ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    عضو مجلس إدارة نادي المريخ السابق محمد الحافظ :هذا الوقت المناسب للتعاقد مع المدرب الأجنبي    لماذا دائماً نصعد الطائرة من الجهة اليسرى؟    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    القوات المسلحة تنفي علاقة منسوبيها بفيديو التمثيل بجثمان أحد القتلى    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داؤود أوغلو: تُغيَّر الحدود لخلق كيانات أكبر ونأمل في الحفاظ على فرص إعادة توحيد السودان
خالد التيجاني يستكشف أجندة وزير الخارجية التركي الاستراتيجية

لطالما تساءلت، كما تساءل كثيرون، عن سر التحولات الكبرى التي تشهدها تركيا، سواء على صعيد سياستها الداخلية الصاعدة اقتصادياً بقوة، أو دورها المتعاظم على الساحة الدولية، خلال العقد الماضي من حكم حزب العدالة والتنمية، وما هو السبب الذي يجعلها في خلال دورتين برلمانيتين فقط أن تحدث كل هذه التحولات الهائلة المشهودة؟
السر الأول المعلوم أن تركيا ما كانت لتحقق هذا النهوض لولا أن نظامها السياسي الديمقراطي يزداد رسوخاً على الرغم من مخاض التحولات العميقة التي تمر بها، كما أن حزب العدالة والتنمية ما كان له أن يحقق هذا النجاح لولا استناده إلى تأييد شعبي بانتخابات حقيقية حرة وعادلة. والسبب الثاني بلا شك هو نوعية قيادات حزب العدالة والتنمية الذين أثبتوا أنهم رجال دولة مرموقون يتمتعون بحس سياسي رفيع، تؤهلهم لذلك قدراتهم الفكرية العالية، واستشعار مسؤولية الحكم في بلد يعوون إرثه التاريخي التليد ومكانته بين الأمم، فضلاً عن شخصياتهم القيادية الفذة، وما هو أهم من ذلك حرصهم على الاستقامة الأخلاقية في ممارسة السلطة بالارتقاء إلى مستوى شعارهم المرفوع «السياسة النظيفة».
البروفسور أحمد داؤود أوغلو، وزير خارجية تركيا، هو أحد تلك الشخصيات التي تصنع لتركيا مجدها الجديد، الحريص على تذكير سامعيه بصفته الأكاديمية، استاذاً في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وهو أكثر من مجرد وزير خارجية، فهو مفكر استراتيجي ضليع ومنظر السياسة الخارجية التركية الجديدة، وأصبح مهندسها بعدما تولى وزارة الخارجية في عام 2009م، وكان قبلها كبير مستشاري رئيس الوزراء لتنسيق القضايا الاستراتيجية بعد انتخاب حزب العدالة والتنمية. والأهمية التي يتمتع بها داؤود أوغلو بوصفه مفكراً استراتيجياً، تأتي من أنه لم يكتسب ذلك بعد وصول حزب العدالة للحكم، بل قبل ذلك حين نشر في عام 2001م كتابه المرجعي «العمق الاستراتيجي، موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية»، الذي رسم فيه رؤية عميقة لإعادة تعريف تركيا استراتيجياً، وبناء سياسة خارجية تحقق بها دوراً فاعلاً في السياسة الدولية، وحدد فيه ستة مبادئ لسياسة تركيا الخارجية الجديدة، وهو أمر يطول شرحه، ولكن من بين ثنايا هذا الحوار الذي أجريناه مع وزير الخارجية داؤود أوغلو بأسطنبول على هامش أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الرابع لقضايا الدول الأقل نمواً، سنتعرف على بعض الملامح في هذه الرؤية الاستراتيجية التي جعلت تركيا في غضون سنوات قليلة لاعباً فاعلاً في قلب السياسة الدولية. ومع تشعب وتوسع الأدوار الخارجية التي تلعبها تركيا على المسرح الدولي، سنقتصر في هذا الحوار على أربع قضايا تتعلق بالسودان والمؤتمر والعلاقة التركية مع إفريقيا، وموقف تركيا من الثورات العربية.
