اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عروس البحر وأشبيناته: رؤية لزائر في أمسية ربيعية
نشر في الصحافة يوم 09 - 04 - 2011

في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق الأول من مارس 2011م توجهت صوب مدينة بورتسودان بصحبة حوالي خمسين طالباً وطالبة من كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم من مختلف المستويات الدراسية «من الأول وحتى الخامس». لقد كانت الرحلة من تنظيم «جمعية لنا المستقبل» بالكلية، وكان أن تم إختياري مشرفاً على الرحلة بمبادرة ودعوة كريمة من الجمعية وبموافقة عمادة الطلاب. وكان الهدف الأساسي لهذه الرحلة العلمية والترفيهية للطلاب في آنٍ واحدٍ التعرف على المكونات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لولاية البحر الأحمر ممثلة في بعض مدنها المهمة، هذا بجانب الاستمتاع بمشاهدة الآثار والتعرف عن كثب على خبايا البحر الأحمر، وأهمية ميناء بورتسودان في التصدير والاستيراد للدولة السودانية.
توطئة:
إن الرحل العلمية مهمة للغاية للطلاب فليست العلوم النظرية التي تقدم في قاعات المحاضرات كافية فقط للتحصيل العلمي للطالب الجامعي، ولعل الطلاب أنفسهم يكتشفون هذه الحقيقة ويدركون أهمية الرحل العلمية عندما تتاح لهم الفرصة للسفر وزيارات المناطق ذات الصلة بتخصصاتهم، ومن هنا تبين أهمية المزج بين النظرية والتطبيق؛ وبالتالي فإن الرحل العلمية لها مردودها الإيجابي الكبير لطلاب الاقتصاد لا سيما تعريفهم بحقائق ومعلومات تفصيلية عن بعض مناطق السودان المهمة التي تتاح الفرص للوقوف عندها كولاية البحر الأحمر التي كانت زيارتها سانحة طيبة للوقوف على أهم معالمها هذا العام، فلقد كانت الدهشة كبيرة للغاية في أعين الطلاب عندما وطئت اقدامهم بورتسودان، فهي بحق مدينة رائعة للغاية وشوارعها نظيفة ومبانيها أيضاً غاية في البهاء والجمال، ومينائها كان محل إعجاب شديد من الطلاب بما يتميز به من خصائص عديدة سنتحدث عنها بالتفصيل في هذا المقال.
ومن جانب آخر فإن مدينة سواكن التي تبعد زهاء الساعة عن طريق «البص» هي الأخرى مدينة تاريخية وبها آثار تستحق الوقوف عندها، كما أنها تمثل أول ميناء بحري للسودان، غير أن هنالك مشكلات تجابهها، وسنروي قصة مدينة بورتسودان عروس البحر، وسواكن التليدة وبعض اشبينات عروس البحر في هذا المقال بشكل مقتضب وذلك من خلال مشاهدتنا لهاتين المدينتين وبعض المدن الأخرى ولأول مرة في حياتنا، ولنري من الذي كان وراء النهضة العمرانية والتنظيم الجيد لمدينة بورتسودان؟ ولماذا لم تشهد سواكن وبعض المدن الأخرى والأرياف ذات الطفرة العمرانية مثل بورتسودان، أم أن هنالك خطط ومشروعات عمرانية وتنموية قيد التنفيذ لتنمية وتطوير مدينة سواكن التي تحضتن ميناء الأمير «عثمان دقنة»، وغيرها من مدن ولاية البحر الأحمر، أو ربما هنالك خطط أخرى لتنمية بقية مدن وأرياف شرق السودان الحبيب؟ وماهي أبرز الاشكالات التي تواجه هاتين المدينتين وماهي مقترحات الحلول؟. ولكن قبل الإجابة على هذه التساؤلات دعونا نقدم نبذة قصيرة جداً عن قبائل البجة في شرق السودان.
