مفاهيم الخدمة العامة وشروطها توطئة : وردت الخدمة العامة في اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية 9/1/2005م في ثنايا بنود بروتوكول قسمة السلطة بما يشير إلي أنه من أدوار حكومة الوحدة الوطنية أن تكون الخدمة المدنية القومية لاسيما المستويات العليا والمتوسطة ممثلة لشعب السودان . جاء في قانون استفتاء جنوب السودان لسنة 2009م أن يدخل طرفا الاتفاقية في مفاوضات تهدف للاتفاق علي المسائل الموضوعية لما بعد الاستفتاء ومن ضمن هذه المسائل الخدمة العامة ، جاءت هذه الورقة لوضع معالم في طريق معالجة اوضاع الجنوبيين بالخدمة العامة للجنوبيين واثر هذه المعالجات في دفع الجنوبيين للانحياز للوحدة وجعلها خيارهم الأفضل و الاثار التى تترتب على الجنوبيين من اختيارهم للانفصال ، والاستهداء ببعض التجارب العالمية في هذا المجال والأسس التي وضعها القانون الدولى في حالات خلافة الدول. الخدمة في هيئات الحكومة الرسمية من قبيل الخدمة العامة PUBLIC SERVICE تنقسم بصفة عامة إلي قسمين رئيسين هما : 1. الخدمة العسكرية : ( MILITARY SERVICE ) وتعبر عن الخدمة العامة في كافة الأجهزة والمرافق العسكرية . 2. الخدمة المدنية ( CIVIL SERVICE ) وتعبر عن الخدمة العامة في الهيئات غير العسكرية وأهم فرع فرع الخدمة المدنية هو الذي يضم العاملين في المنظمات الحكومية ( المصالح ، المؤسسات العامة ، المحليات ) . مفهوم الخدمة العامة : مصطلح الخدمة المدنية : تختلف التعريفات بالنسبة لمفهوم الخدمة العامة أو الوظيفة العامة من نظام لآخر نورد بعض التعريفات بالإضافة إلي تعريف القانون السوداني . فهي تعني ( مجموعة من الفعاليات التخطيطية والتنظيمية والرقابية المتعلقة بتهيئة العاملين للجهاز الحكومي للدولة واستخدامهم ورفع كفاءتهم وتحديد حقوقهم وفقاً للنظم والتشريعات واللوائح المعدة باقتراح منها لهذا الغرض )(1) . تعريف الوظيفة العامة في النظام المفتوح هو ( أن الوظيفة العامة عمل متخصص حيث يشغل الفرد وظيفة تشمل مجموعة من الواجبات المتخصصة وتتوافر فيه صفات معينة ترتبط بنظام التعليم وكذلك بالنظام السياسي) والدول التى تتبني هذا المفهوم هى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وسويسرا وفنلندا ويسمي هذا النظام ( نظام الوظيفة العامة ذات البنية المفتوحة )(2). أما في النظام المغلق( فإن الوظيفة العامة مهنة يتفرغ لها الموظف طيلة حياته وتتميز بالاستقرار والاستمرار ولا تحتاج للتخصص الدقيق بل التخصص العام ويعين الفرد بالوظيفة بناءاً علي شروط معينة ويبقي فيها حتى يستقيل أو يحال للمعاش أو يفصل لأسباب تأديبية أو مرضية ) (3) و يتبني هذا النظام أغلبية الدول الغربية كفرنسا وألمانيا وإنجلترا وكذلك اليابان وسمي هذا النظام بنظام الوظيفة العامة ذات البنية المغلقة . القانون السوداني عرف الوظيفة العامة بأنها (مجموع الواجبات والمسئوليات والسلطات التي تستمد من سلطة ذات اختصاص لفرد واحد بغرض إنجاز الخدمات المنوطة بها لصالح الوحدة التي يعمل بها) (4) . التعريف الجامع أنها مجموعة من الواجبات والمسئوليات التي تحددها السلطة المختصة وتتطلب فيمن يقوم بها مؤهلات واشتراطات معينة ويعني ذلك أنها قدر محدد من ومخطط من الأعباء والمسئوليات يقوم بها الفرد لتحقيق هدف معين أو جزء من هدف يتصل بالصالح العام أو بخدمة جمهور المنتفعين بالمرافق العامة . أفرزت هذه المفاهيم جملة من الخصائص للخدمة المدنية نذكر منها الآتي : 1. يتجاذب العالم المعاصر تياران مختلفان في تنظيم الوظيفة العامة النظام المفتوح ( نظام الوظيفة العامة ذات البنية المفتوحة ) والنظام المغلق ( نظام الوظيفة العامة ذات البنية المغلقة ) ، ويعود هذا الخلاف بين المفهومين أو المذهبين إلي كيفية نظرة المشرع للوظيفة العامة وشاغليها . 