السودان وعواقب الانفصال الاستراتيجية:
بالطبع كان الهم السوداني والبلاد تشهد تحولاً جذرياً من خلال تقسيمه إلى دولتين، حاضراً في سؤال البروفيسور داؤود أوغلو عن رؤيته لهذا التحول، وتأثيره الاستراتيجي على أوضاعه في المستقبل وانعكاستها على القارة الإفريقية.
ويجيب داؤود أوغلو قائلاً: عندما ننظر للتركيبة الجيوسياسية والجيواقتصادية لإفريقيا فإننا سنجد السودان يمثل نموذجاً إفريقياً مصغراً بامتياز، وإذا رسمنا نموذجاً مختصراً لإفريقيا فلا شك أن السودان سيكون هو الدولة التي تختصر فيها إفريقيا بكل مكوناتها، لماذا؟ في شمال السودان يغلب المتحدثون باللغة العربية وهم يماثلون في ذلك التركيبة السكانية لشمال إفريقيا الناطقة باللغة العربية، أما في الجنوب فيغلب وجود القبائل الإفريقية الممتدة التي تقطن جنوب الصحراء الكبرى، وكما تعرف أكثر منا فإن وجود هذه القبائل يتمدد إلى خارج حدود السودان، إذ أن لها امتداداتها في دول الجوار الأقرب، ويمتد تواصلها بعيداً حتى النيجر، كما أن هذه القبائل ظلت تتحرك شمالاً وجنوباً داخل السودان حتى قبل أن يُرسم ما يُعرف بالحدود بين الشمال والجنوب، وهي تحركات لا تعترف بحدود مرسومة، لكنها تحكمها سبل كسب العيش واحتياجاتها الحياتية الموسمية.
لقد ظللنا نقول منذ وقت مبكر إن القضية السودانية يجب أن تعالج بشكل صحيح، لأن هذه المسألة لا تخص السودان وحده، بل تتعداه لتصبح قضية إفريقية بامتياز، لأن دول القارة ستتأثر بما سيحدث في السودان.
والسودان أكبر دولة في إفريقيا مساحة، ولديه عدد كبير من الدول المجاورة أكثر من أي قطر آخر في إفريقيا، فهو يجاور نحو عشرين بالمائة من دول القارة، وكلها ستتأثر على نحو أو آخر بالنموذج الذي سيتمخض عنه الوضع في السودان، لذلك لا يمكن اعتبارها قضية سودانية داخلية بحتة، بل هي قضية إفريقية بامتياز.
ونحن نعلم أن ما يحدث الآن هو نتاج تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، وهو اختيار الطرفين، ونحن نحترم ذلك ونؤكد على دعم تركيا للسودان بما يسهم في تجاوز القضايا الانتقالية العالقة بما يحقق الاستقرار، وقد تحدثت مع الوزير علي كرتي، عند اجتماعي به قبل يومين في اسطنبول، وتحدثنا حول موضوع أبيي والحدود والجنسية وغيرها من الترتيبات الانتقالية.
وتقسيم الحدود مسألة مثيرة للمشكلات دائماً، وما نقوله إنه إذا تعين تقسيم هذه الحدود فيجب أن يتم في حده الأدنى، ويجب أن تكون مرنة وفضفاضة بقدر الإمكان بحيث لا تؤثر سلبيياً على حياة السكان.
والشمال والجنوب يجب أن يستمرا في الاحتفاظ بعلاقات اقتصادية قوية متبادلة، ويجب ألا ينعزلا عن بعضهما البعض، وكما هو معلوم فإن سبعين بالمائة من حقول النفط توجد في الجنوب، كما أن البنية التحتية والمنشآت الضرورية لتصديره توجد في الشمال، ويجب ألا يضطر جنوب السودان للبحث عن بديل للوصل إلى منافذ أخرى إلى البحر لتصدير نفطه، لأن هناك بنيات موجودة ومستخدمة بالفعل في الشمال. وهي محفزات لتوثيق التعاون وتقوية العلاقات بأكثر مما تكون سبباً في عكس ذلك.