قبائل شرق السودان ... أصل البجة: لمحة عامة
إن البجة مجموعة عرقية لها تاريخ ضارب الجذور في القدم، وإن إختلف المؤرخون حول أصلهم، فالقول الراجح أنهم مجموعة من قدماء الساميين الذين هاجروا إلى مواطنهم الحالية ، كما جاء ذلك في دائرة المعارف البريطانية.
يقطن البجة في الاراضي القاحلة الواقعة بين الساحل الغربي للبحر الأحمر ونهر النيل، وتمتد مناطقهم شمالاً حتى الحدود المصرية الجنوبية. أما الأرض التي يسكنون عليها فهي غنية بالمعادن النفيسة، ولعل هذا جعل المنطقة قبلة للطامعين لاستغلال معدن الذهب النفيس الذي يوجد بكميات كبيرة في تلك الرقعة من الأرض منذ أكثر من خمسة آلاف سنة تقريباً. وتشير الروايات إلى أن الفراعنه كانوا يرسلون معارضيهم السياسيين والمساجين والمنبوذين ليعملوا في أراضي البجة علي إستخراج الذهب تحت وطأة ظروف قاسية جداً. كما كانت ترسل قوات عسكرية تعمل على حماية تلك المناجم وتمنع العاملين فيها من الهروب.
لم يؤثر هذا النشاط الاقتصادي على الحياة الاجتماعية للبجاويين، فقد ظلوا يضربون في وديان بلادهم ويجوبون الفيافي والصحاري، وهم على ظهور جمالهم يرعون بإبلهم وضأنهم ويزرعون الذرة والدخن ليصنعون منها طعامهم. فهل هم كذلك على هذه الحالة حتى الآن؟ وماذ عن البجة في بورتسودان؟ وهل إمتزج الهدندوة في بورتسودان بقبائل أخرى في الوقت الراهن؟ ماذا عن حال المدن الأخرى في ولاية البحر الأحمر؟
بورتسودان: السحر والجمال
عندما تجاوزنا العقبة بعد مدينة جبيت كنا مشدودين لرؤية عروس البحر ليلاً خاصة وأننا على خلفية بأن مدينة بورتسودان قد شهدت طفرة عمرانية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وما أن وطئت أقدامانا حي المطار ببورتسودان الذي يتميز ببنايات جديدة ومرتفعة وجميله، ومن خلال شرفة الباب في الدور الثالث يستطيع الإنسان أن يرى المدينة وبخاصة بناياتها المرتفعة بألوانها الزاهية. وعند زيارتنا للكورنيش على البحر ليلاً استمتعنا بسحر المكان الذي لم أرى مثيلاً له في السودان، فالكورنيش غاية في الروعة والسحر الآخاذ، والجوء في مارس أيضاً يشابه الجوء الربيعي في أوروبا، وفي تلك اللحيظات تذكرت ميناء روتردام في هولندا حيث كنت أدرس في جامعة روتردام «دراسات عليا»، إن حركة السفن جيئة وذهاباً تشابه ذلك الميناء لحدٍ كبيرٍ؛ رغم أننا في السودان نصنف ضمن العالم الثالث وأوروبا تصنف بأنها متقدمة، لكن مع ذلك كله لا تبين مفارقة كبيرة بين المينائين. وكان أن سألت أحد الإخوة من ابناء الشرق ? وهو رجل بسيط يبتاع القهوة للمارة - ماذا كان حال كورنيش البحر قبل خمسة أعوام؟ فكان أن أجاب « إن المنطقة المطلة على البحر كان يكثر فيها المسكيت؛ ولا يوجد فيها نور؛ وأن وراء هذا العمل والجمال والسحر رجل يسمى محمد طاهر إيلا» فالتحية والتجلة للوالي الدكتور إيلاء على هذا الإنجاز العظيم. وياليت الولاة في بلادي يتبعون ذات المنهج والأسلوب الذي إتخذه أيلاء، فهو رجل يخطط ويعرف كيف ينفذ برامجه ومشاريعه بكفاءة واقتدار وفاعلية، ورغم أنني ليس على معرفة شخصية به؛ فقد أفادني عدد من ابناء بورتسودان