اثار قرار البرلمان باسقاط الجنسية عن جميع الجنوبيين بعد الانفصال ردود افعال مختلفة، فقد رحب بعضهم بهذا القرار باعتبار ان اهل الجنوب قد حددوا خيارهم يوم الاستفتاء، فيما استنكر بعضهم الآخر شمول هذا القرار لأهل دينكا نقوك الذين لازالوا يعيشون في ابيي، ووجاهة ما ذهب اليه هؤلاء تكمن في ان ابيي لازالت شمالية بحكم القانون والاتفاقيات الموقعة بشأنها واخرها اتفاق اديس ابابا. ولكن عاد البرلمان مرة اخرى بفعل جهود قام بها نائب المجلد ليعيد لأهل ابيي حقهم وشماليتهم، كما يقول نائب المجلس التشريعي للمنطقة زكريا اتيم والذي وصف وضع دينكا نقوك بعد انفصال الجنوب بالايتام، موضحاً في ندوة اقامها بالامس المركز السوداني للخدمات الصحفية عن مستقبل ابيي ان ابناء ابيي في الخدمة المدنية والقوات النظامية قد طردوا من العمل فور اسقاط الجنسية، وهو الامر الذي لم يكن متوقعا من الشمال لانهم شماليون منذ البداية، وان ابيي ظلت جزءاً لا يتجزأ من ولاية جنوب كردفان وهو وضع لم يتغير حتى بعد دخول الاستعمار، الذي حاول فيما بعد ان يجعلها جزءا من الجنوب،الا ان الناظر دينق مجوك وقف في وجه مخططاتهم ورفض ان يتغير وضع ابيي رغم الضغوط، وهو الطريق الذي ما زلنا نحافظ على المسير فيه و»اي زول يمشي في درب جدودوه». ومضى زكريا ليقول انهم ظلوا مع المسيرية لسنوات طويلة، وان ما يحدث الآن بالمنطقة بفعل المنازعات بين الطرفين عليها يختلف تماماً عما تعودوا عليه، ويؤكد انهم والمسيرية اخوة اختلطت دماؤهم كدينكا بدمائهم، ولم يحدث قط ان حدثت مشكلة تعكر صفو هذه العلاقة،او تنقص حياة الناس في مجتمع ابيي او تهدد السلام والاستقرار الاجتماعي، مشيراً الى ان اهل ابيي لم يدفعوا في يوم من الايام ضرائب مهما كان شكلها للجنوب، وان كل الاموال التي كان يدفعها مجتمع ابيي من مسيرية ودينكا كانت تذهب الى الابيض، وقال ان هذا تاريخ دينكا نقوك الذي لا تعلمه الاجيال الجديدة. ثم يذهب نائب تشريعي ابيي الى ان دينكا نقوك كانوا يشاركون اهل الشمال في كل الاحداث التي جرت فى البلاد، لافتاً في هذا الاطار الى مشاركتهم بابقارهم واموالهم في نزاع الشرق الاوسط «حرب اكتوبر» عندما شارك السودان فيه. وعاد زكريا اتيم ليشيد بتصريحات احمد ابراهيم الطاهر رئيس البرلمان المؤيدة لحق دينكا نقوك بالجنسية السودانية، وقال ان القرار في هذا الصدد قد اعاد الطمأنينة اليهم ولجميع ابناء ابيي الذين خدموا لسنوات طويلة في اجهزة الدولة والجيش، مضيفاً «لا يمكن ان تقول لهم بعد كل ذلك اذهبوا»، ورأى ذكريا اتيم ان بعد ذهاب الجنوب ليصبح دولة مستقلة اصبحوا هم دينكا نقوك «جزءاً من الشمال» وسيظلون كذلك طالما ان القضية لم تحسم وطالما «الحل بعيد». وقال انه يعتقد ان على الشمال والجنوب البحث عن ايجاد حل لكنه لا يتصور ان يكون الحل في منع المسيرية الذين يقضون «9» اشهر من كل عام داخل حدود المنطقة، من المشاركة مع دينكا نقوك في استفتاء يحدد وضعها ومستقبلها، مذكراً