في ذكرى رحيل ابراهيم عوض تمنيت أن نقدم كشف حساب لحال الأغنية السودانية، الارباح والخسائر والحال المائل!! رحل ابراهيم عوض الذي كان يمثل ظاهرة في تجليات المشهد الغنائي السوداني، بعد أن أوصل الأغنية السودانية مع جيله من الفنانين إلى مرتبة عالية كانوا يتعاملون مع الفن باحساسهم وفكرهم وكل الحواس، حتى حققوا مكاسب كبيرة للفن والمجتمع والحياة والناس. الأغنية مع ابراهيم عوض كانت ترسم لنا صورة مشرقة للحب والانسانية والحرية وحتى العتاب كان يبدو رقيقاً عندما يغني ابراهيم عوض من كلمات عوض أحمد جبريل: .. يا غاية الآمال .. لو تعرف الشوق ما كان جفيتنا زمان وأنت الحنان والذوق ابراهيم عوض اختار شعراءه بذكاء، وان كان تعاونه مع عوض أحمد خليفة محطة مهمة فان تعاونه مع عبد الرحمن الريح والطاهر ابراهيم وسيف الدين الدسوقي كان الشفرة التي اخرجت لنا الروائع من أسرار العيون وهيجتني الذكرى وأخريات مع عبد الرحمن الريح والمصير والمرأة الجميلة للدسوقي ومع الطاهر ابراهيم عزيز دنيانا (ويا ملاذ افكارنا الهيمانة ونشتاق ليك وأنت معانا) وهل انسى تعاونه مع ابراهيم ولو عاوز تسيبنا جرب وأنت سيبنا)... ابراهيم عوض وشعراؤه واغنياته واختياراته تقف شاهدة على قصة الابداع عندما تكون الأغنية رسالة حب وابداع ضد الهبوط الذي تغرق فيه الاغنية السودانية اليوم! في عصر ابراهيم عوض كانت الاغنية مسؤولية تجاه المجتمع واليوم أصبحت الأغنية جسراً للشهرة، وأصبح المضمون آخر شئ يفكر فيه بعض الفنانين ولا يهم ان تكون الكلمات مبتذلة مثل (ورا وراا) أو سوقية مثل (حرامي القلوب تلب) أو عنيفة مثل (تفضل من غير مطرود)! قال لي بعض الفنانين المدمنين للغناء الهابط نحن نقدم أغاني تعكس الواقع ، قلت لهم اننا نحب أن نتكئ على شاطئ الجمال في الاغنيات وليس على مرفأ الهبوط! ومن حقنا أن نستنشق الغناء المعافى! ابراهيم عوض من حظه أن رحل قبل أن يسمع هذه الاغنيات الملوثة. في ذكرى ابراهيم عوض نحتاج إلى تلمس هذا التراجع المخيف الذي تشهده الأغنية السودانية في التأليف والتلحين والانتاج ، العالم من حولنا يتطور ونحن مازلنا ندور في فلك التراجع المخيف رغم وجود كلية متخصصة للموسيقى ولكن هذه الكلية لم تظهر اضافاتها للساحة الفنية! ابراهيم وجيله سقوا عصرهم بأفكارهم المتقدمة كانت هناك ورش فنية لانتاج الأغاني والتفاكر في قضايا الفن. كان الفنان يهتم باختيار الأغاني التي تناسب صوته وبعض الاغنيات أدخل عليها التوزيع الموسيقي والتجديد الذي أضفى شيئا من الابداع على الاغنيات. تمر ذكرى ابراهيم عوض والاغنية السودانية حالها لا يسر هي في نفق مظلم وواقع لا يرضي الصديق. نحتاج إلى الاهتداء بتجربة ابراهيم عوض في مشوار الفن الحافل بالاشراقات، وتقديم خارطة طريق جديدة للخروج بالاغنية السودانية إلى آفاق التطور ويجب أن يبدأ الحوار (بشفافية) ويعترف بالاخفاقات حتى يعود إلى الاغنية السودانية سحرها المفقود. [email protected]