تاريخ الشعوب هو الذي يشكل جغرافيا الاوطان ..فهو الإرث الذي تتوارثه الاجيال، فالشعب السوداني بكل سحناته والوانه وأطيافه كانوا يشكلون تلك البقعة الجغرافية المعروفة (بأرض المليون ميل مربع) ..وتلك الخارطة هي التي علقت في أذهاننا وارتبطت بوجداننا شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. كنا نقول من حلفا لي نيمولي ومن الجنينة لي طوكر والآن نقول من حلفا لي وين؟؟؟؟ حينما كنا صغاراً وفي المراحل الاولية من الدراسة كنا نردد تلك القصيدة( منقو قل لاعاش من يفصلنا ) ..هكذا علمونا وهكذا وعينا ونشأنا ... وهكذا درسنا وحفظنا.. كل الاجيال المتعاقبة تعرف هذا الدرس الجميل.. حب الوطن موحدا ولا تعرف معنى الفرقة والشتات ..ماذا نفعل ؟؟؟؟ ونحن تعلمنا ان الوطن شماله وجنوبه كله لنا .ماذا نفعل ونحن نشأنا اننا وطن في شخص وليس اشخاصاً في وطن.. كل المدائن كنا نقول انها لنا فكيف نرضى بمدينة دون أخرى؟؟ فالحنين الي وطن الجدود و الحنين الي خارطة جميلة تعلمنا ان نرسمها منذ نعومة اظافرنا و الحنين الى ارض مليون ميل مربع تتنوع فيها الثقافات والاديان والقبائل وتتلاقى في حبها للوطن . افعلوا ما تشاءون ودعوا لنا الحنين دعوا لنا ذكريات السنين بحلوها ومرها . فقد حضرتني هذه الابيات لشاعر سوداني عبر فيها عن ارض كانت تسمى السودان أكبر الاقطار العربية حيث قال: مليون مربع ميل فسيح لولا الملام كان انفتح في كل ميل مليون سبب للانسجام مليون سبب واضح صريح معروفة إنك يا وطن : مما اتخلقت مع النهر مخلوق نظام واحد صحيح الما صحيح : هو البرضا ليك الانقسام والما بحبك .. ما نصيح يا جينة اللون الطمي و يا شفرة الروح في العضام .. بيك احتمي وليك انتمي و كيف امدحك ؟! وانت الغنا وانت المديح .. عرفنا الجنوب من خلال مدينة جوبا عندما تقول جوبا فإنك تعني الجنوب وهي سودان مصغر ... لذلك جاءت تسمية أعرق جامعة في جنوب السودان على إسمها... فكنت من الذين درسوا وتخرجوا فيها ..وهي أيضاً لوحدها منارة وبقعة بحجم مليون ميل .. فعندما تسمع جامعة جوبا يخيل اليك ان طلابها وأساتذتها هم الجنوبيون فقط ..ولكنها ليست كذلك ..فطلابها من الشرق والغرب والشمال والجنوب والشهادات العربية والطلاب الوافدون من معظم الدول العربية ..لذلك كانت جامعة بحجم وطن. فزملاؤنا الطلاب الجنوبيون كانت وما زالت تربطنا بهم علاقات طيبة ومتواصلة وجمع بيننا مدرج واحد وكنا رفقاء الدرب والرحلة والمعاناة ..فأخذنا منهم وأخذوا منا.. فهم باقون معنا في الشمال بما تعلمناه منهم ونحن كذلك انتقلنا معهم للجنوب بما تعلموه منا..وعربي جوبا هو كان اللغة المشتركة بيننا .. كانوا يشاركوننا مناسباتنا ونشاركهم أيضاً ..فشكلوا حضوراً دائماً في حياتنا...ففي ظني أن هذا الإنفصال جغرافياً فقط وليس وجدانياً ..لاننا وفي ظل ظروف الفرقة والشتات هذه تلقينا دعوات من أصدقائنا الجنوبيين وزملاء الدراسة بزيارتهم في وطنهم الجديد مما يعزز عمق العلاقات التي تربطنا . فالصورة أعلاه تمثل عمق الإنصهار والتعايش كأفراد في بوتقة واحدة وتمثل قمة التجانس والإلفة التي كانت تجمع بيننا ..فهي كانت في العام 2002م داخل إحدى قاعات الدراسة .. تجمع الشاب الابنوسي سكر اقوق - شول جوزيف - لويس لوكانقا - عبد الباقي عثمان - أمير ابراهيم .. وشخصي وبقية الزميلات ...فهي ذكرة باقية ما بقينا نحن ونجتر منها ما كان جميلاً. فوداعاً أخي منقو. خاتمة: الوطن وجد ليكون واحدا في ظل التنوع والتعدد.. والانفصال ليس إلا افكاراً سياسية ....تباً للسياسة!!