أن الوالي إيلا يتابع إنفاذ المشاريع الحكومية في بورسودان في الميدان ومن دون سابق إنذار - كمثال - يمكن أن يظهر بعربته الحكومية ولا يأبه للغبار الذي تسببه الشاحانات التي تقوم برصف الطرق، هذا نموذج جيد للعمل الميداني الذي يجب أن يحتذى به. وبورتسودان هي مدينة كبيرة وبها أحياء عديدة وبعضها عريق مثل ديم عرب الذي يقطنه الهدندوة بزيهم المميز، وهنالك أحياء أخرى مثل سلبونا وحي فلب وغيرها، وإذا تجول المرء بين جنبات المدينة يشاهد البنايات الحكومية الفخمة والمؤثثة تأثيثاً جديداً وجيداً فبعضها يبز مباني مدينة الخرطوم، ومؤكد أن وراء هذا العمل الكبير تخطيط ممتاز وإرادة قوية من أجل التنمية والنهضة والعمران.
يتميز أهل بورتسودان وبالطبع هم خليط من قبائل السودان المختلفة بجانب الهدندوة أهل الدار يتميزون بسماحة التعامل وطيب المعشر هذا ما لمسناه خلال الفترة القصيرة التي أمضيناها، فمثال لذلك بائع السمك الذي تناولنا عنده وجبة الإفطارعلى رصيف البحر مرتين كان أن اخذ رقم موبايلي واتصل علي بعد عودتنا من بورتسودان إلى الخرطوم مباشرة ليطمئن علينا بسلامة الوصول. فهذا هو السودان الذي يتميز أهله بالعفوية والسماحة وبخصائص قلما توجد في بلد آخر.
ميناء بورتسودان: أهميته للاقتصاد السوداني
إن كثير من دول العالم ليس لها منافذ على البحر، وبالتالي فإن لهذا الوضع الجغرافي كبير الأثر على حركة الصادر والوارد لهذا النوع من الدول، وكان من نعم الله أن حبا السودان بساحل بحر طويل نسبياً يمكن السودان من تصدير واستيراد السلع المختلفة. وكان ميناء سواكن هو أول ميناء بحري للسودان؛ ولكن ما أن ضاقت سعت الميناء إلا وتم تحويله إلى السواحل المطلة على مدينة بورتسودان، حيث إفتتح الخديوي حلمي باشا الميناء الجديد في بورتسودان في العام 1905م كبديل لميناء سواكن. يتكون ميناء بورتسودان من عدة مواني منها ميناء «لما لما» وميناء «بشائر» الذي صدرت عبره أول شحنة بترول وكانت حوالي 150 ألف برميل خام، ومازال البترول يصدر عبره بعد أن إرتفع إلى حوالي 500 الف برميل يومياً ،هذا بالإضافة إلى الميناء «الأخضر» وغيره، فبعض هذه المواني يستقبل الحاويات الكبيرة المحملة بالسلع المختلفة، وكذلك يتم عبره تصدير البضائع والمواد الخام من السودان إلى الخارج، والميناء مجهز بالرافعات الكبيرة وآليات المناولة الحديثة. هذا بجانب السياحة التي لها مساهمتها المقدرة في إيرادات الولاية، فالخصائص التي تتميز بها بورتسودان تؤهلها كمنطقة سياحية مهمة في السودان. وفي الإطار التنموي نرى أن السياحة في ولاية البحر الأحمر ككل يمكن أن تدر دخلاً كبيراً يضاف إلى الإيرادات العامة، في حالة اتباع النهج الاستثماري للسياحة، التي تتطلب تهيئة البيئة الملائمة لجذب السياح من داخل وخارج السودان. وفي هذا الخصوص هنالك ضرورة أيضاً لتطوير الإعلام المرئي على وجه الخصوص لتعريف السياح بجمال بورتسودان والبحر الأحمر وشعبه المرجانية الجميلة وخصائصه الجاذبة للسياحة. وعلى كل، فإن ميناء بورتسودان له أهميته الكبري للإقتصاد السودان بما يوفره من إيرادات كبيره.