في هذا الصدد بموقف الناظر بابو نمر عندما ارادت مايو ان يذهب دينكا نقوك للجنوب، فقد قال الناظر للمشير نميري «اذا اردت ان يذهب هؤلاء الى الجنوب فساذهب انا معهم». وهذا الموقف كما يشير زكريا يحدد شكل هذه العلاقة القديمة من عصور سحقية، وهي الحقيقة التي يدركها ويتجاهلها عن عمد من يريدون حرمان اهل ابيي من تعايشهم بسبب المطامع، ثم تحدث نائب تشريعي ابيي والمشرف السياسي للمؤتمر الوطني بالمنطقة، عن الاوضاع السيئة التي يعيش في ظلها ابناء دينكا نقوك، مبيناً ان اغلبهم موجود الآن في معسكرات بواو واويل لان المواجهات الاخيرة لم تبق لهم شيئاً، ووجه اتيم نداءً الى الحكومة في المركز والولايات المختلفة بدعم اهل ابيي ومساعدتهم في اعادة الاستقرار. وبرر رحمة عبد الرحمن النور نائب الادارية اسقاط الجنسية عن الجنوبيين ب»حكم القانون والاعراف الدولية»، لكنه اخذ في توضيح الوضع الخاص لابيي التي تتبع لرئاسة الجمهورية، وقال ان الاجراءات التي تمت بشأن ابناء ابيي كانت بسبب الغموض و»الاشياء المغلوطة، مشيراً الى ان ذلك ادى في النهاية الى فصل كثير من الموظفين من ابناء دينكا نقوك من عملهم فى السودان الشمالي، وبين انهم تحركوا حينها على مستوى رئاسة الجمهورية التي يتبعون لها والبرلمان ووزارة الداخلية، لتوضيح ما يجب توضيحه وهو «ان دينكا ابيي شماليين بلا شك الى ان تحسم القضية»، ومن بعد ذلك يتم تحديد الجنسية. وثمن رحمة من جانبه ايضاً تصريحات رئيس البرلمان والاجراءات التي تبعت ذلك التصريح، واعتبرها تأكيداً على المؤسسية التي تدار بها الامور في السودان. وقال ان ابيي ستصبح جسراً بين الشمال والجنوب عندما يتم حل الخلاف حولها، مؤكداً ان مجتمع ابيي والعلاقات الخاصة التي تربط اطرافه، يمكنها ايضاً ان تصبح المثال لربط الشمال والجنوب بعلاقات سامية ومثمرة في المستقبل. مطالباً الاطراف المختلفة باعتماد رؤية مستقبيلة لكيفية اعادة الامور الى نصابها الاول، محذراً من مغبة ذلك لانه يمكن ان يؤدي الى عودة الحرب مجدداً. ومن جانبه طالب وزير الحكم المحلي السابق ماجد ياك الاطراف المختلفة بالوضوح في طرح العلاقة بين الشمال والجنوب، مشيراً الى ان شريكي نيفاشا قد خاضا مرحلة الانفصال برؤى واضحة، فالحركة الشعبية كانت ترغب منذ البداية في الانفصال، وان ما يحدث الآن جزء من تأثيرات الانفصال، وان على الجنوبيين طالما اختاروا الانفصال «ان يتحملوا نتيجة خيارهم»، وقال» لا يجب ان يدعو احد بعد الآن الى جنسية مزدوجة»، مضيفا «انا ضد الرؤية الرمادية»، ومضى ليقول: كما انني لا اعتقد بان هناك تأثيرات سلبية لعدم اقرار الجنسية المزدوجة فالمشكلة الوحيدة التي يمكن ان تنجم عن ذلك هي انسان ابيي، الذي لم يستفت بحسب الاتفاق في انفصال الجنوب، وهؤلاء كما يشير ياك هم الآن من يتحملون التعسف من الوزارات والدواوين الحكومية بسبب خيار الانفصال، رغم انهم يصرون على انهم جزء لا يتجزأ عن الشمال. واستعرض ياك تطور العلاقة بين