على أية حال ما دام قيام دولتين اصبح أمراً واقعاً وبتراضي الطرفين، فيجب ألا يكون ذلك سبباً في خلق مشكلات جديدة، بل يجب أن تعمل الدولتان في الشمال والجنوب وكأنهما دولة واحدة، والهدف هو تأمين انفصال سلمي قد يقود لاحقاً إلى إعادة توحيد سلمي، والسؤال هل هذا الحل ممكن؟ ومن المهم هنا إدراك انه إذا لم تعالج هذه الأمور في الوقت الراهن بحلول ناجعة، فإن الأجيال القادمة ستعاني أكثر وستدفع ثمناً أكثر، وإذا نجح الشمال والجنوب في تجاوز عملية الانتقال إلى دولتين بصورة سلمية تحفظ الصلات القوية بينهما، فإن الجيل القادم سيسأل لماذا انفصلنا؟، وما هي الأسباب الجوهرية لذلك، ونحن نعيش في المحيط الجغرافي ذاته، ونقتسم الموارد ذاتها.
ومسألة تقسيم الحدود يجب أن تعالج بعناية وحرص شديدين، وعند تغيير الحدود فإن الأمور لن تقف عند هذا الحد، وسيتسبب ذلك في إثارة الأوضاع في دول إفريقية أخرى، وفي إنتاج القضة ذاتها.
ويجب أن ننتبه إلى اننا في عصر تُغيَّر فيه الحدود من أجل خلق كيانات أكبر، وليس لتوليد وحدات أصغر، وأمامنا تجربة الاتحاد الأوروبي الماثلة، ولكن على أية حال نحن أمام عملية بدأت في السودان وفق ترتيبات اتفاقية السلام، وعلينا احترام هذا القرار، ولتركيا قنصل عام في جوبا، وعندما تعترف الحكومة السودانية بقيام دولة مستقلة في الجنوب، ستعترف تركيا حينها أيضاً بالدولة الجديدة.
ونعتقد أن خيار الجنسية المزدوجة يمكن أن يشكل حلاً جيداً للطرفين يجنب حدوث مآسٍ إنسانية قد تنجم عن تقسيم المجتمعات والقبائل والأسر باعتبارات سياسية، ومن الممكن أن يطرح حل عبر إنشاء منطقة انتقالية على جانبي الحدود وفق ترتيبات خاصة تحافظ على طبيعة حياة المجتمعات في هذه المنطقة.
ولا أحب استخدام مصطلح إفريقيا السوداء، وانا معجب بمالكوم إكس، الزعيم الأمريكي الإفريقي المعروف، الذي يرفض هذا الوصف واعتبره مصطلحاً خاطئاً، ولذلك فأنا لا أحب أن يُنظر لما حدث في السودان بحسبانه نزاعاً بين العرب والأفارقة السود، أو نتاج صراع بين إفريقيا جنوب الصحراء وإفريقيا شمال الصحراء الناطقة باللغة العربية، ويجب ألا يُنظر للأمر باعتباره نزاعاً بين الإسلام والمسيحية.
وعلينا أن نستفيد من النموذج الناجح الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي، فتشيكوسلوفاكيا انقسمت إلى دولتين، ولكن ليست هناك مشكلة حدود بينهما، لأنهما عادتا للتوحد تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، ونأمل في تجربة مماثلة بتطور الاتحاد الإفريقي إلى وضع لا يعود فيه معنى لوجود الحدود بين الدول الإفريقية.
لماذا الاهتمام بالدول الأقل نمواً؟:
وحول اهتمام تركيا باستضافة مؤتمر الأمم المتحدة الرابع للدول الأقل نمواً، وما ستجنيه من ذلك، يقول داؤود أوغلو: إن اهتمام تركيا باستضافة هذا المؤتمر هو تجسيد لاستراتيجية سياستها الخارجية الجديدة التي أعادت تعريف موقعها الجيوسياسي وتطوير دورها على الساحة الدولية بما يواكب مستجدات القرن الواحد والعشرين، إذ تجاوزت تركيا تنصيفها دولةً طرفيةً أو جسريةً إبان الحرب الباردة، فحقائق الجغرافيا والتاريخ تجعلها تندرج تحت تصنيف الدول المركز التي تتميز بالعمق الجغرافي والاستمرارية التاريخية والتأثير الثقافي المتبادل والترابط الاقتصادي المتبادل، وبهذا التعريف الجديد لم تعد تركيا مجرد معبر بين الشرق والغرب، أو بين أوروبا وآسيا، بل تعمل من خلال تفعيل دورها في الساحة الدولية وعبر المساهمة الفعَّالة في مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، لتصبح لاعباً يسهم في خلق واقع جديد وشراكة جديدة بين الشرق والغرب، وردم الهوة بين الشمال والجنوب.
