رغم ان توقعات الاوساط الدولية والمحلية باندلاع اعمال عنف اثناء الانتخابات التكميلية بجنوب كردفان لم تصدق، كما راهن كل من يعلم طبيعة التعايش بين جميع مكونات الولاية، فان الاحداث التي اندلعت فى كادوقلي وما جاورها من الجبال كذب رهانات اخرى،على تجاوز الجبال لتداعيات اكتساح المؤتمر الوطني للدوائر الانتخابية، رغم المحاولات اليائسة للحلو وهارون للتمظهر بثوب الحرص على السلام والاستقرار وارواح المواطنين. فالحلو الذي رفض لهجات التصعيد لدى منسوبي الحركة بعد الانتخابات،لم يستطيع ان يجمح دعاة العودة الى الجبال بعد احداث ابيي. وهارون المنتخب للتو لم يهتم كما تبين تصريحاته على صفحات الصحف، بمستقبل التعايش بين مكونات جنوب كردفان سواء التي حملتها بروتوكولات نيفاشا الى الواجهة او التي قبعت فى انتظار ما تسفر عنه الانتخابات والمشورة الشعبية.ووالي جنوب كردفان الذي قطع اليوم بانتهاء الشراكة مع الحركة الشعبية فى الولاية، لم يكتفِ بالتعهد بملاحقة نائبه الحلو قانونيا وانما توعده عبر الاثير بالحساب العسير، وهذا رغم ان هارون يعلم انه بتلك الخطوات يكون قد قطع الطريق تماما امام المساعى المبذولة اقليميا ودوليا- وربما حزبياً - من اجل نزع فتيل الأزمة، وتمهيد الطريق لمعالجة الاوضاع حتى يستكمل الطرفان انفاذ بروتوكول جنوب كردفان. وخطورة ما اعلنه هارون اليوم انه يتسق مع أحد الخيارات المفخخة التي طرحها المؤتمر الوطني على لسان د. قطبي المهدي ،حال تفاقم الاوضاع، والذي يقضي بتعيين حاكم عسكريا للمنطقة ،وهو ما يعني تعليق العمل ببروتوكول جنوب كردفان، واعتبارها منطقة حرب.اذن الولاية التي كانت وعود المتسابقين نحو كرسي الحكم فيها ترتكز جميعها في الاتيان بالسلام والاستقرار ثم التنمية التي لا تعرف مكانا بين اراضيها المنبسطة وسفوح جبالها،عادت اليوم الى ماضيها الملعون كما يصفه الكهول هناك ، وتطابقت قراءات المحللين والمراقبين لما يموج بارضها عقب الانتخابات ونتائجها الاولية،التي اظهرت تبايناً وانقساماً حاداً مما دعاهم لتعريف الوضع بان صناديق الانتخابات عبرت بشكل حقيقي عن صناديق الذخيرة وهو ما قد كان. فالحال الآن كما يصفه مستشار الوالي عبد الله بدوي يقطع بذهاب الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بلا رجعة،وهذا بالرغم من ان قيادات من مجلس التحرير التابع للحركة فى جنوب كردفان رفضت التورط فى الاحداث الاخيرة، بحسب بدوي، ذالك لان الحرب التي يخوضها الجيش الشعبي هناك هى حرب ضد الحكومة التي يديرها حزب المؤتمر الوطني.لكن البدوي الذي تحدث ل» الصحافة « من كادوقلي بالامس اكد ان تورط قيادات من الحركة الشعبية فى تفجير الاوضاع فى الولاية لايمنع من اجراء ترتيبات اخرى معها فى اطار التعاون بين الحزب الحاكم فى جنوب كردفان وبقية المكونات السياسية بالولاية، مستدركا:» يمكن ان تكون هناك شراكة بين الحزبين، لكن شراكة فى الحكومة.. فلا.». ويشير مستشار والي جنوب كردفان فى هذا الصدد الى ما اعلنه نائب رئيس الحمهورية على عثمان طه بخصوص الاعداد لترتيبات سياسية وعسكرية جديدة فى جنوب كردفان والنيل الازرق.بيد ان بدوى بدا مهموما بمستقبل العلاقة بين الشريكين الكبيرين فى ارض الجبال، وذلك حين قال لنا بعد تفكير ان الوطني فى جنوب كردفان لن يغلق الباب امام مقترحات وجهود قيادات من الحركة رفضت التورط فى الاحداث وادانتها، خاصة وانها تتمتع بثقل حقيقي فى جنوب كردفان، وكشف ان من بين القيادات الرافضة معتمدين وضباط فى الجيش الشعبي، قال مستشار الوالي انه كان لهم دور فى سحب البساط من تحت اقدام عبد العزيز الحلو. ويؤيد المحلل السياسي ابو كلام آدم ابو كلام ما ذهب الى التأكيد عليه مستشار هارون من ان الشراكة بين الحركة والوطني فى جنوب كردفان قد ذهبت بلا رجعة،وذلك بحسب تعبيره يعود الى ان» العملية بقت حرب بين الحكومة التي هى المؤتمر الوطني والحركة»، الا انه يحذر من تأثيرات ذلك على الاوضاع الانسانية والاجتماعية فى الولاية،ويقول ل» الصحافة « من «الابيض» التي فر اليها اغلب مواطني الولاية، ان الاوضاع على ارض جنوب كردفان متأزمة،ويجب على الاطراف السعى لايجاد حل عاجل للازمة،غير ان ابوكلام القى تبعات ما يحدث فى جنوب كردفان على الحركة التي لم تعترف بنتائج الانتخابات وبالتالي لم تعتد بما تمليه الشراكة، وهو فى ذلك يتماهى مع الرواية الرسمية لجذور الازمة،الا انه بالرغم عن ذلك يطالب بضرورة تدخل الاطراف المختلفة، وفى مقدمتها القوى الاقليمية والدولية الراعية لاتفاق السلام لتهدئة الاوضاع ومن ثم الجلوس مع الشريكين لسماع وجهات نظرهما وتقريب شقة الخلاف، لتدارك التداعيات الانسانية المخيفة لما يحدث الآن فى جنوب كردفان.