الدينكا والمسيرية عبر سنوات، وقال ان هذه العلاقة قديمة لذا لا يمكن ان تأتي الحركة الشعبية وتطالب بذهاب ابيي للجنوب وقد تزاوج الناس مع بعضهم بعضا وخاضوا المعارك السياسية معاً، كما كانوا يتبادلون المناصب التي تمثل اهل المنطقة، ويدفعون حتى الضرائب معاً، وكل ذلك رغم تأثيرات دخوا انانيا «1» الى ابيي ومن بعد ذلك دخول الحركة الشعبية في 1983م، مؤكدا ان الاوضاع على الارض ظلت كما هي، وطغى التعايش على كل الاصوات المنادية بالسوء، مستعرضاً جهود ابناء ابيي في محاربة الاهداف التي تسعى اليها الحركة الشعبية قبل الاتفاق وبعده، واكد ماجد ياك ان ابناء ابيي جميعاً شماليون بالارض والانسان، وان مصير الدينكا والمسيرية «مربوط خيط وابرة»، مشدداً على ان الاستفتاء الخاص بابيي لن يذهب بها لتكون جزءاً من الجنوب، اذا تم هذا الاستفتاء بالطريقة الصحيحة، لان قضية ابيي هي قضية مصير. وانطلق الوزير السابق لينتقد تناول اجهزة الاعلام للقضية، مطالباً في المقابل بنظرة متعمقة وفاحصة لابيي ولقضية اهلها. ورأى ماجد ياك ان تطلعات الحركة الشعبية ورؤيتها لمستقبل ابيي لا تتماشى مع رغبات اهلها، وقال مهاجماً موقف الحركة الذي وصفه بالاقصائي، ان قياداتها ظلت تردد «بانها لا تريد عرباً في هذا البلد»، مدللاً على ذلك بالممارسات التي قامت بها الادارة السابقة للمنطقة، والتي تجزم كما يقول بان الحركة لا تريد للناس ان تتعايش مع بعضها بعضا، فالحركة بحسب ياك طردت التجار واستبدلت الشرطة بالجيش لتفرض ما تريد وتنفذ خططها في توسيع الهوة بين مكونات مجتمع ابيي. واعتبر ياك ان انتشار القوات الاثيوبية الذي يتم الآن في ابيي، سوف يصون الاستقرار ويبعث السلام، شريطة ان يتم بشكل جيد وسليم وان لا يشابه ما كانت تقوم به القوة المشتركة السابقة. محذراً من ان ذلك لن يغير شيئا وسيقود ابيي الى «الخراب هذه المرة تماماً». وتطرق الدكتور محمد سليمان الخبير في شؤون المنطقة الى سبل معالجة مشكلة ابيي، مشيراً الى ان مسار الحل محكوم باتفاقيات اديس ابابا والبرتوكولات الموقعة، وقرارات مجلس الامن. وهو ما يضع مرجعيات قانونية يمكن الاستناد عليها في الحوار بين الشمال والجنوب. واستعرض نصوص اتفاقية اديس ابابا التي تجعل مهمة حفظ الامن لدى القوات الاثيوبية، فيما تجعل الادارة المحلية مناصفة بين الشمال والجنوب. مطالباً الاطراف المختلفة بالعمل الجاد من اجل الوصول الى صيغة لحل هذه القضية، لافتاً الى ان الاتفاقية منحت الطرفين الرئيسين فترة زمنية تمتد لستة اشهر، يجب استغلالها في الحوار المثمر والبناء. ورأى سليمان ان المخرج من ازمة ابيي يتمثل في اتباع مسارين، اولهما مسار قبلي خاص بالاعراف والتقاليد والآليات المحلية لفض النزاعات، اذ ان اهل ابيي هم اصحاب المصلحة الحقيقية في الوصول الى وفاق، يمكن بمقتضاه اكمال مسيرة التعايش. والمسار الثاني هو التسوية السياسية بين الدولتين للوصول الى اتفاق يحسم القضايا والمصالح الخاصة بكل منهما.