وهذه هي المرة الأولى التي ينعقد فيها مؤتمر الأمم المتحدة للدول الأقل نمواً خارج دول الشمال، حيث انعقد المؤتمران الأول والثاني بباريس، والثالث في بروكسل تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، ونجحت تركيا في الفوز بترتيب المؤتمر الرابع بإجماع كامل، في حين لم تحظ النمسا التي نافستها على ذلك بدعم الاتحاد الأوروبي بأي صوت.
تسمية غير مناسبة:
وأشير هنا إلى أنني اتحفظ على تسمية هذه الدول ب «الأقل نمواً» وهو تعبير يحمل دلالات سلبية، ولذلك تحدثت مع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل العمل خلال الفترة المقبلة على اقتراح اسم أكثر مناسبة في تعريف هذه المجموعة، ومن المهم أن نشير هنا إلى أن بعض الدول المصنفة في هذا الإطار ذات أبعاد حضارية عميقة، وذات تاريخ في إقامة الدول، مثل إثيوبيا واليمن، كما أن نيبال هي مهد البوذية، ولذلك هناك حاجة لمصطلح أكثر انسجاماً مع معنى التطلع للمستقبل.
جدل ولعبة تلاوم:
بالطبع يدور جدل واسع حول من هو المسؤول عن حالة الفقر الاقتصادي التي تعيشها دول هذه المجموعة، فهي من جهة تتهم التاريخ الاستعماري لدول الشمال بالتسبب في إفقارها، في حين تلقى الأخيرة باللوم على سوء الإدارة وغياب الحكم الراشد، والفساد وعدم الاستقرار في وضعيتها الاقتصادية المتدنية الراهنة.
وموقفنا في تركيا من هذا الجدل هو أننا لسنا بصدد «لعبة تلاوم»، وهي ليست منتمية لأي من الجهتين، ولكن بحكم موقع تركيا بين دول مجموعة العشرين، ورغبتها واستعدادها للعب دور فعَّال في مساعدة الدول هذه الدول، هدفت تركيا من استضافة المؤتمر إلى أن تصبح صوت الضمير العالمي، وأرادت أن يرفع المؤتمر الصوت عالياً ضد عدم المساواة في النظام الاقتصادي العالمي. ولذلك يجب أن تُحاسب الدول الثماني الكبرى لماذا غاب قادتها عن المشاركة في أكبر نشاط أممي، أين هم ولماذا لم يشاركوا؟ كيف تكون هناك عدالة في النظام الاقتصادي العالمي وثماني دول تسيطر على الاقتصادي العالمي، فيما تقبع ثماني وأربعون دولة في هامشه، فكان يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر لأنه يجب إقامة نظام اقتصادي عالمي اكثر عدالةً، صحيح أنه يجب على الدولة المصنفة بأنها الأقل نمواً أن تصبح أكثر فاعلية وإنتاجية اقتصادية، لكن الشراكة تتطلب أن تسهم مجموعة الثمانية بدورها.
ورأيي الشخصي كأكاديمي في هذا الجدل، هو أنه لا يمكن إنكار دور الإرث الاستعماري. ومعرفة التاريخ الاقتصادي خلال عصر الاستعمار تؤكد أن السياسة الاستعمارية هي المسؤولة، ذلك أن الاقتصاد التقليدي يتحول ويتطور إلى اقتصاد حديث على النمط الحالي بمرور الزمن، عبر عملية تحول طبيعية، وعملية التحول والتطور هذه تعرضت للقطع في الدول التي تعرضت للاستعمار، كما أن مواردها استغلت لصالح اقتصادات الدول المستعمرة. لقد كانت البنغال أكبر مركز عالمي لصناعة النسيج، ولكن تحولت بفعل السياسة الاستعمارية إلى انجلترا.
كذلك لعب الاستعمار دوراً سلبياً بتمزيق أوصال المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الواحدة التي تم تقسيمها بفعل ترسيم الحدود وفق مناطق النفوذ للدول المستعمرة، وكان عندما يلتقي رجل أبيض بآخر تصبح حدوداً بغض النظر عن طبيعة التعايش والامتدادات السكانية للقبائل المتعايشة في مناطق اقتصادية واحدة، وهو ما حدث في إفريقيا، وفي جنوب شرقي آسيا وفي غيرها.
