية نيفاشا التي تنتهي في التاسع من يوليو ويجب ان تنتهي بكل قضاياها ،مشيرا للقضايا العالقة في ابيي وقضايا النفط التي اشار لها اتيم قرنق واعتبر ان هذا النهج هو عملية اختطاف للقضايا وليست معالجات لها قبل ان يتساءل عن نقطة اخرى تتعلق بتمثيل الوطني في مؤسسات الجنوب ومستقبل هذا التمثيل واضاف ان هذه العملية يمكن قبولها في حال انها ستكون الخطوة الاولى في عملية تسليم وتسلم منهجي لمجمل القضايا المختلف حولها بين الجانبين وهو ما لا يمكن حدوثه في ظل غياب منهجية ادارة القضايا وغياب عملية تحمل المسؤولية تجاه القضايا الوطنية المميزة للطرفين. وختم حديثه بان خطوة ابعاد البرلمانيين وحدها بلا خطوات اخرى لن تضع المعالجات للقضايا العالقة بينما اتجه رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة جوبا الدكتور عمر عبد العزيز منحىً آخر طالب فيه بابعادهم فورا وهو ابعاد ينص عليه الدستور وواقع الانفصال الآني واعتبر ان عملية التمديد لا تعدو كونها مجاملة سياسية فقط واضاف ان المنطق ايضا يفترض اتخاذ مثل هذه الخطوة باعتبار انهم صاروا اجانب بمجرد اختيارهم للانفصال وقال عبد العزيز ان السؤال الملح الآن هو هل البشير له الآن سيادة على الجنوب ؟؟ وقال ان القضايا العالقة هي قضايا تحسمها الارادة السياسية ولا علاقة للبرلمان بها مؤكدا على ان البرلمان الآن صار هو برلمان الشمال ويجب ان يناقش قضايا الشمال فقط، مستدلا بقضية ابيي فهل يعقل ان تناقش في وجود الجنوبيين داخل برلمان الشمال مضيفا ان اتفاقية نيفاشا انتهت بمجرد اعلان الانفصال وان مجمل القضايا العالقة لن تتأثر بابعاد البرلمانيين الآن وهو القرار الذي يجب اتخاذه. جدل البقاء والمغادرة لبرلمانيي الجنوب التي جاءت بهم انتخابات ابريل اعاد للاذهان مرة اخرى التجربة البرلمانية السودانية بعد العام 2005 ودور البرلمان نفسه في معالجة القضايا السياسية، المعالجات التي كانت تتم وفقا للاستراتيجيات السياسية وعلاقات الشريكين اكثر من خضوعها لرغبة البرلمان والذي كانت تحسم قضاياه الاغلبية الميكانيكية للمؤتمر الوطني بالرغم من انه لم يلجأ اليها وهي ما تشير إلى ان البقاء وعدمه الآن سيان في ظل نظرة موضوعية لتركيبة البرلمان التي يسيطر عليها الوطني وهو ما يجعل الكثير من المراقبين يستبعدون جدواه وقدرته على معالجة قضايا الشريكين العالقة التي كانت تتم خارجه يضاف لذلك عامل آخر يتعلق بان عملية حسم اي خلاف كانت تتم من خلال اللجوء المباشر لمواد الاتفاقية التي تعلو على مواد الدستور والتي يمكن اللجوء لها الآن حتى في ظل عدم وجود برلمان الا انه في المقابل فان الكثيرين يرون ان استمرارية اعضاء البرلمان الجنوبيين في مناصبهم من شأنه ان يقرب حدة الخلاف ويساهم بشكل مباشر في تسهيل عمليات الاتفاق على قضايا ما بعد الاستفتاء وعلى قضايا اخرى تتعلق بعمليتي المشورة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق. وقبل كل ذلك يمكن ان تقلل من المواجهات الكلامية التي صعدت للسطح مؤخرا باستخدام كل طرف لورقة الضغط التي يمتلكها كما حدث في حديث اتيم قرنق. انتهاء جدل الوحدة والانفصال داخل البرلمان بانتصار خيار القادمين من الجنوب ولكنه فتح باباً للجدل الجديد حول الاستمرارية والمغادرة، جدل تتداخل فيه العوامل السياسية والقانونية وتطارده القضايا العالقة التي تنتظر بدورها حسم الجدل حولها .