2. تتولى مؤسسة الدولة مهمة تحديد الوظيفة القائمة بالهيكل التنظيمي وتضع لكل منها مواصفات ووصف عملي وتحدد مؤهلات المرشحين لشغلها. 3. في النظام المفتوح الموظف مسئول عن تطوير نفسه وتنمية قدراته ، والمؤسسة لا تلتزم بالراتب التقاعدى لموظفيها وكل وظيفة تظل مستقلة من غيرها أفقياً وعمودياً علي السلم الإداري لكل منها راتباً خاصاً بها ولا يمكن نقل الموظف من وظيفة لأخرى إلا بموافقته ورغبته والتأكيد من قدراته ، و هو مايعتبر من أبرز سمات النظام المفتوح . 4. ويتميز النظام المغلق بكونه نظاماً حكومياً قائماً بذاته متميزاً عن النظم الخاصة وأن الموظف يكرس نشاطه ووقته الرسمي لشغل الوظيفة ومتفرغاً لها ، و الإدارة ملزمة بتأهيل موظفيها وقد تلغي وظيفة الموظف ولكنه يظل بخدمة الدولة الملتزمة بدفع راتبه التقاعدي وتقيد الإدارة العامة حرية الاستقالة إلا لأسباب تقبلها . مفهوم الموظف العام : أختلف فقهاء القانون في تحديد مفهوم الموظف العام فذهبوا فى ذلك مذاهب شتى وتعريفات عدة نلخصها فى الاتى : الفقهاء القدامى قالوا : أن الموظف العام (هو كل شخص شغل وظيفة دائمة وساهم في إدارة مرفق عام) . وبمصر عرف (بأنه الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أشخاص القانون العام) (5). أما في السودان فإن قانون 1973م قد (عرفه بأنه كل شخص يقوم بعمل ذهني فنياً كان أو كتابياً أو إدارياً في وحدة حكومية أو مؤسسة عامة) (6). و هناك تعريف أورده قانون 1991م بأنه الشخص الذي تعينه السلطة المختصة بشغل وظيفة دائمة في هيكل الوحدة الوظيفي ليقوم بعمل مهني أو إداري أو كتابي(7). ويلاحظ أن قانون 1991م يميز بين العامل والموظف علي أساس طبيعة العمل ، فالعامل هو الذي يقوم بعمل يدوي والموظف يقوم بعمل ذهني أو كتابي . يستفاد من التعريفات السابقة أنه يشترط لاعتبار الشخص موظفاً عاماً الشروط التالية : 1. أن يقوم بعمل دائم . 2. أن يكون هذا العمل في خدمة مرفق عام . 3. أن يقوم أحد أشخاص القانون العام بإدارة هذا المرفق . 4. أن يتم تعيينه من سلطة مختصة . شروط الوظيفة العامة : يشترط في من يريد شغل الوظيفة العامة مجموعة شروط هي : 1. شرط الجنسية : ويفيد بأن الشخص القائم بالخدمة المدنية في الدولة يجب أن يكون متمتعاً بجنسية هذه الدولة أو جنسية إحدى الدول الأخرى التي تعاملها بالمثل . 2. شروط حسن السيرة والسمعة : ويعني بالضرورة أن يتمتع الموظف العام بكل ما يحفظ له كرامته وكرامة الوظيفة العامة التي يتحمل مسئوليتها في مواجهة الأفراد المتعاملين مع الإدارة العامة ( عدم الحكم عليه في جريمة سابقة ) . 3. اللياقة الفنية : ويقصد بها توفير المؤهلات العلمية والخبرات العملية الخاصة التي تستلزم أعباء الوظيفة وذلك طبقاً للمواصفات الخاصة بالوظيفة . 4. شرط اللياقة الطبية : وهو الشرط الذي يضمن توفر السلامة الصحية لدي الموظف ، ويكمل تحقيق قدرته علي تحمل أعباء الوظيفة وجهودها . 5. شرط السن : ويقصد به أن يكون الموظف للوظيفة العامة قد بلغ سناً يكتسب عندها قدراً من النضج السني والتمييز بما يعينه علي تحمل مسئوليات الوظيفة العامة . 