رغم الانشغال بإنشاء القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي ووضع «الخارطة الثقافية»، احتدم التنافس الحميد، وربما تبادل الأدوار، بين وزارتي الثقافة الاتحادية والولائية بالخرطوم، حيث أحيت وزارة الثقافة الاتحادية أماسي مدن «العاصمة المثلثة» بالموسيقى والطرب، في حين أقامت وزارة الثقافة والإعلام والسياحة بولاية الخرطوم «مهرجان ملتقى النيلين الأول للشعر العربي» برعاية والي الخرطوم وجاءت ترقية الوجدان رغم ما تشهده أحياء العاصمة من نقص في الإمداد بالمياه حتى خرجت جماهيرها الغاضبة تردد هتافات «الشعب يريد موية شراب» !! . والمتابع للأنشطة الحكومية في المجال الثقافي يلحظ مدى الاهتمام الذي توليه الدولة وأجهزتها الإعلامية بالمطربين والمادحين فلا تكاد تخلو ليلة أدبية أو مهرجان ثقافي من وجوه الفن والطرب والمديح الذين أفرد لهم الإعلام السوداني حصصا وافرة من الانتشار والذيوع والتربع في سماء النجومية عبر الأثير وعلى شاشات الفضائيات، حتى تم اختزال الفنون في وصلات التطريب وترنمات المادحين مع تجاهل المناشط الثقافية الأخرى كالدراما والمسرح والفن السابع «السينما»، ويبدو أن الفضائيات السودانية قررت محو الأفلام السينمائية من الذاكرة، فغابت عن سهرات الشاشة الصغيرة التمثيليات التلفزيونية والأفلام العربية والأجنبية وسجلت الدراما السودانية حضوراً موسمياً باهتاً في التلفزيون القومي. ومع زوال أو تقلص دور العرض السينمائي أخذت العديد من الفضائيات العربية المتخصصة في مجال السينما والعروض المسرحية في الاحتفاء بالتراث السينمائي والمسرحي وإعادة الأفلام العتيقة بعد معالجتها فنياً لتناسب العرض التلفزيوني المتكرر بشكل رتيب حتى ملها المشاهد العربي، في حين تمنعت الفضائيات السودانية عن إعادة بث الأفلام الروائية السودانية على قلتها فلم تعرف الأجيال الصاعدة شيئاً عن فيلم «آمال وأحلام» للمخرج الرشيد مهدي أو تشاهد رائعة الطيب صالح «عرس الزين» أو إبداع المخرج الراحل جاد الله جبارة لفيلم «تاجوج» أو فيلم «رحلة عيون» لأنور هاشم فضلاً عن مشاهدة عروض الراحل عثمان حميدة «تور الجر» أو مسرحيات الفاضل سعيد ومحمود سراج أبو قبورة وإسماعيل خورشيد وتحية زروق وعوض صديق ومكي سنادة وغيرهم ممن أثروا الحياة الثقافية والمسرحية. ومن المفارقات أن يتم تجاهل أكثر الممثلين السودانيين إنتاجاً وشهرة في الوطن العربي من قبل وسائط الإعلام والفضائيات السودانية، فمعظم الشباب يجهل تمثيل الفنان الراحل إبراهيم خان لأول فيلم سوداني وأدائه لدور الطبيب في فيلم «تور الجر في العيادة» مع الراحل عثمان حميدة ولم يشفع للفنان إبراهيم خان تمسكه بجنسيته السودانية رغم قضائه لمعظم حياته بالقاهرة لتحيي الخرطوم ذكراه وتنوه بأعماله الفنية كما يفعل الأشقاء في شمال الوادي مع رموزهم الفنية .!