سواكن: ميناء قديمة جديد، لماذا هي ليست كبورتسودان؟
هي مدينة تبدو عند مدخلها عبارة عن أطلال بالية فالمباني بسيطة ولا يلمس المرء فيها حركة حياة كتلك التي في بورتسودان، ولكنها تضم آثار تاريخية مهمة وبها ميناء معتبر، وقد عبر الشاعر الفذ مبارك المغربي عن سواكن قائلاً:
حي الطلول الباليه وأسكب دموعك غالية
وتغنى باللحن الحزين على الديار الغالية
هذي سواكن قد بدت مثل العروس الباكية
تختار في أسمالها أسمال ماض واهية
والبحر في أنحائها يصغي بأذن واعية
وعلى كل، فإن ميناء سواكن تم تجهيزه بشكل جيد بل تم تغير اسمه ليسمى « ميناء الأمير عثمان دقنه» أحد أبطال المهدية المعروفين، كان ذلك في العام 1991م، ويعني الميناء بترحيل الركاب عبر البحر من وإلى المملكة العربية السعودية، هذا بجانب تصدير الماشية وبخاصة الضأن الهدي الحي الذي يصدر بمئات الآلاف إلى السعودية وأهمه الضأن السواكني والكباشي، ومن الغريب أن يسمى الضأن الحمري بالسواكني نسبة للميناء، فالمعروف أن الضأن الحمري يصنف بأنه أجود انواع الضأن في السودان بل وفي العالم، بالإضافة إلى أن الميناء تستورد عبره البضائع الخفيفة، ويكتسب هذا الميناء أهمية خاصة لكونه مهيئ بشكل جيد والعمل على تحديثه مستمر بواسطة الشركات الصينية. لكن ما يلفت النظر أن المدينة رغم صغرها يوجد بها مستشفي ضخم وحديث، فهو أفضل بكثير جداً مقارنة - كمثال - بمستشفى الأبيض الحكومي المتدهور، فالأبيض مدينة تاريخية التي لم تولى أي إهتمام كبير لا سيما في مجال الطرق الداخلية المسفلتة، ومن هنا تبين المفارقة الواسعة بين المدن الكبرى وأهمية التنمية المتوازنة، فسواكن ذاتها تفتقد إلى الطرق الداخلية المسفلته وتنعدم فيها البنايات الحكومية المعقولة والخدمات بصورة عامة، وبالتالي هنالك ضرورة لمسارعة الخطى من أجل إنفاذ المشروعات التنموية المهمة في المدينة التي يحتاجها إنسان الشرق البسيط، خاصة وأن مؤتمر تنمية الشرق قد خصص مئات الملايين من الدولارات للتنمية. والحق يقال فإنه لا توجد أدنى مقارنة بين مدينة سواكن وبورتسودان من جميع النواحي، ولكن ولربما هنالك خطط مستقبلية لتنمية وتطوير المدينة، وإن كان ذلك كذلك فإختيار التوقيت المناسب لإحداث التوازن التنموي بين مدن الولاية هو الآخر يجب أن يوضع في الإعتبار.