6. شرط اجتياز الامتحان بنجاح : ويعني أنه يشترط في من يعين في إحدى الوظائف العامة أن يجتاز الامتحان المقرر لشغل الوظيفة . امامصادر معرفة حقوق وواجبات الموظف العام تتمثل في القوانين والأنظمة التي تنشئها الهيئات التشريعية في مختلف بلاد العالم فالقاعدة القانونية هي التي تحدد واجبات الموظف وحقوقه لأن واجبات الموظف العام أمر لازم لا مجال للتقدير فيه. فالحقوق الأساسية تتمثل في حق اختيار الحاكم والمشاركة في السلطة وحق المراقبة وحق الحياة والكرامة والحرية وحق العمل والملكية والمساواة وتكافؤ الفرص هذا النوع يجب أن يتمتع به كل إنسان سواء كان شاغلاً وظيفة أم لا ، أما الحقوق المكتسبة بسبب الوظيفة فتتمثل أساساً في المرتبات والأجور والترقيات والعلاوات والإجازات وفوائد ما بعد الخدمة . مسئوليات الدولة مسئولية الدولة الخلف وفق التوارث الدولي : تتعرض الدولة منذ نشأتها لتغييرات شتي في كيانها الداخلي ومركزها الدولي وتتفاوت أهمية هذا التأثيرات بتفاوت أهمية المتغيرات التي تشكل كل مقومات الدولة ، أو بعض عناصر وجودها والمتغيرات التي تتعرض لها الدولة في أثناء وجودها كثيرة منها انشطار الدولة الواحدة لعدة دول او دولة واحدة كما هو متوقع لحالة السودان . مصطلح ( التوارث ) له مفهوم محدد في إطار القانون الدولي المادة الثانية من اتفاقية فيينا بشأن التوارث الدولي قررت أن مصطلح توارث الدول يعني( حلول دولة محل دولة في مجال المسئولية الدولية عن إقليم ما) (8). وبالاستناد إلي اتفاقيتي فينا بشأن التوارث الدولي في مجال المعاهدات الدولية وفي مجال المتتلكات والمحفوظات والمديونية و الممارسات الدولية فإن أهم القضايا التي تتعرض للتغيير نتيجة للتوارث هي المعاهدات الدولية ، الديون العامة ، الممتلكات ، التشريع والأحكام القضائية ، الجنسية والخدمة العامة . الملاحظ في معظم النماذج الدولية في حالات الانفصال أن معالجة قضية الخدمة المدنية ترتبط بالترتيبات التي تتم لمعالجة قضية الجنسية وتبعية الإقليم الذي يتنازع حوله ويظهر ذلك بصورة واضحة في انفصال بنغلاديش وتيمور الشرقية وارتيريا . الوضع في السودان تحت هذا العنوان نناقش وضع الجنوبيين بالخدمة المدنية منذ الاستقلال خاصة بعد نتائج لجنة السودنة في العام 1954م وإفرازاتها ، والمعالجات التي ظلت تقدمها الحكومات الوطنية المركزية المتعاقبة لإلحاق الجنوبيين بالخدمة المدنية حتى توقيع اتفاقية السلام الشامل شكلت قرارات لجنة السودنة خيبة أمل للجنوبيين الذين بشروا من قبل السياسيين فى العام 1954م أن الجنوبيين لن يمنحوا الأولوية في الوظائف في الجنوب فحسب بل ستزداد فرص التحاقهم بالوظائف العامة إلي حدٍ كبير في الشمال خاصة في الدرجات الكبرى للحكومة المركزية ، وأنهم سوف يصبحون مفتشي مراكز ومديرين ونواب مديرين ، وأنهم سوف يحصلون علي ربع المناصب الإدارية القيادية(9). أن قرار لجنة السودنة بمنح الجنوبيين أربعة وظائف قيادية ( بدرجة مساعد مفتش ) ووظيفتين ( بدرجة مأمور ) أيقظ فى نفوس الجنوبيين الناشطين سياسياً ذلك الإحساس بأن علاقة الشمال بالجنوب إنما بنيت من أولها علي الخدعة والمكر . وقد عبر البروفسيور محمد عمر بشير عن الحالة النفسية للجنوبيين في ذلك الوقت وهو يقول ( وعندما أعلنت لجنة السودنة قرارها في أكتوبر 1954م انقلبت الشكوك لدي أبناء الجنوب ، تلك التي انطوت عليها الجوانح خلال أكثر من خمسين عاماً إلي مشاعر معادية صريحة ) ووصف قرار اللجنة بأنه ( ليس مخيباً للآمال بالنسبة للجنوبيين المتعلمين فحسب بل أعتبر كما لو كان استبدالاً لسيد بسيد واستعماراً جديداً من أبناء الشمال)(10) ، كما اعتبر إخلالاً بالوعود التي قطعها الشماليون لهم من قبل . اتفاقيتى أديس أبابا في العام 1972م والخرطوم للسلام 1997م لم تتناولا فى بنودهما رؤية واضحة تجاه معالجة أوضاع الجنوبيين بالخدمة العامة بالحكومة المركزية والولايات الشمالية وكل الاستيعاب الذي تم في تلك الفترة كان يعتمد علي المعايير والأسس العلمية والشروط التي ينبغي أن تتوفر