ولكن أيضاً ينبغي أن نشير أيضاً إلى أن الإرث الاستعماري ليس هو المسؤول الوحيد عن أوضاع الدول التي تعاني من تدني وضعيتها الاقتصادية، وهو ما يعني ضرورة أن تعمل على تعزيز الديمقراطية والشفافية والمحاسبة والعدالة في إنتاجيتها الاقتصادية، فهناك دول خضعت أيضاً للاستعمار وللمعطيات نفسها ولكنها نجحت في تجاوز ذلك الوضع وخلقت لنفسها مكانة اقتصادية مثل الهند وإندونيسيا وماليزيا وغيرها، ولذلك فإن الإرث الاستعماري وحده لا يفسر كل شيء. ولذلك نقول على دول الشمال الغنية أن تقرَّ بأنها مدينة للدول الأقل نمواً بسبب ماضيها الاستعماري واستفادتها من موارد الدول التي استعمرتها، وأن عليها أن تعمل على رد هذا الدين، كما نقول لدول الجنوب الفقيرة أن تكف عن مواصلة إلقاء اللوم في وضعها الحالي على التاريخ الاستعماري، وأن تؤسس للحكم الراشد وترفع كفاءة إنتاجها الاقتصادي.
تحديات العشرية الثانية:
المهم الآن وقد خرجت تركيا من المؤتمر بتعزيز دورها على الساحة الدولية بعدما أصبحت صوتاً يدافع عن مصالح هذه الدول، فإن أمامنا تحديات كبيرة، إذ سنتولى الإشراف على متابعة تنفيذ «خطة عمل اسطنبول» للعشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، وبالنظر إلى النتائج المحدودة التي تحققت على مدى العقود الأربعة السابقة منذ الاعتراف بوضعية هذه الدول، وكان نتاج ذلك أن زادت من خمس وعشرين دولة لتصبح ثماني وأربعين دولة، ولم تخرج من هذه اللائحة طوال السنوات الماضية سوى ثلاث دول، فإننا سنعمل على أن يخرج أكبر عدد ممكن من الدول من هذا التصنيف خلال السنوات العشر المقبلة، وستعقد تركيا مؤتمراً في منتصف هذه الفترة لتقويم الأداء والتحقق من إحراز النتائج المرجوة.
العلاقة مع إفريقيا.. اختبار لاستراتيجيتنا:
وحول الاهتمام الخاص الذي تبديه تركيا لعلاقاتها مع إفريقيا، يقول داؤود أوغلو: إن انفتاح تركيا على إفريقيا هو إحدى نتائج إعادة رسم سياستها الخارجية، على نحو يحقق لها التأثير العالمي، والمشاركة في حل المشكلات.
فخلال فترة الحرب الباردة كانت تركيا تحدد أولويات سياساتها الخارجية حسب التهديدات الأكثر خطورة عليها، وبالتالي لم يكن لمناطق مثل إفريقيا وأمريكا الجنوبية موقع داخل السياسية الخارجية التركية، لبعدها الجغرافي وعدم توفر علاقات معها.
لقد أسفرت الآفاق الجغرافية الجديدة التي انفتحت عليها السياسة التركية عن تطور في العلاقات مع مناطق لم تكن من قبل ضمن خارطة اهتماماتها، ولعل الانفتاح التركي على إفريقيا يمثل نموذجاً لافتاً في هذا الخصوص، فعلى النقيض من وشائج وعلاقات القربى التي كانت تربط القارة الإفريقية بالدول العثمانية، فقد ظلت إفريقيا على امتداد تاريخ الجمهورية ملفاً منسياً. والسياسة الخارجية التركية اليوم لا يمكنها التأثير في السياسات الإقليمية أو العالمية على حد سواء، دون أن يكون لها تصور ورؤية لعلاقاتها مع القارة الإفريقية.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن تركيا لا ترى وفق رؤيتها الجديدة لسياساتها الخارجية أن إفريقيا قارة بعيدة عنها، فتركيا من الناحية الجيوسياسية دولة أوراسية ذات جوار مباشر مع إفريقيا، وقد اصبحت إفريقيا إحدى ساحات الاختبار لرؤية السياسة الخارجية التركية الجديدة، تعكس حقيقة مضامين ومبادئ هذه السياسة من حيث التصور الجيوسياسي والعمق الاستراتيجي، والأسلوب الدبلوماسي. والمدى الذي وصلت إليه العلاقات التركية الإفريقية خلال الفترة القصيرة الماضية يمثل دليلاً على نجاح هذه السياسة، فقد أعلنت تركيا عام 2005م عام الانفتاح التركي على إفريقيا، وفي مارس من العام نفسه سجل رئيس الوزراء أردوغان أول زيارة من نوعها في تاريخ الجمهورية التركية إلى إثيوبيا وجنوب إفريقيا، وفي الشهر الذي يليه أصبحت تركيا عضواً مراقباً في الاتحاد الإفريقي، ومع تعمق العلاقات أعلن الاتحاد الإفريقي تركيا شريكاً استراتيجياً في يناير 2008م.
