وأخيراً ينتبه والي الخرطوم لمعاناة أئمة المساجد ليقوم بتعيين 750 إماماً في وظائف ثابتة بالخدمة المدنية، وإدخال 950 إماماً في كشف الراتب! فما الذي يجعل قضية أئمة المساجد تؤرق حكومتنا، لدرجة أن هنالك منظمة مستقلة تسمى بمنظمة إعمار المساجد تقوم بعقد مؤتمر قضايا المساجد الأول برعاية من السيد علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية؟! فلماذا لم يعقد مثل هذا المؤتمر طيلة العشرين سنة الماضية؟! فإن كانت القضية إصلاح المساجد حقاً فهل سأل المؤتمرون أنفسهم عن معاناة المصلين الذين يحرمون من الاستمتاع بهواء المكيفات البارد بحجة استهلاك الكهرباء؟! أم أنهم لم يشاهدوا لجان المساجد تحث مصليها على دفع فاتورة الكهرباء في دولة بها وزارة كاملة للكهرباء والسدود؟! وهل سبق لهؤلاء المؤتمرين أن قاموا بجولة تفقدية لدورات المياه التي تفتقدها كثير من مساجد البلاد؟! وهل فكروا يوماً في جيوش النساء اللائي يرقدن مع أطفالهن حول أسوار المساجد وهن يعانين من زمهرير الشتاء ولهيب الصيف..؟! الأمر لا علاقة له بمعاناة الأئمة الذين ظلوا طيلة هذه السنوات يخدمون من غير أن يتذمروا أو يتضايقوا حتى! فنحن لم نسمع عن إغلاق الجامع لأن المؤذن ترك وظيفته! ولم نسمع بضياع صلاة الجمعة لأن الإمام مضرب عن العمل..؟! فالمساجد عامرة لأن هنالك أهلاً للخير يقومون ببنائها ورعاية أمورها دون أن يعقدوا لذلك المؤتمرات وينشئوا المنظمات! ولأن هنالك لجاناً تقوم بصيانتها وتوسعتها وتهتم بأئمتها ومؤذنيها في بلد بها وزارة للإرشاد والأوقاف، ومجلس للدعوة، ومنظمة لإعمار المساجد. فما الذي يجعل المؤتمرين يقومون بعمل هذه اللجان التي تجاهد من أجل راحة المصلين؟! فنحن نعلم أن الجمعة صارت من أخطر الأيام على الأنظمة العربية، فما أن تفيق الأنظمة من جمعة للغضب حتى وتفاجأ بجمعة للخلاص وثالثة للثبات وأخرى للنصر..!! فإن كان الهدف هو تسييس المساجد فإن ذلك أمر دونه نجوم السماء! فما الذي سيفعله الأئمة لو تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! فالدكتور عبد الحي يوسف لن يترك الحديث عن مظاهر الحكم الاستبدادي..!! وأي خطيب آخر لن يمتنع عن الدعاء على المفسدين..!! وحتى الدكتور طارق السويدان الذي جاء على ضيافة حكومة السودان وتنقل في سيارتها وتحدث في مجمع النور الإسلامي، لم يسكت عن قول الحق..!! وإن كانت ثمة مناصحة بيننا وهؤلاء المؤتمرين، فإننا نقول لهم: انتبهوا لمحاربة الفساد الذي بدأت رائحته تفوح من بين أكوام النفايات، واعينوا لجان المساجد على عملها، فإن أية محاولة لتسييس المساجد ستقود إلى فتنة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.