تجئ الزيارة الثالثة والأخيرة للمقرر الخاص لحقوق الإنسان محمد عثمان شانداي الي السودان في ظروف ربما تكون استثنائية ، واتخذت الزيارة صفة الأخيرة ليس نزولاً لدى رغبة الحكومة ومعارضتها تعيين مقرر خاص يتابع حقوق الإنسان في السودان باعتبار ان السودان بلد يحترم حقوق الإنسان ، بل لأن فترة عمله في خواتيمها ، حيث سينهي عمله كمقرر خاص في سبتمر القادم . و تتزامن زيارة الرجل هذه المرة مع تفاقم الأوضاع الإنسانية في منطقة أبيي وسط السودان فوفقاً لاحصائيات المنظمة الأممية فان أكثر من نحو 60 ألف نزحوا من المنطقة جراء تصاعد أعمال العنف . غير أن المقرر الخاص وفي أول تصريحات صحفية له عقب وصوله الخرطوم لم يفت عليه ان ينوه الى أنه سيركز بشكل أساسي علي أمر الاعتقالات التي تحدث في الشمال، وقال « سأركز في زيارتي بوجه خاص على عمليات الاعتقال والاحتجاز في الشمال ، والمواجهات المسلحة التي وقعت بين الجيش الشعبي والمليشيات المسلحة في المناطق الانتقالية، والصراع الدائر في دارفور وتدهور الوضع في أبيي « . وكأن ما حدث في أبيي من تدهور للوضع الإنساني قد يضطر الحكومة الي مراجعة حساباتها خاصة بعد التفاؤل الذي اظهرته الحكومة بعيد تقديم وزير العدل محمد بشارة دوسه التقرير الخاص بحقوق الإنسان في السودان منتصف مايو المنصرم في جنيف، فقد أشار التقرير الى التحسينات التي أدخلتها الحكومة السودانية في مجال بسط العدالة و سيادة حكم القانون في دارفور واعادة تشكيل مكتب المدعي العام الخاص بجرائم الحرب في دارفور. وفي منحى آخر حاولت الحكومة رتق النسيج الاجتماعي عبر دعم عدد من مبادرات الصلح القبلي بين قبائل دارفور، حسبما ورد في التقرير، وعلى الرغم من أن التقرير حظي وقتذاك بدعم من الدول العربية وفي معيتها الصين لكن في المقابل لم تتردد الدول الغربية -وفي مقدمتها بريطانيا- في انتقاد تقاعس السودان في عدم الايفاء بالتزاماته حسب قولها، خاصة في بعض القضايا التي تتعلق بالحريات الصحفية ، وطالبت بريطانيا حكومتي الشمال والجنوب باحترام حقوق الإنسان والحفاظ على أمن المواطن . ايطاليا بدورها انتقدت عقوبة الاعدام وركزت على ضرورة محاربة « ختان الاناث « ، في حين طالبت أستراليا الحكومة السودانية بالمصادقة على اتفاقية المرأة «سيداو» والمصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب دون تحفظ. وفي خطوة ايجابية أبدت النرويج استعدادها لتقديم الدعم اللازم لبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان بالسودان. أما دول شرق آسيا وأميركا اللاتينية، فقد أبدى بعضها تحفظه على تقرير السودان الذي تم عرضه في المجلس واعتبره جيدا رغم النواقص ، ولم تفوت الحكومة السودانية الفرصة وسارعت باطلاع شانداي امس على مخرجات ما تم في جلسة مجلس حقوق الإنسان في جنيف، والتي استعرض فيها وفد السودان التقرير الدوري الشامل، أفاد وكيل وزارة العدل في تصريحات صحفية الى أنه تم التأكيد للخبير المستقل، ان أغلب الدول التي تقدمت بمداخلات وقدمت بعض التوصيات اشادت بتقرير وفد السودان . وعلى الرغم من المؤشرات الايجابية الاّ أن مصادر حكومية مطلعة توقعت ألا يحتوى تقرير المقرر الخاص شاندى عقب انتهاء مهمته في السودان على مؤشرات ايجابية ، لاسيما بعد النزاعات الاخيرة في أبيي، وقال المصدر ل« الصحافة »، « ستظل قضية حقوق الإنسان في السودان امام نظر مجلس حقوق الإنسان ، والنزاعات الاخيرة ستؤثر سلباً على تقرير المقرر الخاص « . وأضاف المصدر ذاته، الذي فضل حجب اسمه « قضية أبيي اعادت نشاط مجموعات الضغط التي تعمل ضد حكومة الخرطوم مرة اخرى « ، هناك بعض الدوائر في المجتمع الدولي اعادت العدائيات ضد السودان « . وعلى الرغم من النبرة غير المتفائلة الاّ أن شانداي وفي اول لقاء له في الخرطوم جمعه مع وكيل وزارة العدل عصام الدين عبدالقادر أشاد فيه بالاجراء الذي أتخذته الحكومة بتعيين وكيل نيابة مختص لزيارة المعتقلين بحراسات جهاز الأمن، مؤكداً أن القرار يعتبر في غاية الأهمية ويعد تطوراً كبيراً وسيمكن وكيل النيابة من اتاحة الفرصة للمعتقلين للقاء أسرهم ومحاميهم. وبدا ان الاوضاع الإنسانية في أبيي في طريقها نحو الانفجار خاصة بعد دخول موسم الامطار الموسمية التي تعد احد العوامل العديدة التي فاقمت الأزمة الناتجة عن الهروب المفاجئ لعشرات الآلاف من المدنيين ، ووفقاً لعمال الاغاثة التابعين لبرنامج الغذاء العالمي تحدثوا لشبكة الانباء الإنسانية ان معظم الطرق في جنوب السودان غير صالحة للاستخدام خلال موسم الامطار مما يجعل عملية نقل الغذاء في غاية الصعوبة . وفي محاولة لاتقاذ الوضع تمكن البرنامج من الوصول الى أكثر من 45,000 من الأشخاص الذين نزحوا من أبيي مقدما لهم المساعدات الغذائية في أعقاب عمليات القتال ، حيث قام برنامج الأغذية العالمي بارسال 30 موظفا اضافيا لادارة عمليات توزيع الغذاء وتقديم الدعم اللوجستي والتنسيق مع العاملين الإنسانيين الآخرين على الأرض لتقديم الخدمات الإنسانية المنقذة للحياة. كما سيقوم بارسال خبير لتقييم الوضع التغذوي لأولئك النازحين خاصة الأطفال ووضع الأمن الغذائي العام في مقاطعة تويك التي يوجد فيها تمركز كبير للنازحين. ويحاول المبعوث شانداي وخلال العشرة أيام التي يقضيها في السودان حسب برنامج الزيارة جمع اكبر قدر من المعلومات مباشرة عن الوضع العام لحقوق الإنسان في شمال وجنوب السودان ، وتُمنِي الحكومة نفسها بأن تكون انتهاء ولاية شاندي والتي تنتهي في سبتمبر المقبل هي الأخيرة المتعلقة بأي اجراءات خاصة بأوضاع حقوق الإنسان في السودان ، وأن تفلح في اقناع المجلس بعدم تعيين مقرر جديد ، لكن المصادر السابقة بدت متشائمة من اقناع المجتمع الدولي لعدم التصويت لتعيين مقرر خاص لحقوق الإنسان في السودان ، وقالت « على الرغم من الجهود المضنية التي تبذلها الحكومة على أعلي مستوياتها وعبر اتصالات مباشرة مع الدول ،الاّ أن المجتمع الدولي لن يصل الى درجة الاعتراف بعدم حاجة السودان الى مقرر « .