ترددت كثيرا في تسطير الكلمات التالية حول الدور الذي يقوم به المجلس الثقافي البريطاني في مجتمعنا ولعل مرد ذلك التردد يعود من ناحية لطبيعة العلاقات التعاونية التي تقوم بين الضيف وما يلزم من احترام ما ينادي به عون في مجالي الحياة الثقافية والتعليمية وبين المضيف ( ود البلد ) والذي لا ازيد لما هو معلوم اصلا من كرم الضيافة المشهود عندنا للزائر خاصة عندما يكون الضيف اجنبيا. ولا بد أن نلحظ - اضافة الى ذلك - ما لهذه الأجسام الثقافية الأجنبية من موقع قدم ولو من طرف خفي في حيثيات العلاقات البينية بين الدولة مقدمة العون ودولة المقر (الضيف والمضيف). ولهذه الأسباب وربما غيرها قلما تجد مثل هذا النوع من المواضيع فى عناوين الصحف السيارة . ومع ذلك ومن منطلق المسئولية الاخلاقية كان لابد من ترجيح محاولة الخوض فى تقويم ماهو واقع وماهو مأمول من انشطة المجلس الثقافي البريطاني مادام الهدف المنشود هو الحصول على أقصى ما يمكن من الاستفادة من وجود هذه المؤسسة بين ظهرانينا . ومعروف ان المجلس الثقافي البريطاني يعمل تحت مسمى « مؤسسة خدمية غير ربحية « ويعني بتطوير الأداء فى مجالات الثقافة والتعليم وبخاصة فيما يتعلق بنشر ورفع مستوى اللغة الانجليزية ، وهذه الاخيرة « اللغة الانجليزية « هى التى تقع تحت دائرة الضوء فيما يتبقى من هذا المقال . وبالنظرة الفاحصة للدور الذى يلعبه المجلس فى مجال الارتقاء باللغة الانجليزية يقودنا عدد من الملاحظات الى خلاصة نهائية مفادها ان تلك الانشطة تسير فى تقديري ببعد عن الهدف الرئيس المفترض ان يحدث تأثيراً ملموساً وايجابياً فى واقع تطوير اللغة فى مختلف دوائر ومستويات تدريسها على مستوى القطر . ومن الامثلة المفترض أن تصل بخدمات المجلس نحو تلك الغايات وبإختصار : أولاً : التدريب يجىء الاهتمام بمجالات تدريب المعلم على رأس قائمة تطوير الأداء ذلك لأنه من نافلة القول ان التدريب بجانب أنه قيمة فى حد ذاته فإنه يمثل صمام الامان فى الارتقاء بمستوى الأداء المهنى ومن ثم إنتفاع الطلاب بما يقدمه لهم المعلم المؤهل المدرب . بمعنى آخر فإن مرد التدريب لا يقف عند حد المعلم بل يتعداه بمتوالية عددية لمن يتلقون العلم بين يديه . وللتدريب أشكال مختلفة منها ذلك المؤهل لنيل درجات علمية عليا من دبلوم وماجستير ودكتوراة . ومنها التدريب لفترات واغراض محددة حسب ماهو متاح ومنها ورش العمل والكورسات التدريبية قصيرة الأجل وبالطبع فإن كل هذه الانماط من التدريب يمكن أن تتم فى داخل او خارج القطر وبمزيج من الخبرات الأجنبية والوطنية . وللمفارقة فإن كل هذه الخدمات كانت متوفرة وبشكل دورى ملحوظ فى أجندة المجلس لسنوات خلت وكان لها الأثر الايجابي فى دفع ورفع عملية تعلم الانجليزية على مختلف مستويات تدريسها ثم اذا به يتوقف بشكل كلى تقريبا حين ازدادت الحاجة اليه نتيجة للتوسع الذى طرأ على التعليم فى البلاد بما فى ذلك نصيب اللغة الانجليزية من رقعة التوسع التعليمى . ثانياً : المؤتمرات ( محلية وإقليمية و عالمية ) وفي هذا المجال ، وعلى الرغم من ان المؤتمرات وورش العمل أسعد حظا من التدريب فى أداء المجلس اذ إنعقد عدد منها خلال العام 2010 أهمها ذلك المسمى « من اجل مستقبل افضل لتعليم اللغة الانجليزية « والذى انعقد فى الثلاثة ايام الاولى من مارس العام الماضى الا ان الأداء فى هذا المنحى يظل هو الآخر بدون اثر محسوس ذلك لأن هذه المنابر قد انعقدت ابتداءً فى غياب رأس الرمح وهو التدريب المباشر الذى يعين المعلم بالتفاعل والمشاركة ومن ثم الاستفادة المرجوة من تلك الجلسات . وعليه ، فان تلك الجلسات - على قلتها - لم تكن ذات جدوى بالنسبة لعملية تعلم اللغة