مدن أخرى في الولاية: تحتاج إلى التنمية العاجلة
ليست سواكن فحسب هي المدينة الوحيدة في الولاية التي تحتاج بشدة لعمل تنموي كثيف، فهنالك «جبيت» التي بدت في فتنت متناظره، وسنكات التي يحمل أهلها الأراك بجانب مدينة «هيا» وربما غيرها من المدن والأرياف تعيش في فقر مدقع وتحتاج إلى عمل كبير من السيد الوالي والحكومة الاتحادية لحل مشكلاتها وتذليل الصعاب التي تعترضها، وإذا عمل الوالي إيلا بذات الهمة والإرادة السياسية والتخطيط؛ وسلك النهج الذي اتبعه في تطوير مدينة بورتسودان، ولطالما أن هنالك تمويل كبير توفر نتيجة لإنعقاد مؤتمر تنمية الشرق خاصة في مجالي المياه والخدمات الصحية، فليس لدي أدنى شك - وبما أن الإرادة السياسية قوية والعزيمة متوفرة - بأن الوالي الحالي يمكن أن يحقق نجاحات كبيرة في إحداث التنمية في جميع مدن وأرياف البحر الأحمر. أقول هذا ليس بالتمني ولكن بناءً على النهضة التنموية التي حققها في بورتسودان في فترة وجيزة مقارنة بالعهود السابقة. وعلى كل ومن خلال وضع الخطط الجيدة وتصميم البرامج المطلوبة والالتزام بتنفيذ المشروعات التنموية وفق جداولها الزمنية المعدة سلفاً يمكن التوصل إلى الغايات المرجوة من خلال مساندة جميع القوى السياسية للنهوض بالبحر الأحمر، فالتنمية هدف جوهري لا يختلف عليه إثنان. وقد كنا نفتقد في العهود السابقة للعمل التنموي الجاد، فالمؤتمرات الاقتصادية كانت تعقد والتوصيات تكتب بشكل جيد ولكنها لا تبارح الورق الذي كتبت فيه. ونقول صادقين لقد عانى إنسان الشرق لفترة طويلة وآن الأوان ليرتاح من عنت الحياه ومشقتها، فالحكومة منوط بها ربط المدن بعضها ببعض بالطرق المسفلته وتوفير الخدمات الضرورية من صحة وتعليم وغيره وتهيئة البيئة المناسبة للعمل وتقديم الإعانات اللازمة للفقراء والمحتاجين في الولاية، يضاف إلى ذلك تفعيل التمويل الأصغر في الولاية وجذب الكوادر الطبية المؤهلة بتخصصاتها المختلفة، هذا ما تحتاجة ولاية البحر الأحمر بما فيها العاصمة بورتسودان.
خاتمة:
نخلص للقول إلى أن ولاية البحر الأحمر من الولايات المهمة في السودان التي استمتعنا بمشاهدتها وتعرفنا على العديد من مدنها التي كنا نسمع عنها فقط، فبورتسودان حقيقية هي ثغر السودان بل هي الرئة التي يتنفس بها السودان، وتصور عزيز القارئ كيف سيكون حال السودان من غير البحر الأحمر؟ !! الإجابة متروكة لك !!!
إننا ندعو صادقين القادة السياسيين في ولاية البحر الأحمر أن تتضافر جهودهم من أجل توظيف الامكانات المتاحة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية من أجل إحداث التنمية المتوازنة وفق خطط مرسومة وبرامج ومشاريع محكمة، وفي جميع مدن وأرياف ولاية البحر الأحمر، ونرى أن تكون بورتسودان عروس البحر هي النموذج للتنمية في هذا الصدد، مع مزيد من الإهتمام بالجانب السياحي كما فصلنا سابقاً. فإنسان الولاية هو محور التنمية على كافة الأصعدة، ونرى أيضاً أن تقدم له الخدمات الضرورية التي يحتاجها ليعيش حياته كريماً معافاً وقادراً على العطاء؛ وليساهم هو الآخر في تطور وتقدم ولايته بل والسودان القطر الذي يجمعه مع إخوانه الآخرين. أما آن الأوان لنقول كفى جهلاً وفقراً ومعاناه لإنسان ولاية البحر الأحمر، لتصير جميع المدن في الولاية إشبينات زاهية لعروس البحر الحورية .. بورتسودان الحنية.
٭ أستاذ العلوم السياسية جامعة الخرطوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.