المتأمل لتاريخ المتصوفة يجد أنهم قد شاركوا في مختلف المعارك الجهادية عبر العصور والأزمان وفي مختلف البلدان، وكان قادة الجيوش وحكام البلاد يعتمدون عليهم أكثر مما يعتمدون على غيرهم، فالجهاد عند المتصوفة إحدى وسائل الدعوة إلى الله تعالى، لذا آثروا الإقامة في الثغور والرباط على الحدود، وذبوا عن الحمى، وصدوا عن المسلمين أخطر غزوات التاريخ على بلاد الإسلام، لقد عملوا قواداً وساسة وخبراء لصلاح الدين الأيوبي في معاركه ضد الهجمة الصليبية، كما كانوا قواداً في المعارك الإسلامية ضد التتار. وفي السودان ثار مشايخ الطرق الصوفية ومريدوهم على الكفر وسدنته ومؤسساته، فحاربوا الاستعمار وأشعلوا روح المنافحة والمكافحة ضده إعلامياً وقتالياً، وعملوا على تصحيح الأوضاع الداخلية حتى لا تعلو لغير الله راية، وهكذا خرج الإمام المهدي من رحم التصوف ورضع وتشرب معاني الجهاد في الطريقة السمانية التي تربى في أحضانها حتى شبَّ عن الطوق شيخاً فيها، فاستطاع بروحه الصوفية وتربيته الجهادية دحر قوى الاستعمار وإزالة سلطة الظلم والطغيان. وفي عهد الحكم الاستعماري الثنائي لعبت الطرق الصوفية عن طريق الجهادين الأكبر والأصغر دوراً بارزاً وقيادياً في حرمان المستعمر والدخيل من تلوين فكر المجتمع السوداني وتشويه ثقافته وطمس معالم الإسلام فيه. فقد اتخذ الشيخ قريب الله من حفل أقيم في سراي الحاكم العام بالخرطوم، اتخذ منه منصة لإطلاق شرارة إعلامية وإيمانية، فقد هدف من إعلان شعيرة أذان صلاة العصر أثناء الحفل وإقامة الصلاة إشعال روح الثورة بين الحاضرين، وحثهم على التمرد على الحاكم العام والثورة عليه، ومناهضة مؤسساته وتقويض سلطاته. وللشيخ محمد الفاتح كذلك إسهامات وطنية مشهودة، فلم يكن يتردد في قول كلمة الحق لمن جاءه حاكماً أو محكوماً، وكان محل النصح والمشورة وإبداء الرأي السديد لأولي الأمر في حياته لا يخشى في الله لومة لائم. أما عطاء الإمام المجدد البروفيسور الشيخ حسن الوطني ودوره في تحقيق الوفاق السياسي والسعي إلى رأب الصدع بين القوى السياسية المختلفة بالإضافة إلى جهوده العلمية وإسهاماته في مجال التعليم بمستوياته المختلفة، كل ذلك كان محل الإشادة والتقدير من أولي الأمر في الدولة، وتجسد ذلك التقدير في منح السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير وسم العلم والآداب والفنون الذهبي للشيخ حسن عام 2003م. واليوم تقوم الطريقة السمانية الطيبية القريبية الحسنية وبقيادة مرشدها الشيخ محمد بتكريم السيد رئيس الجمهورية في الساعة الثالثة عصراً وفاءً وعرفاناً وتأكيداً لدور هذه الطريقة السابق واللاحق في الدفاع عن الثوابت الوطنية، والوقوف مع الصف الوطني ضد الهجمات الخارجية التي تسعى إلى تقسيم الوطن وتهديد ترابه باستهدافها شخص رئيس الجمهورية الذي هو بمثابة ولي أمر المؤمنين الذين أوجب عليهم الشرع التزام أمره وصد الأعداء عنه، لا سيما الذين يكيدون للإسلام ويسعون بالفتنة بين المسلمين. إننا والسودان يواجه هذه الهجمة الشرسة، في أمس الحاجة إلى إلقاء خلافاتنا وراء ظهورنا، والوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص. لقد عُرف المتصوفة بزهدهم في السلطة وعزوفهم عن الأضواء، ولكن إذا ألمَّ خطب بالأمة أو أحدق خطر بالوطن تجدهم في مقدمة الصفوف يدافعون وينافحون عنه، ويبذلون الأنفس والمهج من أجل سلامته واستقراره وصون كرامته.