ولكنها قد تفيد المجلس لاستخدامها فى الرد لاحقا للتصدى للنقد بأداء المجلس من شاكلة ما بين يدى القارىء الآن فى هذا المقال . وتجدر الاشارة فى هذا الصدد انه ولعدد من الاعوام خلت كانت هناك محاضرة اسبوعية يقدمها - بعد اجازتها - احد او مجموعة من المعلمين من مختلف مستويات تعليم اللغة الانجليزية فى حديقة المجلس وكانت الدعوة لتلك المحاضرة شاملة لكل ألوان الطيف من المعنيين بتدريس وتطوير اللغة الانجليزية وكان يعقبها من النقاش ما يكفى لإثراء المهنة والنهوض بها . وهذه بالمثل أصبحت أثرا بعد أن كانت واقعاً ملموساً . ثالثاً : المكتبات وينطبق فى هذا الباب نفس الخطوات سالفة الذكر عن التدريب إذ كانت مكتبة المجلس الثقافى رافداً ثراً من روافد الثقافة والبحث لكل المعلمين والطلاب والمهتمين بتطوير اللغة الانجليزية . كانت تعج بكم من المراجع والقواميس والدوريات وفيما بعد تزينت برداء التقنية الحديثة فى مجال اللغة الانجليزية وكان الجزء الاكبر منها يختص بعرض وتسليف كل ما من شأنه الارتقاء باللغة و طرائق تقديمها للطلاب فى مواكبة مقدرة لكل ما هو مستجد فى المجال المذكور . هذا اضافة الى ان تواجد الباحثين فى المكتبة آنذاك كان يرمز لنوع من التواصل المعرفى الثقافى فى أرقى صورة بين مقدمى وطالبى تلك الخدمة التربوية الاصيلة . ولكن وبكل بساطة فقد قام المجلس بتصفية ذلك الصرح المفيد واوصد الباب فى وجوه روادها والمستفيدين منها على الرغم من الحاجة الماسة اليها .نخلص مما تقدم ان المجلس يعى الدور الذى تلعبه تلك الركائز الهامة فى نشر وتطوير اللغة الانجليزية من تدريب ومؤتمرات ومكتبات مرجعية وكانت موجودة اصلاً وبشكل محسوس فى برامج المجلس على أنها ظلت تتناقص على مر السنين الى ان وصلت الى محطة الوقوف والامتناع بشكل كامل تقريباً عن تقديمها . وبالسؤال عما هو ( واقع ) بالفعل من خدمات المجلس حاليا نجد ان المجلس قد اتجه وبالكلية تقريبا نحو التدريس المباشر كخدمة اولى واساسية . ولعمرى فإن ذلك يقدم أنموذجاً ماثلاً لتقديم السمكة لطالبها عوضاً عن تعليمه طرائق صيدها . ذلك لان المشهد التعليمى فى البلاد يزخر فى عمومه بكم وافر جدا من المؤسسات التى تقوم بتقديم خدمة التدريس المباشر من تعليم عالى وعام خاص وحكومي و عدد مهول من المعاهد الخاصة الخ ... ولكنها كلها بحاجة لعمل مؤسسى ( حكومى وطوعى ) يعينها على أداء رسالتها . ذلك يعنى انها بحاجة للتدريب والارشاد والعون لتقديم خدماتها فى افضل صورها . ومن هنا فان المتوقع من المجلس هو تقديم تلك الخدمات فى حدود امكاناته لهذه المؤسسات القائمة اصلاً وليس الدخول معها فى عملية التدريس المباشر كل على حدة ذلك لان التدريس المباشرلا تمتد جدواه لأكثر من العدد من الطلاب الذين يتلقون تلك الدراسة وبذلك يكون المجلس قد باعد بخدماته من دائرة الخدمة القومية الى مستوى خدمة الافراد ( المستطيعين ) . ومن ناحية اخرى فإن خدمات التدريس المباشر من جانب المجلس تكون قد اكتسبت صفة المنافسة بدلاً من صفة المعاونة المرجوة من مؤسسة فى قامة المجلس الثقافى البريطانى وتتضح صفة المنافسة هذه جلياً فى الاعلانات الصحفية الجاذبة ( صفحة كاملة احياناً ) والتى تمثل لابنائنا الشباب بساط الريح الذى يطير بهم وآمالهم الى فضاء المملكة المتحدة . وهذا يعنى ان العون المقدم من المجلس عن طريق التدريس المباشر يحمل العنوان الخطأ من حيث عدم الاحتياج له فى واقعنا الماثل فى مؤسسات تعليم اللغة الانجليزية. ويبقى سؤال أخير من واقع الرسوم الدراسية الباهظة التى يتم تحصيلها من طلاب كورسات المجلس للافراد عما اذا كانت تلك الرسوم تقدح فى مصداقية عمل المجلس كمؤسسة غير ربحية !