ولكن هل تصمد دعوات التهدئة التي اطلقتها اطراف مختلفة منذ تفجر الاحداث، وكيف يطمع الوسطاء الذين انبروا لحث الطرفين المتحاربين فى الولاية على الجلوس للحوار فى وقت يتبادل فيه التوأمان هارون والحلو التهديدات و تشديد الخطاب، فتصريحات هارون اليوم لا تختلف فى حدتها عن تصريحات الحلو بالجمعة، والتي مضى فيها نائب رئيس الحركة الشعبية فى الشمال ونائب والي جنوب كردفان، الى اعلان انه يقود شخصيا «معركة الكرامة لتحقيق التغيير الجذري في المركز» محملا من بعد ذلك الرئيس عمر البشير ،شخصيا ، مسؤولية الأحداث التي تشهدها ولاية جنوب كردفان، للتهرب ،كما يعتقد الحلو ،من دفع استحقاقات المشورة الشعبية التي نصت عليها اتفاقية السلام الخاصة بالمنطقة بنهاية الفترة الانتقالية. وقد أكد الحلو انهم حاربوا لعشرين عاما، وتعلموا من تلك الحرب ان المؤتمر الوطني ليس لديه شيء سوى الاستبداد والغطرسة . وتابع: «هم الآن أعلنوا الحرب، وألغوا الاتفاقية، وعليهم أن يتحملوا تبعاتها، ونحن لن نعود إلى الحوار معهم مرة ثانية، لأنهم غدروا باتفاق تم عقده قبل أيام وقاموا بتصفية قادة من الجيش الشعبي كانوا يعملون ضمن القوات المشتركة.وتصريحات الحلو التصعيدية لم تقف عند قيادات المؤتمر الوطني فى الولاية، وانما اتجهت من طرف خفي الى قيادات اخرى داخل الحركة الشعبية قطاع الشمال، لم يسمها الحلو، لكنها وحدها من دعت بشكلا متسارع الى التهدئة ووقف اطلاق النار، فقد قال ياسر عرمان فور تفجر الاحداث والمواجهات الدامية «اننا ندعو لوقف فوري لإطلاق النار وبدء الحوار فوراً، قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان القطاع الشمالي مستعدة دائماً للجلوس مع حزب المؤتمر الوطني، للوصول إلى حل من شأنه أن يجلب السلام الدائم. ورغم ان عرمان قد شدد فى ذات التصريح على أن إستمرار نزع سلاح الحركة الشعبية لتحرير السودان القطاع الشمالي سيؤدي إلى أزمة كبرى، فان دعوته المتسارعة بوقف اطلاق النار، وجدت صداها عند عبد العزيز الحلو الذي قال منتقدا كل من سارع فى الخرطوم بالدعوة الى وقف اطلاق النار:»عليهم أن يحددوا من الذي ابتدر بخرق الاتفاقية باطلاق النار على العزل،وعليهم مواجهة النظام في الخرطوم لأننا نحمل السلاح من أجلهم لتحقيق التحول الديمقراطي والسلام والحريات»وأضاف: «هم يريدون التوسط في صراع بائن مع المركز،لا بد أن يكون لديهم موقف واضح من نظام المؤتمر الوطني». ولئن كانت القوى السياسية السودانية قد بادرت كعادتها فى مثل هذه المناسبات، باصدار بيانات التهدئة فان رد فعل الحلو القوى كما تابعنا على دعوات التهدئة، يحمل فى داخله اشارات تدعو بذاتها الى التمعن.ورغم ان «الصحافة» قد سعت الى القيادي بالحركة ووزير الصحة السابق د. عبد الله تية هاتفيا لاستقراء مآلات الشراكة فى جنوب كردفان على ضوء التصعيد المتبادل، فان الرجل ظل مستعصما بفضيلة السكوت، تحت شعار ان الاوضاع لم تنجلِ حتى الآن، وان اوان البحث فى مثل هذه القضايا لم يحن بعد. وليس ببعيد عن ما خرجنا به من تية ،رغم صمته،يقول المحلل السياسي ابوكلام آدم ان «الحرب هى نهاية الكلام»،وان ما يحدث الآن على ارض الجبال لا يبقي للكلام معنى او جدوى،معتبرا ان تصريحات الحلو وهارون تعبر عن حقيقة ما يجري فى جنوب كردفان، لذلك يتوقع ان لا يصل الطرفان الى شئ يخفف من التوترات فى الولاية او ان يتركا حتى مساحة للحوار بينهما فى هذه المرحلة، وهو ما يستلزم بنظره تدخل الوسطاء بغاية السرعة، فيما يصف مستشار هارون الاعلامي عبدالله بدوي تصريحات هارون بالامس بانها حاسمة وحازمة ومطلوبة الآن فى ولاية جنوب كردفان، ومرد هذا بحسب بدوي عودة الولاية بسبب هذه الاحداث لاجواء الحرب والدمار والذعر التي عاشتها قبل عشرين عاما،مشيرا الى ان الوالي هارون لا يستطيع ان يسبح عكس التيار العام فى الولاية، التي يرى مواطنوها الآن انه لامجال للتفاوض مع من تمرد وحمل السلاح.