وتطورت الأمور أكثر إلى الأمام حين استضافت اسطنبول في أغسطس 2008م، أهم قمة في تاريخ العلاقات التركية الإفريقية شاركت فيها اثنتان واربعون دولة من القارة تحت شعار «التضامن والشراكة من أجل مستقبلنا»، وبفضل هذه العلاقة المتنامية سرعان ما ظهر أثرها حين صوتت الدول الإفريقية بالإجماع لصالح انتخاب تركيا عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي في أكتوبر 2008م، ومن المخطط أن تعقد القمة التركية الإفريقية الثانية في عام 2013م، من أجل تحويل التطورات التي شهدتها العلاقات بين الطرفين إلى تعاون شامل، وتعزيز أرضية التشاور بشأن القضايا العالمية. وخلال سنوات قليلة تضاعف حجم التجارة الخارجية بين تركيا وإفريقيا من خمسة مليارات دولار عام 2003م إلى 12 مليار دولار حتى عام 2007م.
ودعني أشير هنا إلى انني منذ تسلمت منصب وزير الخارجية منتصف عام 2009م، فقد ارتفع تمثيلنا الدبلوماسي في إفريقيا بنسبة مائة وخمسين بالمائة، فقد كانت لدينا اثنتا عشرة سفارة، وافتتحنا ثماني عشرة سفارة جديدة، بحيث أصبح لدينا تمثيل دبلوماسي في نحو ستين بالمائة من دول القارة الإفريقية.
وكذلك حققت المؤسسة التركية للتعاون والتنمية، وهي ذراع التعاون التنموي الخارجي لتركيا، قفزة جادة في الانفتاح على إفريقيا، حيث استطاعت من خلال مكاتبها في ثلاث دول إفريقيا في السودان وإثيوبيا والسنغال، أن تسهم بصورة مباشرة في العديد من مشروعات التنمية في سبع وثلاثين دولة إفريقية، ولديها برنامج خاص بالتنمية الزراعية في إفريقيا عمل خلال السنتين الماضيتين على المساعدة في تطوير الزراعة في ثلاثة عشر بلداً إفريقياً في أنحاء القارة المختلفة.
وكذلك أسهمت تركيا بصورة مباشرة في دعم الجهود الإنسانية في بعض دول إفريقيا من خلال المؤسسات الدولية، حيث قدمت تركيا مساهمات بخمسين مليون دولار لمشروعات التنمية في إفريقيا من خلال منظمات الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي والصليب الأحمر، وهذا ما جعل تركيا في المرتبة الثانية بعد الصين بين الدول التي تقدم مساعدات لإفريقيا.
وبهذه الجهود كلها أصبحت إفريقيا ساحةً مؤثرةً في السياسة الخارجية التركية، وتحقق لتركيا انفتاح على الساحات العالمية في سياساتها الخارجية، وهي تطورات ستؤتي ثمارها سواء على المستوى الدولي أو على مستوى العلاقات الثنائية والإقليمية، من حيث التأثير الاستراتيجي والاقتصادي والثقافي المتبادل، ودعني أشير هنا إلى أن العلاقات مع إفريقيا تدعم علاقات تركيا وتعززها في العلاقات الأخرى، وهو ما يمكن تفسيره بأنه إحدى ثمرات نهج السياسة الخارجية المتعدد الأبعاد، وبهذا المفهوم فإن الحرص على العلاقة مع إفريقيا أمر واجب إذا أرادت تركيا أن تصبح قوة عالمية.