في الموظف العام وبعض التوظيف الذي تم فى ذلك الوقت كان في إطار المبادرات الشخصية لبعض الشخصيات السياسية الجنوبية وعلاقتها بالمركز والتي في معظمها تأخذ الطابع القبلي وكثير منها في مجال الخدمة العسكرية و ليست تنفيذاً لبنود محددة إلا أنها تصب وتفسر في إطار المعالجات لزيادة مشاركة الجنوبيين في الوظيفة العامة وغيرها من المشاركات العامة المتعددة . الخدمة العامة في اتفاقية السلام الشامل : اعترفت اتفاقية السلام الشامل بقومية الخدمة المدنية لا سيما علي المستويات العليا والمتوسطة وأنها لابد أن تكون ممثلة لشعب السودان ، وتحقيقاً لهذا الغرض ينبغي مراعاة الآتي : 1. تصحيح أوجه الاختلال والتمييز القائمة . 2. أهمية الكفاءة وضرورة التدريب . 3. يكون الحصول علي الوظائف في الخدمة المدنية القومية بالتنافس النزيه . 4. لا يجوز لأي مستوي من مستويات الحكم التمييز ضد أي مواطن سوداني مؤهل بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو معتقداته السياسية أو الإقليم . 5. تمثل الخدمة القومية بنزاهة جميع أفراد شعب السودان ، ويجب دعم الفئات الأضعف عن طريق التدريب لتحقيق أهداف التمثيل المتساوي في إطار زمني متفق عليه . 6. توفير فرص تعليم إضافية للمتأثرين بالحرب . اتفق الطرفان علي تكوين مفوضية للخدمة المدنية القومية وذلك من أجل خلق الشعور بالانتماء للوطن ومعالجة أوجه الاختلال في الخدمة المدنية وقد حددت الاتفاقية مهام المفوضية في الآتي: (11) 1. صياغة سياسات للتدريب والتعيين في الخدمة المدنية تستهدف تخصيص ما بين 20% 30% من الوظائف لأبناء جنوب السودان المؤهلين إذ أكدت نتائج التعداد السكاني تلك النسبة المشار إليها . 2. ضمان ملء ما لا يقل عن 20% من الوظائف المتوسطة والعليا في الخدمة المدنية ( بما فيها وظائف الوكلاء ) من قبل أشخاص مؤهلين في الجنوب خلال السنوات الأولي وتحقيق نسبة 25% في الخمس سنوات التالية والهدف الأخير يتحقق بتحقيق نسبة ال 30% المشار إليها في الفقرة أعلاه . 3. القيام بعد الثلاثة سنوات الأولي من بداية الفترة الانتقالية باستعراض التقدم المحرز ونتيجة السياسات المتبعة وتحديد أهداف وغايات جديدة حسب مقتضى الحال مع مراعاة نتائج عملية إحصاء السكان . إن إنشاء مفوضية تعني بالخدمة المدنية نظام فريد وغير مسبوق في الاتفاقيات السابقة وقد جاءت نتيجة لما حاق بالجنوبيين من ظلم تاريخي في مجال الخدمة المدنية بسبب قرار لجنة السودنة كما أشرنا إلي ذلك سابقاً . تأخر إنشاء المفوضية القومية للخدمة المدنية عن مواعيدها المضروبة في الاتفاقية وكان له الاثر في تأخير عملية الاستيعاب الذي لم يبلغ حتى الآن ال 20% رغم أنه لم يتبقى من الفترة الانتقالية إلا اشهر اقل من أصابع اليد الواحدة . بناءاً علي توصية رئيس لجنة الاختيار للخدمة المدنية القومية أصدر وزير العمل والخدمة العامة وتنمية الموارد البشرية القرار الوزاري رقم 9/2008م بتكوين لجنة للمعاينات استيعاب أبناء الولاياتالجنوبية المتقدمين لملء وظائف نسبة ال 20% بالخدمة المدنية وقد تقدم لوظائف مداخل الخدمة 1350 خريج وخريجة لوظائف الخبرات عدد 535 وتم استيعاب 528 لمداخل الخدمة و 155 في وظائف الخبرات وتم استبعاد أكثر من 60% من المتقدمين بالأسباب الآتية (12): 1. عدم استيفاء شروط المواطنة . 2. عدم استيفاء الشروط الأكاديمية المطلوبة لشغل الوظيفة . 3. عدم تقديم الشهادات الأكاديمية من الجامعات خارج السودان لجهات الاختصاص لتحديد المؤهل الأكاديمي ومعادلته . 4. أما في وظائف الخبرات فقد تم استبعاد البعض لتجاوز أعمارهم الستين عاماً . قدمت في المؤتمر الرابع لقضايا ما بعد الاستفتاء