جاء في كتاب الحوادث والبدع للطرطوسي، لما دخل سليمان بن مهران الأعمش البصرة نظر الى قاص يقص في المسجد ويقول حدثنا الأعمش عن أبي اسحق عن أبي وائل، فتوسط الأعمش الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه، فقال له القاص، يا شيخ ألا تستحي نحن في علم وأنت تفعل مثل هذا، فقال الأعمش: الذي أنا فيه خير من الذي أنت فيه، قال كيف؟، قال لأني في سنة وأنت في كذب، أنا الأعمش وما حدثتك مما تقول شيئاً.. وجاء في الأنباء أن السلطات قد أعلنت انها باشرت اجراءات قانونية لدى نيابة أمن الدولة ضد ياسر عرمان الأمين العام للحركة في الشمال وآخرين بتهمة زيارتهم لاسرائيل وما أدراك ما اسرائيل، الواقع أنني شخصياً لا أعرف على وجه اليقين ما إذا كان عرمان قد زار اسرائيل فعلاً طبقاً لبعض المصادر والوسائل المحلية التي نشرت الخبر، كما أنني بالمقابل لا أعرف ولست على يقين من أنه لم يزر اسرائيل وفقاً للنفي الذي أصدره عرمان غير ما مرة، ولكن الذي أعرفه ومتيقن تماماً منه أن المكايدات والمكائد ونصب الكمائن لن تتوقف بين الاطراف السياسية المختلفة والمتنازعة وخاصة في أجواء الأزمات واشتداد النزاع، فبمثلما يكمن هذا الطرف لذاك ويكيد له فان الطرف الآخر يبادله نفس المكيدة، ولهذا تجد مثلاً ان العلاقة باسرائيل او القرب منها او التقرب اليها تهمة حاضرة ومتبادلة من هؤلاء على أولئك ومن اولئك على هؤلاء حتى ليكاد أن لا ينجو منها أحد، فهناك أيضاً رواية شبيهة لرواية زيارة عرمان لاسرائيل وان اختلفت التفاصيل وتناقضت الشخصيات، وهكذا لن يعدم احد رواية يلصقها بفلان أو علان من الزعامات أو بهذا الحزب او ذاك، وكل هذا يكون من المفهوم وان لم يكن مقبولا في إطار الصراع السياسي ومساعي كل طرف في النيل من الآخر، ولكن ما يستعصى على الفهم هو الذهاب بمثل هذا الصراع الى المحاكم وطرحه على منصات القضاء حيث البينات والدلائل والحيثيات المؤكدة والتي لا يملك منها الشاكون شروى نقير وانما كلها بيد اسرائيل ان شاءت نسفت الاتهام من أساسه حتى لو كان عرمان زارها حقيقة وان شاءت أثبتت التهمة حتى لو لم يكن عرمان زارها، ولا ادري ماذا سيفعل القضاء ومن قبله النيابة إزاء هذا الوضع الشاذ الذي ستجد أركان العدالة نفسها داخله، هل ستطلب شهادة اسرائيل الدولة أو على الأقل الاسرائيليون الذين وردت الإشارة اليهم باسمائهم وصفاتهم، ام ما الذي سيحدث بالضبط إزاء هذه القضية خاصة اذا وافق مثلاً وزير الدفاع الاسرائيلي المثول امام المحاكم السودانية للإدلاء بشهادته، أليست في ذلك مفارقة، أن تأتي الينا اسرائيل في عقر دارنا ونحن من نرفض أن يذهب أي سوداني اليها..