الثورات العربية.. أي موقف؟:
من المعلوم أن أحد مبادئ السياسة الخارجية التركية الجديدة، تصفير المشكلات خاصة مع جيرانها العرب، أي تصفية الخلافات مع جيرانها الأقرب والانفتاح عليهم، ولكن يبدو أن الثورات العربية المندلعة في أكثر من دولة عربية وضعت هذه السياسة الجديدة على المحك، وأصبحت السياسة التركية مطالبة باتخاذ موقف بين الشعوب الثائرة والحكومات التي تحتفظ بعلاقات جيدة معها، فهل تواجه تركيا مأزقاً بهذا الخصوص؟
يقول وزير الخارجية التركي بشأن الحركات الشعبية في الوطن العربي: موقفنا واضح في كل مكان مما حدث ويحدث في ليبيا، مصر، تونس، سوريا، اليمن وفي البحرين، ونتبع سياسة واحدة، وما نقوله أولاً هو أن هناك حاجة فعلية للتغيير والإصلاح المطلوب. وما يطالب به الناس في كل هذه التحركات المزيد من الشفافية والديمقراطية والحاجة لنظم أكثر عدالة، وكل هذه القيم نحن نؤمن بها وندافع عنها، ورسالتنا واحدة وواضحة، وبعثنا برسائل قوية لقادة هذه الدول مفادها أن التغيير يجب أن يحدث ونعني التغيير فعلاً.
والتعاطي مع الوضع في كل واحدة من هذه الدول قد يختلف، ففي مسألة اليمن هناك مبادرة خليجية نحن ندعمها، أما بالنسبة لسوريا فهي جارنا الأقرب ولا يمكن أن نقف متفرجين، ولذلك توجب علينا أن نتخذ أفعالاً، ولذلك ندعم الإصلاحات بقوة، وعبرنا عن ذلك بكل وضوح.
وعلى أية حال عندما يكون هناك رئيس سابق على قيد الحياة يكون الأمر مختلفاً، فعندما زرت تنزانيا عرفت أن هناك رئيساً سابقاً يعيش، بمعنى أنه خرج من السلطة بعملية ديمقراطية، وهذا يعطي أملاً للشعب بأن هناك رئيساً سابقاً يمكن أن يخضع للمساءلة والمحاسبة، ولا يمكن تصور أن يبقى رئيس في السلطة لثلاثة أو أربعة عقود بدون أن يكون خاضعاً للمساءلة، ولا يمكن أن يعيش المواطنون في تلك الأوضاع فقراً اقتصادياً بسبب ذلك، ثم يلقي الحاكم طوال هذه العقود اللوم على الاستعمار.
ونحن في تركيا لدينا انتخابات عامة تجرى بانتظام، وإذا لم تستطع أن تحقق نجاحاً إبِّان وجودك في سدة الحكم، فسيأتي آخرون مكانك بإرادة الشعب، بمعنى أنه يجب أن تكون هناك انتخابات حرة وعادلة. فحزبنا مثلاً كسب الانتخابات بنسبة خمسة وأربعين بالمائة، ولكن عندما يأتي رئيس ليقول إنه فاز بنسبة تسعة وتسعين بالمائة أو تسعين بالمائة، فهذا يعني أنه ليست هناك انتخابات، ولا ديمقراطية، وهذا ما يجب تغييره.
والمهم في التحركات الشعبية أن تحتفظ بطابعها السلمي، والنموذج المصري في هذا المجال جيد لأنه كان الأكثر سلمية، وإذا كان هناك توتر تحاول تركيا أن تساعد في تخفيف التوتر، فقد حاولنا ذلك في ليبيا في وقت ما بهدف ألا يتم تقسيم ليبيا، والأمر نفسه بالنسبة لليمن، إذ يجب ألا يؤدي الحراك الشعبي إلى تقسيمه، او تنزلق إلى حرب أهلية، والتغيير أمر جيد، ولكن المهم ما هو اتجاه التغيير وإلى أين يقود؟ إذ يجب ألا يؤدي إلى تقسيم البلدان على أسس عرقية أو طائفية أو دينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.